صفحة الكاتب : ماجد عبد الحميد الكعبي

النحو العربي كان عربية لغير الناطقين بها فأصبح نحوا افتراضيا
ماجد عبد الحميد الكعبي
لا يخفى ان بدايات النحو العربي  كان مرتبطة بمقولة مفادها : ان الأعاجم لما دخلوا في الإسلام  ، ادخلوا اللحن معهم  الى اللغة العربية ، فكان  هؤلاء يلحنون في قراءة القران ، في تنغيم الأصوات بما لم تعرفه الأذن العربية ، كقلب الظاء زايا ، والحاء هاء ، والواو ، فاء ، والطاء تاء .. الخ ، فمثلا : كلمة ( ضحك) ، تقرا (زحك)  و( محمد) تحول الى ( مهمد) وهكذا ، هذا فضلا عن عدم إتقانهم لبناء الجملة العربية ،  في مواضع : الرفع والنصب والجر، وحفاظا على سلامة القران الكريم من اللحن ، وضع الإمام علي (ع) – كما تشير معظم المصادر الى ذلك – بعض أبواب النحو وقال لأبي الأسود انح هذا النحو ، (( وكان أبو الأسود ممن صحب عليا ، عليه السلام ، وكان من المتحققين بمحبته ومحبة ولده ، وفي ذلك يقول :
-         يقول الارذلون بنو قشير           طوال الدهر لا تنسى عليا
-         أحب محمدا حبـــا شديدا           وعباسا وحمزة والوصـــيا
-         فان يكن حبهم رشدا أصبه      ولست بمخطئ ان كان غيـــا 
وكان نازلا في بني قشير بالبصرة ، وكانوا يرجمونه بالليل ، لمحبته لعلي وولده ، فإذا أصبح وذكر رجمهم ، قالوا : الله يرجمك ، فيقول لهم : تكذبون ، لو رجمني الله لأصابني ، وانتم ترجمون ، فلا مصيب .))(أخبار النحويين البصريين ، ابو سعيد السيرافي ،67)  
 
    وتجمع الروايات على سبب واحد ، هو الحفاظ على لغة القران الكريم ، فضلا عن ان : (( ان الشعوب المستعربة ( الذين نسميهم اليوم بالمستشرقيين ) أحست الحاجة الشديدة لمن يرسم لها أوضاع العربية  إعرابها وتصريفها حتى تتمثلها تمثلا مستقيما ))( المدارس النحوية ، د. شوقي ضيف ،21) وتأتي هذه الروايات لتشكل الإطار الذي أسهم في صناعة النحو العربي  بوصفه قواعد لغير العرب ( لغير الناطقين بها) ، كما تبين الرواية التي نقلت عن أبي الأسود الدؤلي ، فقد  (( مر بابي الأسود  سعد ، وكان رجلا فارسيا من أهل بوزجان ، وكان قدم البصرة مع جماعة من أهله ، فدنوا من قدامة بن مظعون الجمحي ، فادعوا أنهم اسلموا على يديه ، وأنهم بذلك من مواليه ، فمر سعد هذا بابي الأسود وهو يقود فرسه ، قال مالك يا سعد لا تركب ؟ قال : ( ان فرس ضالع )، فضحك به بعض من حضره ، قال أبو الأسود : هؤلاء الموالي قد رغبوا في الإسلام ودخلوا فيه ، فصاروا لنا أخوة ، فلو علمناهم الكلام ، فوضع باب الفاعل والمفعول ))( أخبار النحويين ، 69) وهناك رواية أخرى ترفد الزعم أن النحو كان عبارة عن قواعد وضعت لغير الناطقين بها قد أوردها أبو سعيد السيرافي عن سيبويه فقال : (( كان سيبويه يستملي على حماد يوما ، فقال حماد يوما : قال رسول الله (ص) : ( ما من احد من أصحابي إلا وقد أخذت عليه ، ليس أبا الدرداء ) فقال سيبويه : ليس أبو الدرداء ، فقال حماد : لحنت يا سيبويه ! ، فقال سيبويه : لا جرم لا طلبن علما لا تلحنني فيه أبدا ، فطلب النحو ، ولزم الخليل ))( أخبار النحويين ، 90)
       وبدأ هذا النحو يتحول مع الأيام الى نحو افتراضي بفضل تحذلق النحاة فأصبح النحو معقدا ، يعجز عن فهمه صاحب اللغة نفسها ، لا بل يبرع هؤلاء المتعلمون إلى أن يصبحوا  أئمة للنحو ، ويصبح النحو عبارة عن أحاج وطلاسم ، أسهم الترف العقلي في العصر العباسي في تعقيده ، بسبب تلك الحلقات الجدالية وكثرة المناظرات والمناقشات العقيمية حول مسائل لم ينطق بها مستعمل اللغة ، والمعروف أن القواعد تستنبط من حديث الناس  ، لا أن يُصنع نحو للناس ، ثم يطالبون بالكتابة والتحدث على وفق هذه القواعد المصطنعة ، بحجة الحفاظ على اللغة العربية ، ومن ثمة الحفاظ على القران الكريم ، والسؤال الذي يطرح هو، لماذا لا نحافظ على القران الكريم نفسه الذي نزل بهذه اللغة ؟ ، لم نفسر القران بالرجوع إلى الشاهد الشعري المصطنع ؟ لماذا نذهب إلى البوادي والقفار لأخذ اللغة من أفواه الأعراب الذين لم يفقهوا ما القران ؟! وما الإيمان؟! ، تركنا القران ولغته ورحنا نبحث في سراب الصحراء عن قواعد لم يعرفها اللسان العربي ثم صنعنا نحوا لم يتكلم به الأعراب أنفسهم  ، فقد سئل عيسى بن عمر عن ما وضعه من قواعد : اخبرني عن هذا الذي وضعت ، يدخل فيه كلام العرب كله ؟ قال : لا ، قلت فمن تكلم بخلافك واحتذى ما كانت العرب تتكلم به ، أتراه مخطئا ؟ قال : لا . قلت فما ينفع كتابك ؟ ))( أخبار النحويين ، 82)   ونحوا لم يشتق من لغة القران ، طلابنا يدرسون الآن نحوا مصنوعا ومفترضا ، نحوا أسهم الترف العقلي في مرحلة ما في صناعته ، وراح الصناع العتاة يدافعون عن سر تلك الصنعة ، فبدلا من أن يدرس الطلبة النحو الوظيفي الذي يفيدهم في حياتهم العملية والمهنية ، راحوا يدرسون قواعد مصنوعة تستهلك لغرض الامتحان داخل القاعة الدراسية ..
    إن الأمثلة على ذلك كثيرة جدا ، ونقتبس منها بعضا ليطلع القارئ على أية مصيبة ابتليت بها اللغة العربية ، ورد في كتاب الأحاجي النحوية ،  
 
 
((ووفقا لروح هذه النظرية الكونية نظر علماء البصرة النحويون الى الصحة اللغوية من خلال المصطلح الاخلاقي ، وعدوا انفسهم قضاة وكل اليهم امر المحافظة عاى نظام من القيم الاخلاقية ، او قل عدوا انفسهم – على الاقل – حفظاء على نظام من قواعد خلقية في مضموناتها . وبما ان اللغة مراة للكون الخارجي ، فكل صوت وكلمة وجملة يتطلب تاييدا منطقيا يكفل وجوده لان كل واحد منها تعبير عن الفكر المطلق ، وبالخضوع لاحكام العقل تفسر اللغة من حيث هي كائن حي ويبرر وجودها خلقيا ، وعلى هذا فان الكون اللغوي يناظر ويشارك البناء الكوني العاقل الثابت ، المؤلف من الظواهر والافكار (دراسات في الادب العربي ، غوستاف فون غرنباوم ترجمة  د. احسان عباس ،د. انيس فريحة ، د. محمد يوسف نجم ، د. كمال يازجي، دار مكتبة الحياة – بيروت ،1959، 16)(  (ويقول التوحيدي في المقابسات 294: ان استاذه ابا سليمان المنطقي جعل من اسباب تفوق اللغة العربية على غيرها من اللغات : ان لها هذا النحو الذي حصته منها حصة المنطق من العقل )( المصدر نفسه ،32)       

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ماجد عبد الحميد الكعبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/23



كتابة تعليق لموضوع : النحو العربي كان عربية لغير الناطقين بها فأصبح نحوا افتراضيا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net