صفحة الكاتب : د . عبد الخالق حسين

لماذا حكومة الأغلبية السياسية؟
د . عبد الخالق حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 الديمقراطية لا تأتي على طبق من ذهب، بل من خلال الصراعات والثورات والحروب الأهلية، وفي العراق كان مخاض الديمقراطية عسيراً أحتاج إلى عملية جراحية على يد الجراح الأمريكي. ومنذ سقوط الفاشية صار العراق مختبراً تعاد فيه تجارب خاضتها الشعوب من قبل، وبدلاً من أن يستفيد العراقيون من هذه التجارب، إلا إنهم أصروا على تكرارها. ومع ذلك نقول، لا بأس، كرروا التجارب والأخطاء، ولكن على شرط أن تستخلصوا منها الدروس والعبر.

من نافلة القول أن الديمقراطية هي آلية حضارية لحل الصراعات والخلافات بين الجهات السياسية المتصارعة، بالوسائل السلمية، أي بالحوار، والتصويت، وبالتالي الأخذ برأي الأغلبية، مع حق الأقلية في مواصلة جهودها لإقناع الأغلبية بوجهة نظرها مع شرط الالتزام بقرارات الأغلبية.

لقد ساعد المجتمع الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا، الشعب العراقي بإسقاط حكم الفاشية البعثية، وأقاموا مكانه نظاماً ديمقراطياً يحترم التعددية، فتشكلت (حكومة الشراكة الوطنية) التي ضمت ممثلين عن جميع مكونات الشعب العراقي دون عزل أو إقصاء جهة. ومن مساوئ هذه الشراكة الواسعة أنها ضمت عناصر معادية للديمقراطية، لها رِجل في الحكومة وأخرى مع الإرهاب، غرضها الرئيسي من المشاركة هو القيام بدور حصان طروادة لشل عمل الحكومة وتفجيرها من الداخل، ليثبتوا للعالم أن الديمقراطية لا تصلح للشعب العراقي. ولتحقيق هذا الغرض السيئ ، استخدموا الإرهاب لنشر الرعب بين الناس العزل، والأقلام لتشويه صورة الديمقراطية. لذا أطلقوا على حكومة الشراكة الوطنية المنتخبة اسم (حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية)، وراحوا يلفقون آلاف الأطنان من الأكاذيب والافتراءات ضد النظام الجديد.
كانت تجربة حكومة الشراكة الوطنية ضرورية في وقتها إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ظروف المرحلة الصعبة، والرغبة في عدم عزل أية جهة سياسية. ولكن بعد 11 سنة من هذه التجربة تأكد أن مساوئها أكثر من منافعها، حيث تم شل عمل الحكومة وما ترتب عليه من معاناة الشعب. ولذلك توصل الحريصون على إنجاح التجربة السياسية إلى أنه حان الوقت لتخطو خطوة أخرى إلى الأمام، وذلك بالتخلي عن حكومة الشراكة الوطنية الواسعة الفاشلة، وتبني حكومة الأغلبية السياسية (وليست الأغلبية الطائفية أو الأثنية). وهذا يتطلب النضال من أجل تشكيل تحالفات تضم كيانات سياسية منسجمة مع بعضها البعض، و متقاربة في البرامج والأهداف من مختلف الانتماءات الدينية والمذهبية والأثنية، تتعهد بالعمل المشترك النزيه بروح الفريق في حكومة إئتلافية من أجل خدمة الشعب. وهذا الذي نتمناه ونأمل أن تتمخض عنه الانتخابات القادمة المزمع إجراؤها في الثلاثين من هذا الشهر (نيسان/أبريل الجاري).

والعقبة الكأداء أمام حكومة الأغلبية هي رغم أن الجميع يشتمون حكومة الشراكة والتي يسمونها بحكومة المحاصصة الطائفية، إلا إننا بدأنا نسمع من يقف ضد حكومة الأغلبية، وبالطبع ليس صعباً عليهم إيجاد المبررات ضدها، منها الادعاء بعزل بعض المكونات من المشاركة في الحكومة، وبذلك يمكن الإدعاء أن هذه الحكومة هي حكومة الأغلبية الطائفية ولا تمثل المكون الفلاني. هذه الحجة يمكن تلافيها بمشاركة أي كيان سياسي من ذلك المكون، ينسجم مع برنامج الكتلة البرلمانية الكبرى المكلفة بتشكيل الحكومة. وليس هناك شحة في هذه الكيانات السياسية من أي مكون كان.

ومهما كانت مبررات المعارضين لحكومة الأغلبية، فإن تجربة 11 سنة الماضية المريرة أثبتت فشل حكومة شراكة الجميع، حتى أنها فسحت المجال أمام من يمثل منظمات الإرهاب مثل "داعش" و"القاعدة" وتحت مختلف الأسماء مثل (العراقية) و (متحدون) وما أشبه. فالديمقراطية الحقيقية تتطلب أغلبية تحكم، وأقلية معارضة تراقب نشاطات الحكومة وتنتقدها تحت قبة البرلمان، وليس في ساحات الاعتصمات التي تقام فيها ورشات تفخيخ السيارات المسروقة لتفجيرها في الأسواق المزدحمة، وساحات المسطر وقتل الألوف من الفقراء الأبرياء وبشكل عشوائي.

كما ويجب أن نحذر من إن تهمة، او لعنة (حكومة المحاصصة الطائفية والعنصرية) ستستمر في إلصاقها حتى بحكومة الأغلبية، وخاصة من قبل أولئك الذين لم يسعفهم الحظ في الفوز في الانتخابات أو المشاركة في الحكومة. فطالما يتكون الشعب العراقي من مختلف المكونات الدينية والمذهبية والأثنية، فلا بد وأن تكون في حكومة الأغلبية السياسية وزراء سنة وشيعة وكرد وتركمان ومسيحيين وغيرهم، وبذلك لا يمكن إسكات الأصوات من أطلاق تسمية (حكومة المحاصصة) إلا إذا تشكلت حكومة دكتاتورية يكون فيها صناع القرار السياسي من مكون واحد كما كان الوضع قبل 2003، أو تأجير حكومة مستوردة من سويسرا كما يتم تأجير شركات العلاقات العامة الأجنبية، أو شركات حماية مثل بلاك ووترز، ليس فيها سني أو شيعي أو من أي مكون من مكونات الشعب العراقي، وهذا مستحيل، لذلك، نهيب بالمخلصين أن يحثوا الخطى نحو تشكيل حكومة الأغلبية السياسية، مؤلفة من كتل سياسية متقاربة في البرامج والأهداف، تقبل العمل بإخلاص في تحالف منسجم لخدمة الشعب ومحاربة الإرهاب والفساد.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الخالق حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/04/24



كتابة تعليق لموضوع : لماذا حكومة الأغلبية السياسية؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net