يا أعداء المالكي اتحدوا !!!
د . عبد الخالق حسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لمجرد أني أرفض تصديق الأكاذيب والإشاعات، والمشاركة في الترويج لها، فأنا متهم بأني أروِّج للمالكي وأدافع عنه، وأني تخليت عن علمانيتي و"لأسباب طائفية!!". وإذا كان الأمر كذلك، فليكن، لأن رضاء الناس غاية لا تدرك، وأية محاولة لإقناع هؤلاء بعكس ذلك، مضيعة للوقت والجهد، إذ كما قال أحد الحكماء (النقاش مع متعصب ومتشدد أشبه بالنقاش مع الميت). فهؤلاء ومنذ نعومة أظفارهم تربوا على ثقافة الهدم، والمشاكسة، ومحاربة السلطة وأية سلطة كانت، حتى ولو كانت منتخبة من الأغلبية وتعمل لصالح الشعب. ولهذا السبب، وقع البعض من أدعياء العلمانية والديمقراطية واليسارية في الفخ البعثي، وصارت مواقفهم متناغمة مع مواقف البعث الفاشي الذي يعمل اليوم تحت اسم "داعش"، وحليف للقاعدة. والتراث العربي عموماً، والعراقي خاصة، مليء بكل ما يشبع رغبات الكاتب المعارض للتهجم على الحكومة أو رئيسها تحديداً. ففي تاريخ العراق الطويل، نادراً ما يموت الحاكم فيه موتاً طبيعياً، إذ أغلبهم انتهوا بالقتل.
وكنموذج للهبوط إلى القاع في محاربة الديمقراطية والانتخابات والعراق الجديد الحر، أنقل نموذجاً من اللغة الهابطة من أحد أدعياء الثقافة والأكاديمية والعلمانية، في مقال هستيري بائس يندى له الجبين يبدأه بقوله: (يبدو العراق مثل غابة يتحكم فيها الضواري والقرود .. ولم يعد في العراق اية مقاييس للغباء والذكاء .. او الحق والباطل .. او الغيرة والنذالة .. او المحافظة والانفلات .. او قيم وطنية ازاء فوضى الانقسامات. اذ يأكل الحكم المتسلط قوة الاحرار من خلال المال والسلطة والترهيب والترغيب ، ومع وجود الكلمة الشجاعة وهموم المعارضين الاخرين من النزهاء المتمدنين والاذكياء والساسة الوطنيين الاشداء ، ولكن المحنة اشد ، وان العراقيين في دوامة ليس باستطاعتهم الخروج منها .. دعوني اقول: ان لا عدالة ولا نزاهة في الانتخابات التي ستجري ، والتي يلهج بذكرها اغلب العراقيين ، فهي غير دستورية ابدا بحكم الخلل في الدستور ، والاستمرار في عملية سياسية خاطئة). انتهى الاقتباس
لا تعليق على هذا الهذيان المحموم، وأترك الحكم للوطنيين الشرفاء الذين هم ليسوا من مقاييس هذا المحموم طبعاً، ولكن لا بأس من القول، أنه إذا كان خصوم المالكي والعراق الجديد من هذا النوع، فهذا شرف للعراق وللمالكي، على غرار ما قاله المتنبي: إذا أتتك مذمتي ...
أود التوكيد مرة أخرى، أن ما يتعرض له العراق، والسيد نوري المالكي يشبه إلى حد بعيد ما تعرض له الزعيم عبدالكريم قاسم بعد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة من مؤامرات ودسائس وتخريب، وتكالب ومن نفس الجهات الداخلية، والخارجية. فخصوم العراق في العهدين هم أنفسهم، أبناء نفس الزعامات الوراثية، السياسية التي حكمت في العهد الملكي، والدينية ذات التأثير في الجماهير وخاصة في الجانب الشيعي، والتي كان لها دور كبير في إنجاح انقلاب شباط 1963 الأسود، إذ لم يرض هؤلاء أن يحكمهم شخص من عامة الشعب، مثل عبدالكريم قاسم (ابن الصويرة)، أو نوري المالكي (ابن طويريج).
فمن سخرية الأقدار أن يتبوأ قيادة تنظيمات سياسية مؤثرة، شابان هما مقتدى الصدر، وعمار الحكيم، لا لخبرتهما وكفائتهما القيادية، بل لأنهما من أبناء زعماء دينيين. لا شك أن شعباً يفضل الزعامة الوراثية على الخبرة والكفاءة في اختيار قادته لا بد وأن يمر بالكوارث.
على أية حال، هناك فوارق كبيرة بين الزمنين، الحالي وزمن ثورة تموز، منها:
أولاً، إن مكر التاريخ جعل الدولة العظمى، أمريكا، وحلفائها الغربيين يقفون اليوم مع العراق، وليس مع أعدائه، حيث حصل تغيير جذري في الظروف المحلية والإقليمية والعالمية. ثانياً، السيد نوري المالكي يختلف عن الزعيم عبدالكريم قاسم، رغم سعي الزعيمين لمصلحة الشعب وخاصة الفقراء منهم، والأخلاص للوطن، إلا إن المالكي وراءه كتلة سياسية كبيرة، تضم كيانات لها ثقلها في الحراك الجماهيري، بينما الزعيم قاسم لم يكن له حزب سياسي يدعمه، رغم تمتعه بجماهيرية واسعة، فهذه الجماهير لم تكن منظمة، ولا حول لها ولا قوة سوى حبها لزعيم الفقراء. ثالثاً، لم يعد الجيش العراقي اليوم يخضع لأهواء بعض العسكريين المغامرين المسيَّسين الذين اتخذوا الانقلابات العسكرية أسهل وأقصر الطريق (short cut) للوصول إلى السلطة، فعهد الانقلابات العسكرية قد ولّى إلى الأبد، ولكن مع ذلك يحاول أعداء العراق أن يتبنوا نفس الطرق القديمة في الظروف الحديثة المختلفة جداُ، ولذلك نعتقد أن مصير هؤلاء (الأخوة- الأعداء) الذين يعملوا وفق شعار (يا أعداء المالكي اتحدوا) مصيرهم الفشل.
وآخر هذا التحالفات هو ما سمي بحلف أربيل الأخير الذي ضم السيد مسعود برزاني، وأياد علاوي، وعمار الحكيم، ومقتدى الصدر، و النجيفي وصالح المطلك وغيرهم. ولهؤلاء أتباع وعلاقات وكيانات سياسية من بينها فلول البعث (داعش) والقاعدة، تدعمهم حكومات إقليمية مثل تركيا والسعودية وقطر.
وهذا الحلف غير المقدس، ليس جديداً، فقد بدأ بعد ترشح السيد نوري المالكي لرئاسة السلطة التنفيذية للمرة الثانية عام 2010. فطلع علينا ما سمي بـ(اتفاق أربيل) في السباق المارثوني لتشكيل الحكومة برئاسة السيد المالكي، وبشروط مجحفة، حيث فرض اتفاق أربيل أسلوب بعثي بامتياز، وهو تشكيل ما سمي بـ(المجلس السياسي الأعلى) برئاسة البعثي أياد علاوي، يتمتع بصلاحيات تعادل صلاحيات رئيس الحكومة، ومجلس يشبه مجلس قيادة الثورة في عهد صدام، والذي كانت قراراته فوق قرارات البرلمان الصدامي الصوري. وبذلك أرادوا بأساليب خبيثة الالتفاف على الديمقراطية، وإلغاء دور البرلمان الحالي وجعله صورياً فقطز وهذا يعني صنع القرارات السياسية بيد مجلس لم ينتخبه الشعب.
ولكن بعد تشكيل الحكومة انتبه المخلصون إلى أن هذا المجلس السياسي الأعلى، هو مخالف للدستور، لذلك وقف السيد نوري المالكي بشدة ضده، فاتهموه بالخروج على اتفاق أربيل "المقدس!!"، وهو خروج يسجل له لأنه في صالح الشعب العراقي والدستور والديمقراطية.
ولذلك راح أعداء المالكي بقيادة أياد علاوي بالتحرك مرات ومرات، والحج إلى حائط المبكى في أربيل. وفي إحدى المرات كانت المحاولة لترتيب اتفاق على سحب الثقة من رئيس الوزراء في البرلمان. ولكن كان واضحاً، أن الشيء الوحيد الذي جمع هؤلاء هو عداءهم للمالكي ورغبتهم الجنونية في إزاحته عن طريقهم، ودون أن يكون لديهم البديل المتفق عليه، ولذلك فشلوا في محاولة سحب الثقة. كما وحاول أياد علاوي من جانبه إسقاط حكومة المالكي في الدورتين وذلك بسحب وزرائه من الحكومة، فارتدت سهامه إلى نحره، حيث تمرد عليه وزراؤه وفضلوا البقاء في حكومة المالكي حرصاً منهم على المصلحة الوطنية. وبذلك فقد علاوي السيطرة حتى على وزرائه بعد أن فقدها على كتلته "العراقية" التي تفتت إلى شذر مذر.
واليوم، والانتخابات على الأبواب، ورغم الضجيج الإعلامي المضاد، فإن أغلب المؤشرات تشير إلى أن كتلة (دولة القانون) برئاسة المالكي، ستحقق الأغلبية في البرلمان. وإذا ما تم تكليف دولة القانون بتشكيل حكومة الأغلبية السياسية، كما وعدت به، بدلاُ من (حكومة الشراكة)، فهذا يعني أن بإمكان كتلة دولة القانون عقد تحالفات مع كيانات سياسية أخرى وتشكيل الحكومة وحصول المالكي على الولاية الثالثة. وهذا السيناريو يُعد كابوساً يقض مضاجع خصوم المالكي. لذلك سارعوا إلى تشكيل حلف أربيل (مارك 2)، وهو حلف رباعي وربما أكثر. وكالعادة، فمن أهم ما يجمع هؤلاء "الأصدقاء - الأعداء" هو منع المالكي من ولاية ثالثة، ويبدو أنهم على استعداد للتنازل عن حقوق الشعب العراقي في توزيع الثروة بصورة عادلة، فيطلقون يد السيد بارزاني في احتكار نفط الإقليم وثرواته له، وحقه في 17% من ثروات العراق، وأن تتصرف حكومة بارزاني كدولة مستقلة ضمن العراق أي(دولة داخل دولة)، مع حق دولة الإقليم في حكم العراق، ودون أن يكون للعراق أي دور في الإقليم، وكركوك قدس الأقداس! ويحق للخليجيين زيارة كردستان العراق بدون تأشيرة دخول (فيزة)، بينما يمنع المواطن العراقي من دخول كردستان بدون فيزة.
ولكن، المشكلة التي تواجهها كيانات سياسية شيعية (التيار الصدري والحكيم) ضمن التحالف الوطني هو أنهم يرون أنفسهم في تحالف مع كيانات سياسة تدعم الإرهابيين مثل داعش والقاعدة الذين يقتلون جماهيرهم، إذ نقرأ عناوين مثل: (متحدون تكشف عن تحالفها مع المواطن والاحرار لتشكيل الحكومة الجديدة). ومن هنا نرى السيد أحمد الجلبي، من المواطن (المجلس الإسلامي الأعلى)، يدافع بضراوة عن داعش وينفي ما يجري في الأنبار من إرهاب، ويصفه بأنه ثورة أهل السنة على الظلم والتهمبش من قبل المالكي.!!! وهذا التحالف مع ممثلي الإرهاب في حلف أربيل الجديد أدى إلى تنبيه جماهير التيار الصدري والحكيم بهذه التحالفات المريبة، والتي هي بمثابة التآمر على مصلحة العراق. فكتلة (متحدون) تمثل منظمة "داعش" الإرهابية التي تشن حرب الإبادة على الشيعة، والآن على أهل السنة أيضاً، إذ جاء في الأنباء أن"داعش" قتلت 300 من مواطني الفلوجة وحدها في الأشهر الثلاثة الماضية. كما و قرأنا تقريراً عن ردود أفعال لسلوك هذه القيادات بعنوان:(انشقاقات مُتوقّعة في "الصدري" و "المجلس" لتحالفهم مع جهات "تجامل" الارهاب وتدعمه). وهذا يعني أن قسماً كبيراً من جماهير التيار الصدري والحكيم سيصوتون لصالح المالكي، وليس لحلفاء داعش.
على أية حال، وكما فشلت الأحلاف الأربيلية السابقة، فلابد من أن تفشل الأحلاف الجديدة، ومهما نجح هؤلاء في شراء أقلام معروضة للإيجار، والتي تحاول التأليب والتأجيج والعزف بالوتر الطائفي خدمة للحكومات الوهابية التي تضمن بقاءها على محاربة الديمقراطية في المنطقة وبالأخص في العراق.
كتب محلل سياسي أمريكي قبل أسابيع مقالاً عن الوضع العراقي توصل فيه إلى استنتاج: أن العراق غير قابل للحكم (ungovernable). وتأكيداً لهذا الاستنتاج، وصلتني قبل أيام بالبريد الإلكتروني رسالة تكشف بوضوح كيف يتحجج خصوم المالكي عليه في أي إجراء يتخذه وأي تصريح ينطق به، قال صاحب الرسالة ما يلي:
(الله يعينك يا نوري المالكي
يأمر بانسحاب الجيش يقولون المالكي فشل في موضوع الأمن
يأمر بدخول الجيش يقولون المالكي ضرب السنة،
يرفض الحوار، يقولون الحوار هو الحل،
يذهب للحوار، يقولون المالكي اصطلح مع داعش،
يطرد البعثيين، يقولون المالكي قطع أرزاق العالم،
يعالج موضوع البعثيين يقولون المالكي بعثي،
يذهب لشراء سلاح، يقولون المالكي يريد يضرب السنة،
يترك شراء السلاح يقولون جيش المالكي فاشل وغير مسلح،
يفوز المالكي في الانتخابات يقولون الانتخابات مزورة)
يا أعداء المالكي اتحدوا، ففي اتحادكم إعادة اصطفاف القوى السياسية، وتتضح الأمور، ليعرف الناخب العراقي، الغث من السمين، وليميز بين المخلصين للشعب، وبين أعدائه مثل أنصار داعش والقتلة الآخرين، وليتضح لهم من هم مع الديمقراطية يريد الخير والأمن والازدهار للشعب، ومن هم الذين لا يفكرون إلا بنرجسيتهم المتضخمة، ومصالحهم الشخصية والفئوية و الأبهة الفارغة. ففي إتحادكم هزيمة لكم وانتصار للقوى الخيرة التي تريد الخير للشعب.
هذا هو العراق، ولكن رغم كل هذه العقبات والعقليات التدميرية، فالمرحلة التاريخية الراهنة هي للديمقراطية أي حكم الشعب، وفي هذه الحالة، لا بد للديمقراطية أن تنتصر، ولا يصح إلا الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
ياسين مجيد: حلف أربيل 1-2
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166509.html
ياسين مجيد: حلف أربيل 2-2
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166557.html
انشقاقات مُتوقّعة في "الصدري" و "المجلس" لتحالفهم مع جهات "تجامل" الارهاب وتدعمه
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166770.html
متحدون تكشف عن تحالفها مع المواطن والاحرار لتشكيل الحكومة الجديدة
http://alakhbaar.org/home/2014/4/165978.html
فيديو .. اياد علاوي لا يعرف داعش
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166657.html
صالح المطلك ودعاية الكراهية الإنتخابية – الصياد
http://alsayaad.com/archives/35909
عاطف العزي: شبيه الشيء...مقتدى الصدر وأتباعه
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166353.html
داعش قتلت 300 مواطن فلوجي في الأشهر الثلاثة الماضية
http://alakhbaar.org/home/2014/4/167131.html
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
د . عبد الخالق حسين

لمجرد أني أرفض تصديق الأكاذيب والإشاعات، والمشاركة في الترويج لها، فأنا متهم بأني أروِّج للمالكي وأدافع عنه، وأني تخليت عن علمانيتي و"لأسباب طائفية!!". وإذا كان الأمر كذلك، فليكن، لأن رضاء الناس غاية لا تدرك، وأية محاولة لإقناع هؤلاء بعكس ذلك، مضيعة للوقت والجهد، إذ كما قال أحد الحكماء (النقاش مع متعصب ومتشدد أشبه بالنقاش مع الميت). فهؤلاء ومنذ نعومة أظفارهم تربوا على ثقافة الهدم، والمشاكسة، ومحاربة السلطة وأية سلطة كانت، حتى ولو كانت منتخبة من الأغلبية وتعمل لصالح الشعب. ولهذا السبب، وقع البعض من أدعياء العلمانية والديمقراطية واليسارية في الفخ البعثي، وصارت مواقفهم متناغمة مع مواقف البعث الفاشي الذي يعمل اليوم تحت اسم "داعش"، وحليف للقاعدة. والتراث العربي عموماً، والعراقي خاصة، مليء بكل ما يشبع رغبات الكاتب المعارض للتهجم على الحكومة أو رئيسها تحديداً. ففي تاريخ العراق الطويل، نادراً ما يموت الحاكم فيه موتاً طبيعياً، إذ أغلبهم انتهوا بالقتل.
وكنموذج للهبوط إلى القاع في محاربة الديمقراطية والانتخابات والعراق الجديد الحر، أنقل نموذجاً من اللغة الهابطة من أحد أدعياء الثقافة والأكاديمية والعلمانية، في مقال هستيري بائس يندى له الجبين يبدأه بقوله: (يبدو العراق مثل غابة يتحكم فيها الضواري والقرود .. ولم يعد في العراق اية مقاييس للغباء والذكاء .. او الحق والباطل .. او الغيرة والنذالة .. او المحافظة والانفلات .. او قيم وطنية ازاء فوضى الانقسامات. اذ يأكل الحكم المتسلط قوة الاحرار من خلال المال والسلطة والترهيب والترغيب ، ومع وجود الكلمة الشجاعة وهموم المعارضين الاخرين من النزهاء المتمدنين والاذكياء والساسة الوطنيين الاشداء ، ولكن المحنة اشد ، وان العراقيين في دوامة ليس باستطاعتهم الخروج منها .. دعوني اقول: ان لا عدالة ولا نزاهة في الانتخابات التي ستجري ، والتي يلهج بذكرها اغلب العراقيين ، فهي غير دستورية ابدا بحكم الخلل في الدستور ، والاستمرار في عملية سياسية خاطئة). انتهى الاقتباس
لا تعليق على هذا الهذيان المحموم، وأترك الحكم للوطنيين الشرفاء الذين هم ليسوا من مقاييس هذا المحموم طبعاً، ولكن لا بأس من القول، أنه إذا كان خصوم المالكي والعراق الجديد من هذا النوع، فهذا شرف للعراق وللمالكي، على غرار ما قاله المتنبي: إذا أتتك مذمتي ...
أود التوكيد مرة أخرى، أن ما يتعرض له العراق، والسيد نوري المالكي يشبه إلى حد بعيد ما تعرض له الزعيم عبدالكريم قاسم بعد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة من مؤامرات ودسائس وتخريب، وتكالب ومن نفس الجهات الداخلية، والخارجية. فخصوم العراق في العهدين هم أنفسهم، أبناء نفس الزعامات الوراثية، السياسية التي حكمت في العهد الملكي، والدينية ذات التأثير في الجماهير وخاصة في الجانب الشيعي، والتي كان لها دور كبير في إنجاح انقلاب شباط 1963 الأسود، إذ لم يرض هؤلاء أن يحكمهم شخص من عامة الشعب، مثل عبدالكريم قاسم (ابن الصويرة)، أو نوري المالكي (ابن طويريج).
فمن سخرية الأقدار أن يتبوأ قيادة تنظيمات سياسية مؤثرة، شابان هما مقتدى الصدر، وعمار الحكيم، لا لخبرتهما وكفائتهما القيادية، بل لأنهما من أبناء زعماء دينيين. لا شك أن شعباً يفضل الزعامة الوراثية على الخبرة والكفاءة في اختيار قادته لا بد وأن يمر بالكوارث.
على أية حال، هناك فوارق كبيرة بين الزمنين، الحالي وزمن ثورة تموز، منها:
أولاً، إن مكر التاريخ جعل الدولة العظمى، أمريكا، وحلفائها الغربيين يقفون اليوم مع العراق، وليس مع أعدائه، حيث حصل تغيير جذري في الظروف المحلية والإقليمية والعالمية. ثانياً، السيد نوري المالكي يختلف عن الزعيم عبدالكريم قاسم، رغم سعي الزعيمين لمصلحة الشعب وخاصة الفقراء منهم، والأخلاص للوطن، إلا إن المالكي وراءه كتلة سياسية كبيرة، تضم كيانات لها ثقلها في الحراك الجماهيري، بينما الزعيم قاسم لم يكن له حزب سياسي يدعمه، رغم تمتعه بجماهيرية واسعة، فهذه الجماهير لم تكن منظمة، ولا حول لها ولا قوة سوى حبها لزعيم الفقراء. ثالثاً، لم يعد الجيش العراقي اليوم يخضع لأهواء بعض العسكريين المغامرين المسيَّسين الذين اتخذوا الانقلابات العسكرية أسهل وأقصر الطريق (short cut) للوصول إلى السلطة، فعهد الانقلابات العسكرية قد ولّى إلى الأبد، ولكن مع ذلك يحاول أعداء العراق أن يتبنوا نفس الطرق القديمة في الظروف الحديثة المختلفة جداُ، ولذلك نعتقد أن مصير هؤلاء (الأخوة- الأعداء) الذين يعملوا وفق شعار (يا أعداء المالكي اتحدوا) مصيرهم الفشل.
وآخر هذا التحالفات هو ما سمي بحلف أربيل الأخير الذي ضم السيد مسعود برزاني، وأياد علاوي، وعمار الحكيم، ومقتدى الصدر، و النجيفي وصالح المطلك وغيرهم. ولهؤلاء أتباع وعلاقات وكيانات سياسية من بينها فلول البعث (داعش) والقاعدة، تدعمهم حكومات إقليمية مثل تركيا والسعودية وقطر.
وهذا الحلف غير المقدس، ليس جديداً، فقد بدأ بعد ترشح السيد نوري المالكي لرئاسة السلطة التنفيذية للمرة الثانية عام 2010. فطلع علينا ما سمي بـ(اتفاق أربيل) في السباق المارثوني لتشكيل الحكومة برئاسة السيد المالكي، وبشروط مجحفة، حيث فرض اتفاق أربيل أسلوب بعثي بامتياز، وهو تشكيل ما سمي بـ(المجلس السياسي الأعلى) برئاسة البعثي أياد علاوي، يتمتع بصلاحيات تعادل صلاحيات رئيس الحكومة، ومجلس يشبه مجلس قيادة الثورة في عهد صدام، والذي كانت قراراته فوق قرارات البرلمان الصدامي الصوري. وبذلك أرادوا بأساليب خبيثة الالتفاف على الديمقراطية، وإلغاء دور البرلمان الحالي وجعله صورياً فقطز وهذا يعني صنع القرارات السياسية بيد مجلس لم ينتخبه الشعب.
ولكن بعد تشكيل الحكومة انتبه المخلصون إلى أن هذا المجلس السياسي الأعلى، هو مخالف للدستور، لذلك وقف السيد نوري المالكي بشدة ضده، فاتهموه بالخروج على اتفاق أربيل "المقدس!!"، وهو خروج يسجل له لأنه في صالح الشعب العراقي والدستور والديمقراطية.
ولذلك راح أعداء المالكي بقيادة أياد علاوي بالتحرك مرات ومرات، والحج إلى حائط المبكى في أربيل. وفي إحدى المرات كانت المحاولة لترتيب اتفاق على سحب الثقة من رئيس الوزراء في البرلمان. ولكن كان واضحاً، أن الشيء الوحيد الذي جمع هؤلاء هو عداءهم للمالكي ورغبتهم الجنونية في إزاحته عن طريقهم، ودون أن يكون لديهم البديل المتفق عليه، ولذلك فشلوا في محاولة سحب الثقة. كما وحاول أياد علاوي من جانبه إسقاط حكومة المالكي في الدورتين وذلك بسحب وزرائه من الحكومة، فارتدت سهامه إلى نحره، حيث تمرد عليه وزراؤه وفضلوا البقاء في حكومة المالكي حرصاً منهم على المصلحة الوطنية. وبذلك فقد علاوي السيطرة حتى على وزرائه بعد أن فقدها على كتلته "العراقية" التي تفتت إلى شذر مذر.
واليوم، والانتخابات على الأبواب، ورغم الضجيج الإعلامي المضاد، فإن أغلب المؤشرات تشير إلى أن كتلة (دولة القانون) برئاسة المالكي، ستحقق الأغلبية في البرلمان. وإذا ما تم تكليف دولة القانون بتشكيل حكومة الأغلبية السياسية، كما وعدت به، بدلاُ من (حكومة الشراكة)، فهذا يعني أن بإمكان كتلة دولة القانون عقد تحالفات مع كيانات سياسية أخرى وتشكيل الحكومة وحصول المالكي على الولاية الثالثة. وهذا السيناريو يُعد كابوساً يقض مضاجع خصوم المالكي. لذلك سارعوا إلى تشكيل حلف أربيل (مارك 2)، وهو حلف رباعي وربما أكثر. وكالعادة، فمن أهم ما يجمع هؤلاء "الأصدقاء - الأعداء" هو منع المالكي من ولاية ثالثة، ويبدو أنهم على استعداد للتنازل عن حقوق الشعب العراقي في توزيع الثروة بصورة عادلة، فيطلقون يد السيد بارزاني في احتكار نفط الإقليم وثرواته له، وحقه في 17% من ثروات العراق، وأن تتصرف حكومة بارزاني كدولة مستقلة ضمن العراق أي(دولة داخل دولة)، مع حق دولة الإقليم في حكم العراق، ودون أن يكون للعراق أي دور في الإقليم، وكركوك قدس الأقداس! ويحق للخليجيين زيارة كردستان العراق بدون تأشيرة دخول (فيزة)، بينما يمنع المواطن العراقي من دخول كردستان بدون فيزة.
ولكن، المشكلة التي تواجهها كيانات سياسية شيعية (التيار الصدري والحكيم) ضمن التحالف الوطني هو أنهم يرون أنفسهم في تحالف مع كيانات سياسة تدعم الإرهابيين مثل داعش والقاعدة الذين يقتلون جماهيرهم، إذ نقرأ عناوين مثل: (متحدون تكشف عن تحالفها مع المواطن والاحرار لتشكيل الحكومة الجديدة). ومن هنا نرى السيد أحمد الجلبي، من المواطن (المجلس الإسلامي الأعلى)، يدافع بضراوة عن داعش وينفي ما يجري في الأنبار من إرهاب، ويصفه بأنه ثورة أهل السنة على الظلم والتهمبش من قبل المالكي.!!! وهذا التحالف مع ممثلي الإرهاب في حلف أربيل الجديد أدى إلى تنبيه جماهير التيار الصدري والحكيم بهذه التحالفات المريبة، والتي هي بمثابة التآمر على مصلحة العراق. فكتلة (متحدون) تمثل منظمة "داعش" الإرهابية التي تشن حرب الإبادة على الشيعة، والآن على أهل السنة أيضاً، إذ جاء في الأنباء أن"داعش" قتلت 300 من مواطني الفلوجة وحدها في الأشهر الثلاثة الماضية. كما و قرأنا تقريراً عن ردود أفعال لسلوك هذه القيادات بعنوان:(انشقاقات مُتوقّعة في "الصدري" و "المجلس" لتحالفهم مع جهات "تجامل" الارهاب وتدعمه). وهذا يعني أن قسماً كبيراً من جماهير التيار الصدري والحكيم سيصوتون لصالح المالكي، وليس لحلفاء داعش.
على أية حال، وكما فشلت الأحلاف الأربيلية السابقة، فلابد من أن تفشل الأحلاف الجديدة، ومهما نجح هؤلاء في شراء أقلام معروضة للإيجار، والتي تحاول التأليب والتأجيج والعزف بالوتر الطائفي خدمة للحكومات الوهابية التي تضمن بقاءها على محاربة الديمقراطية في المنطقة وبالأخص في العراق.
كتب محلل سياسي أمريكي قبل أسابيع مقالاً عن الوضع العراقي توصل فيه إلى استنتاج: أن العراق غير قابل للحكم (ungovernable). وتأكيداً لهذا الاستنتاج، وصلتني قبل أيام بالبريد الإلكتروني رسالة تكشف بوضوح كيف يتحجج خصوم المالكي عليه في أي إجراء يتخذه وأي تصريح ينطق به، قال صاحب الرسالة ما يلي:
(الله يعينك يا نوري المالكي
يأمر بانسحاب الجيش يقولون المالكي فشل في موضوع الأمن
يأمر بدخول الجيش يقولون المالكي ضرب السنة،
يرفض الحوار، يقولون الحوار هو الحل،
يذهب للحوار، يقولون المالكي اصطلح مع داعش،
يطرد البعثيين، يقولون المالكي قطع أرزاق العالم،
يعالج موضوع البعثيين يقولون المالكي بعثي،
يذهب لشراء سلاح، يقولون المالكي يريد يضرب السنة،
يترك شراء السلاح يقولون جيش المالكي فاشل وغير مسلح،
يفوز المالكي في الانتخابات يقولون الانتخابات مزورة)
يا أعداء المالكي اتحدوا، ففي اتحادكم إعادة اصطفاف القوى السياسية، وتتضح الأمور، ليعرف الناخب العراقي، الغث من السمين، وليميز بين المخلصين للشعب، وبين أعدائه مثل أنصار داعش والقتلة الآخرين، وليتضح لهم من هم مع الديمقراطية يريد الخير والأمن والازدهار للشعب، ومن هم الذين لا يفكرون إلا بنرجسيتهم المتضخمة، ومصالحهم الشخصية والفئوية و الأبهة الفارغة. ففي إتحادكم هزيمة لكم وانتصار للقوى الخيرة التي تريد الخير للشعب.
هذا هو العراق، ولكن رغم كل هذه العقبات والعقليات التدميرية، فالمرحلة التاريخية الراهنة هي للديمقراطية أي حكم الشعب، وفي هذه الحالة، لا بد للديمقراطية أن تنتصر، ولا يصح إلا الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
ياسين مجيد: حلف أربيل 1-2
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166509.html
ياسين مجيد: حلف أربيل 2-2
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166557.html
انشقاقات مُتوقّعة في "الصدري" و "المجلس" لتحالفهم مع جهات "تجامل" الارهاب وتدعمه
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166770.html
متحدون تكشف عن تحالفها مع المواطن والاحرار لتشكيل الحكومة الجديدة
http://alakhbaar.org/home/2014/4/165978.html
فيديو .. اياد علاوي لا يعرف داعش
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166657.html
صالح المطلك ودعاية الكراهية الإنتخابية – الصياد
http://alsayaad.com/archives/35909
عاطف العزي: شبيه الشيء...مقتدى الصدر وأتباعه
http://alakhbaar.org/home/2014/4/166353.html
داعش قتلت 300 مواطن فلوجي في الأشهر الثلاثة الماضية
http://alakhbaar.org/home/2014/4/167131.html
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat