صفحة الكاتب : ماجد عبد الحميد الكعبي

العقل الاستطلاعي لدى السيد محمد باقر الصدر
ماجد عبد الحميد الكعبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن  مصطلح العقل الاستطلاعي  قد اجترحه محمد أركون في كتابه نقد العقل الإسلامي الذي عرفه بقوله : (دخلت في قلب العقل الأوربي ، وابغي زحزحته من الداخل ، لأفتح الأفاق لأطروحات تهمه وتهمنا ولكن مثل هذا الموقف المعرفي الذي أدعو إليه لانعثر عليه عند المسلمين ولا عند الأوربيين : إنما هو عقل ننتظره ونحاول تشجيع انبعاثه . ولذلك أتكلم على هذا العقل الذي تطلبه بكل حرارة وإلحاح الشعوب في أوربا  والشرق وقلائل هم المثقفون والكتاب الذين يسعهم إدراك التجربة. لذلك اسميه العقل الاستطلاعي المستقبلي)
     أما الذي نقصده بالعقل الاستطلاعي لدى السيد الصدر فهو ذلك العقل الذي يدرك الواقع بكل تجلياته الفكرية والاجتماعية والفلسفية والاقتصادية  ويفقه صيرورته بقدر إدراكه لما سيؤول إليه ذلك الواقع في المستقبل  وهو جزء من النبوة ،وقد كان السيد يمتلك رؤية فلسفية ضمنها كتابه (فلسفتنا) وأخرى اقتصادية فصلها في كتابه (اقتصادنا ) وثالثة في كتابه ( مجتمعنا ) الأمر الذي جعل السيد يواجه الخطابين الماركسي والرأسمالي بخطاب ديني إسلامي إنساني مضاد فهو لم ينقد الخطابين وتفنيد مزاعمهما بلغة خطابية كما يفعل غيره الآن بل صاغ خطابه بلغة علمية وطريقة تحليلية أشبه ماتكون بالنقد ألتفكيكي الذي لم ينفك عن ان يستمد قوته ونظريته من التناقض الذي يرد داخل النص المنقود نفسه وقد أكد ذلك عندما قال : ((ولندرس المادية التاريخية في ضوء جديد، في ضوء المادة التاريخية ذاتها ، وقد يبدو غريبا لأول وهلة ، ان تكون النظرية ، اداة للحكم على نفسها ، غير اننا سنجد ان المادية التاريخية تكفي بمفردها للحكم على نفسها  ، في مجال البحث العلمي ))( اقتصادنا 74)    
 
    بداية لابد من ملاحظة ان العقل العربي قد اتهم بالتسطيح وانه غير قادر على التركيب بل هو عقل تحليلي ،  كما يزعم الغربيون ، اما الذين نقدوا العقل العربي مثل محمد عابد الجابري والعقل الاسلامي كما عند محمد اركون فهو ليس العقل  العربي الإسلامي الذي يمتلكه السيد الصدر بل  هناك عقل  أعرابي إسلامي (بدوي) اشا ر إليه الجاحظ عندما وصف دولة بني مروان بأنها (دولة عربية أعرابية )  وهذا ما لمح اليه اركون أيضا عندما قال : (لان الشعوب كانت تعيش في نظام قبلي وعلى اساس عقائد وتقاليد بعيدة عن تعاليم الشريعة الإسلامية ، وتعود الى تقاليد اقدم من الإسلام )      
         وعلى الرغم من ان ثقافة السيد الصدر كانت متسمة بالحوزوية التي يخذ المنطق ودراسته فيها نصيبا وافيا إلى ان السيد لم يقع في فخ المنطق الذي ((وقع فيه القدماء فقد حصر الشراح المنطق بالبرهان و الاستنباط دون التمثيل والاستقراء والى جعله الة للتهذيب والعرض اكثر من كونه وسيلة اكتشاف وابتكار) ) ( مفهوم العقل العروي 123)
 بل راح يتأمل بهدوء العالم المقتدر وعقلية الإنسان المتحضر الموضوعي البعيد عن اللغة العنيفة الاقصائية ، واذا وجد بعض الافكار التي يناقشها مع خصمه هشة يلجا الى روح السخرية الظريفة لا الى روح التعالي والتشدق ، فال السيد في مضمار رده على الأفكار الرأسمالية : ((ولا باس على العمال من الدمار والموت جوعا ، مادام الاقتصاد الرأسمالي يقدم لهم بصيصا من الامل في انخفاض عددهم ، بسبب تراكم البؤس والمرض !اي والله! ان هذا هو الأمل الذي يقدمه القانون الحديدي للاجور الى العمال، قائلا لهم : اصبروا قليلا ، حتى يصرع الجوع والبؤس قسما منكم ، فيقل عددكم ويصبح العرض مساويا للطلب ، فترتفع اجوركم وتتحسن احوالكم! )) (اقتصادنا 262) 
    وهذا العقل الاستطلاعي هو الذي تنبه الى نهاية الخطاب الماركسي الذي هوى بعد التسعينات والتدهور الحاصل في النظام الاقتصادي الراسمالي العالمي الان..
   ان العقل الاستطلاعي الذي يمتلكه السيد الصدر هو الذي فرق بين الفكر الماركسي الذي بني على قواعد علمية والأفكار الرأسمالية التي بنيت على حاجة الفرد وحريته الشخصية ، فتوقع انهيار الرأسمالية لانها لم تبن على أساس علمي ، والخطر الان واقع على النظام الرأسمالي اكثر من النظام الاشتراكي المتمثل بالصين مثلا،فكان يطلق على الأفكار الرأسمالية ب(الأسطورة الرأسمالية) لكن هذا لايعني ان السيد قد رحب بكل القواعد الاشتراكية بل يرى : (( ان كلا المذهبين يرتكز على نظرة فردية، ويعتمد على الدوافع الذاتية والأنانية، فالرأسمالية تحترم في الفرد السعيد الحظ أنانيته ، فتضمن له حرية الاستغلال والنشاط في مختلف الميادين ... وبينما توفر الرأسمالية للمحظوظين إشباع دوافعهم الذاتية وتنمي نزعتهم الفردية تتجه الماركسية الى غيرهم من الأفراد الذين لم تتهيئا لهم تلك الفرص ، فتركز دعوتها المذهبية على أساس إثارة الدوافع الذاتية والأنانية فيهم ، والتأكيد على ضرورة إشباعها )) (م ن 245) 
     وبعد ان يفند السيد الصدر المذهبين يطرح البديل بقوله : ((وأما المذهب الجدير بصفة المذهب الجماعي ، فهو المذهب الذي يعتمد على وقود من نوع آخر ، على قوى غير الأنانية والدوافع الذاتية ، ان المذهب الجماعي هو الذي يربي في كل فرد شعورا عميقا بالمسؤولية تجاه المجتمع ومصالحه ، ويفرض عليه لذلك ان يتنازل عن شي من ثمار أعماله وجهوده وأمواله الخاصة ، في سبيل المجتمع وسبيل الآخرين...وهو الذي يحفظ حقوق الآخرين وسعادتهم ، لا بإثارة دوافعهم الذاتية بل بإثارة الدوافع الجماعية في الجميع ))(م ن 246) 
    ويضرب السيد الصدر أمثلة على فشل النظامين الماركسي والرأسمالي ، وكأنه يرى مستقبل هذين النظامين في العالم ، ونحن عاصرنا الآن ذلك الفشل الذي تحدث عنه في كتابه ( اقتصادنا) وهذه بعض سمات العقلية الاستطلاعية التي تثبت الأيام مصداقية آرائها الاستشرافية والمستقبلية           

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ماجد عبد الحميد الكعبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/23



كتابة تعليق لموضوع : العقل الاستطلاعي لدى السيد محمد باقر الصدر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : محمد من : العراق ، بعنوان : الصدرالاول في 2011/03/28 .

السيد الصدر عالم رباني ,وموسوعة معرفية




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net