صفحة الكاتب : مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)

التفقه في الدين اعتصام من الضلال
مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قال تعالى: ((فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ))(2).
 
وقال الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: (تفقّهوا في دين الله، فإن الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقّه في دينه لم يرضَ الله له عملاً)(3).
 
وقال عليه السلام: (اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا)(4).
 
وقال أبو عبد الله عليه السلام: (تفقّهوا في الدين، فإنه مَن لم يتفقّه في الدين فهو أعرابي)(5).
 
وفي حديث آخر: (لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يزكّ له عملاً)(6).
 
وفي صحيح أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام: (لوددت لو أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتّى يتفقّهوا)(7).
 
وروى بشير الدهان عنه عليه السلام: (لا خير فيمن لا يتفقّه من أصحابنا. يا بشير، إن الرجل منهم إذا لم يستغن بفقهه احتاج إليهم، فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم)(8).
 
وقال عليه السلام: (الرواية لحديثنا يشدُّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد)(9).
 
وقال عليه السلام: (إذا أراد الله بعبد خيراً فقّهه في الدين)(10).
 
وفي حديث آخر: (الكمال كل الكمال التفقّه في الدين، والصبر على النائبة، وتقدير المعيشة)(11).
 
وفي آخر أيضاً: (كمال الدين طلب العلم والعمل به)(12).
 
وفي حديث قال عليه السلام: (ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها)(13).
 
وقال عليه السلام: (ما من أحد يموت أحبُّ إلى إبليس من موت فقيه)(14).
 
فمفاد هذه الأحاديث الشريفة أنّ الذي يدّعي الوصول إلى المقامات الروحيّة عبر الرياضات النفسيّة والاستعداد النفسي أو نحو ذلك، مهما كان متنسّكاً وأنه طوى الأوراد والأذكار والرياضات والختوم في دورات عديدة وأربعينيّات كثيرة، إذا لم يتفقّه في الدين والشريعة فهو أعرابي لا يزكّي الله تعالى له عملاً، كيف وهو لم يتعرّف على حدود الله، ومواطن رضاه، وموارد سخطه، إذ أنه ليس بنبيّ ولا رسول، فمن لا يتقيّد بحدود الشريعة كيف يتصور أنه على قرب منه تعالى، ومن ثَمَّ كان الفقيه _ وهو المبيّن والموضّح لحدود الشريعة من الكتاب والسُنّة _ أبغض شيء لإبليس؛ لأنه ببيان حدود الشريعة تفشل خطط وحيل إبليس وشبكات تسويلاته الروحية؛ ولأنّ التقيد بالشريعة هو ميزان الاستقامة، وأنّ مرمى ومطمع إبليس في غوايته لكثير من الفِرَق والجماعات التي تتقمّص السلك الروحي وتدّعي الارتباط بمنابع الغيب، هو فسخ تلك الجماعات عن الالتزام بحدود الشريعة بارتكاب المحرّمات والتنصّل عن أداء الواجبات شيئاً فشيئاً، وبالتالي إغراؤها في الانسلاخ عن دين خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله.
ومن هنا كان الفقه والتفقّه يوضّح معالم الدين وحدود الشريعة وحدود الطريق إلى الله تعالى وتمايزه عن حدود الطريق إلى الغواية والضلال، كما أن الفقه يقف سدّاً منيعاً أمام التأويلات الباطلة الضالّة لنصوص القرآن والحديث، فإنّ تلك الجماعات تعتمد ضمن وسائلها الإقناعيّة لجذب الناس إلى مسيرها على تأويلات لنصوص الدينية لا تستند إلى ميزان وضابطة سوى الدعاوى وميول الأهواء وادعاء المقامات الغيبية والارتباط بالغيب كي تنطلي على أفراد الجماعة، أن كل ما يقولونه هو إلهام غيبي وإيحاء لدني لا يقبل النقاش والمسألة، وهو فوق الاستدلال والبحث والنقد..
 
نماذج قرآنيّة في القدرة التكوينيّة لروّاد الضلال:
على سبيل النبذة لا الاستقصاء:
منها: إبليس اللعين، فإنه كما يصفه القرآن الكريم بالتمكين الذي أعطاه الله له: ((يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ))(15).
وقال تعالى: ((وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الأَْمْوالِ وَالأَْوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً))(16).
 
وقال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا))(17) ، ((وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ))(18).
وقال تعالى: ((وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ))(19).
 
وقال تعالى: ((وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ))(20) ، وغيرها من الآيات التي تتحدّث عن المكنة والقدرة التي أعطاها الباري تعالى لإبليس من التأثير على نفوس بني آدم إلاّ المخلَصين، وهي درجة من الملكوت لم ترقَ إليها القوى العظمى للدول البشرية عبر التاريخ إلى يومنا الحاضر، هذا مضافاً إلى تسخيره لمردة الشياطين والعفاريت جنوداً له ليسترقوا السمع ويراقبوا جمع البشرية من لدن آدم عليه السلام إلى يوم الوعد المعلوم.
ويبيّن أمير المؤمنين عليه السلام أن هذه المكنة والقدرة لم تُعطَ لإبليس اللعين جزافاً واعتباطاً، قال عليه السلام: (فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل، وجهده الجهيد وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة، لا يدرى أمن سِني الدنيا أم من سِني الآخرة، عن كبر ساعة واحدة. فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته؟ كلاّ)(21).
 
فهذه الستة آلاف سنة التي لا يُدرى أنها من سِني الأرض أو من سِني السماء التي عبد الله تعالى فيها، هي التي أوجبت الجزاء له بهذا التمكين، فهو قد ارتاض هذه المدّة ومضى حقباً في الرياضة الروحية لكن ابتغى بها نتيجة بخسة، وهي التمكين في دار الدنيا من سلطان الملكوت النازل، وهو في الآخرة من الأخسرين.
ومنها: العفريت من الشياطين، قال تعالى: ((قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي))(22) ، فبيّن تعالى أن القدرة التي تمكّن منها العفريت نظير المكنة التي كانت لدى آصف بن برخيا وصي النبي سليمان عليه السلام صاحب علم من الكتاب في بعض جهاتها، وإن كانت دونها بعض الشيء، مع أن العفريت هو من الشياطين المسخّرين للنبي سليمان عليه السلام، وهذه القدرة لم تكن سحراً وتخييلاً، بل قدرة حقيقية تتجلى بأن يأتي في بضع دقائق بعرش ملكة سبأ من اليمن إلى فلسطين.
ومنها: بلعم بن باعورا، قال تعالى: ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ * وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَْرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))(23).
والآية التي أوتيها بلعم بن باعورا هي حرف من الاسم الأعظم، كما وردت بذلك الروايات، والاسم الأعظم ليس قولاً باللسان يصوّت، بل هو الروح الأعظم، وإعطاء حرف منه يعني الارتباط الروحي بدرجة من التأييد منه، ومع كلّ ذلك لم تكن نفس بلعم بن باعورا وشهوتها قد خمدت، بل تغلّبت في النهاية عليه، وأرادت تسخير هذا الارتباط الروحي بالاسم الأعظم تحت إمرتها، فكانت العاقبة أن انسلخت نفس بلعم عن هذا الارتباط والتأييد، فرغم القدرة التكوينية والمقام الذي وصل إليه، إلاّ أن ذلك لم يضمن عدم وقوعه في الخطأ والمعصية، ولم يمنعه من الشطط والخطل.
 
ومن ثَمَّ قال جملة من المحققين من أهل المعرفة من الإمامية أن الشطط والشطحات التي تصيب وتعتور وتعرض على أهل الرياضات الروحية دالّة وكاشفة عن عدم سيطرتهم على جبل النفس وأنانية الذات، ففرعونيته بدل أن تموت تزداد قوة بقوة الرياضات الخاطئة أو غير المتقيّدة بالشريعة، فالطريقة تكون بدون الشريعة طريقة شيطانية بدل أن تكون رحمانية، ومن ثَمَّ كان الفقه أمان من الزيغ والضلال لأصحاب الرياضات الروحية، كما هو أمان لبقية شرائح الأمّة عن الانحراف، وهو من معاني أن التمسك بالثقلين أمان عن ضلال الأمّة.
وفي الحقيقة أن دفائن طبقات النفس على تركيب غامض، فتجتمع ظواهر من الصفات الفضيلية العالية مع هذه الرذائل ذوات السوء الشديد، وإلى ذلك يشير ما رواه في الاحتجاج عن الرضا عليه السلام، قال: قال علي بن الحسين عليه السلام: (إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه، وتماوت في منطقه، وتخاضع في حركاته، فرويداً لا يغرنَّكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب المحارم منها؛ لضعف نيته ومهانته، وجبن قلبه، فنصب الدين فخاً لها، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره، فإن تمكّن من حرام اقتحمه، وإذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويداً لا يغرنَّكم، فإن شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام، وإن كثر، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرّماً، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويداً لا يغرنَّكم حتّى تنظروا ما عقدة عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع، ثمّ لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله، وإذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يغرنَّكم حتّى تنظروا أمع هواه يكون عقله، أو يكون مع عقله على هواه، وكيف محبّته للرئاسات الباطلة وزهده فيها، فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة بترك الدنيا للدنيا، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلباً للرئاسة حتّى إذا قيل له: اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد، فهو يخبط خبط عشواء ويقوده أوّل باطل إلى أبعد غايات الخسارة، ويمدّه ربه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه، فهو يحلُّ ما حرَّم الله، ويحرّم ما أحلَّ الله، لا يبالي بما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي قد يتقي من أجلها، فأولئك الذين غضب الله عليهم وأعدّ لهم عذاباً مهيناً…) إلى أن قال: (ولكن الرجل كل الرجل، نعم الرجل، هو الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله، وقواه مبذولة في رضا الله، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤدّيه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد، وإن كثير ما يلحقه من سرائها إن اتّبع هواه يؤدّيه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول، فذلكم الرجل نعم الرجل، فتمسكوا به، وبسُنّته فاقتدوا، وإلى ربكم به فتوسلوا، فإنه لا ترد له دعوة، ولا تخيب له طلبة)(24).
 
فمن ذلك ينبغي الالتفات إلى أن الرياضات الروحية تكسب النفس قدرات خارقة، كطي الأرض، وقراءة الضمير، والترائي في منام الآخرين، والتصرّف في تلك الرؤى، وقراءة الأعمال الماضية أو المستقبلية، وغيرها من قدرات النفس التي قد يطلق عليها علماء الروح والنفس الجدد المحدّثون: قوة التخاطر، والجلاء البصري والسمعي، والتنويم المغناطيسي، وغيرها من قدرات وحركات الروح والاتصال مع أرواح الموتى، وأنه لتحكى أفعال خارقة عن مرتاضي الهند أو فِرَق الصوفية المختلفة في الصين وشرق آسيا وغيرها من المناطق، إلاّ أن كل ذلك ليس علامة النجاة ورضا الرب تعالى، فإن موطن ذلك التقوى والطاعة له تعالى.
 
مفهوم العدالة يقلب إلى العصمة المكتسبة وذريعة التأويل:
 
ومن الأغاليط التي يردّدها مدّعو المقامات والمنازل الروحية، هو تفسير العدالة التي هي ملكة الاجتناب عن المعاصي في السلوك العملي، بأن هذه الماهيّة هي عصمة مكتسبة، فيقلب عنوان العدالة إلى العصمة، وحيث لا يمكنهم دعوى أنها لدنّية بنصب من الشريعة، يختلقون لها مخرجاً كونها مكتسبة وأن العصمة قابلة للاكتساب، وليس بالضرورة أن تكون وهبية لدنية منه تعالى، وأن العصمة وإن كانت شرطاً في المعصومين الأربعة عشر (النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام)، إلاّ أن ذلك لا يعني حصرها فيهم، بل هي عامة قابلة للتحقق في نوع البشر بالاكتساب، وأن العصمة الاكتسابية يكفي فيها العصمة في العمل وإن لم تكن عصمة في العلم، أي يكفي فيها العصمة العملية دون أن تكون عصمة علمية، إلى غير ذلك من الإطارات التي يصيغونها قوالب لا تنطلي إلاّ على السذّج وعلى قليلي البضاعة العلمية.
مع أنه لو فرض اجتناب شخص عن المعاصي من لدن بلوغه إلى مماته فليس ذلك يخرجه عن حدَّ العدالة، ويتجاوز به إلى حدَّ العصمة، وأيّ فرق بين الماهيّتين والمعنيين حينئذٍ، ثمّ أنه كيف يعقل انفكاك العصمة العملية عن العلمية، وهل يعقل لمن يضلُّ الطريق أن تكون له عصمة يمتنع عليه الخطأ في العمل، مع أن علماء الإمامية في علم الكلام قد أشبعوا البحث في أن العصمة العملية وليدة العصمة العلمية، والعصمة تعني امتناع صدور المعصية من المعصوم وقوعاً، وإن لم تكن ممتنعة منه إمكاناً، وهذا بخلاف العدالة، فإنه وإن اجتنب المعاصي طيلة حياته إلاّ أنه لا يمتنع منه وقوع وصدور المعصية.
هذا مع أن العصمة تلازم الحجية الرسمية على الآخرين، فكيف يكون الشخص معصوماً ولا يكون حجة بذاته على الآخرين وينصُّ الشرع الحنيف على لزوم اتّباعه.
ومن هذه الدعوى يتطوّر الحال عند مدّعي المنازل الروحيّة إلى دعاوى أكثر فأكثر، ويتطوّر بهم الحال إلى مزالق يخالفون بها الضرورات الشرعيّة تحت ذريعة التأويل الذي يفتحون بابه تغطية لتلك المخالفات، كما حصل ذلك لكلّ الفِرَق التي انحرفت عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.
روى الكشّي بسنده عن الصادق قوله عليه السلام: (قوم يزعمون أنّي لهم إمام، ما أنا لهم بإمام، ما لهم لعنهم الله كلّما سترت ستراً هتكوه، هتك الله ستورهم، أقول كذا، يقولون إنما يعني كذا، إنما أنا إمام من أطاعني)(25).
وروي عنه عليه السلام(26) أنه قال عن أبي الخطّاب _ الذي انحرف بعد أن كان من أصحاب السرّ كبلعم بن باعورا، حين دخل ومعه سبعون رجلاً _: (ألا اُخبركم بفضائل المسلم)، فلا أحسب أصغرهم إلاّ قال: بلى جُعلت فداك، فقلت: (من فضائل المسلم أن يقال: فلان قارئ لكتاب الله عز وجل، وفلان ذو حظّ من ورع، وفلان يجتهد في عبادته لربّه، فهذه من فضائل المسلم، ما لكم وللرياسات، إنما المسلمون رأس واحد، إيّاكم والرجال، فإن للرجال مهلكة، فإن أبي يقول: إن شيطاناً يقال له المذهب يأتي في كل صورة، إلاّ أنه لا يأتي في صورة نبي ولا وصي نبي، ولا أحسب إلاّ وقد تراءى لصاحبكم، فاحذروه، فبلغني أنهم قتلوا معه فأبعدهم الله وأسحقهم إنّه لا يهلك على الله إلاّ هالك).
محمّد السند (11/ ذي القعدة/ 1424هـ)
يوم ميلاد الإمام الرضا عليه السلام
 
 
 
 
 
 
 
الهوامش:
 
(1) من كتاب دعوى السفارة في زمن الغيبة .
(2) التوبة: 122.
(3) تحف العقول: 410، عنه: بحار الأنوار 10: 247.
(4) رجال الكشّي 1: 6/ طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام.
(5) أصول الكافي 1: 31/ باب فرض العلم ووجوبه/ ح 6.
(6) أصول الكافي 1: 31/ باب فرض العلم ووجوبه/ ح 7.
(7) أصول الكافي 1: 31/ باب فرض العلم ووجوبه/ ح 8 .
(8) أصول الكافي 1: 33/ باب صفة العلم والعلماء/ ح 6.
(9) أصول الكافي 1: 32/ باب صفة العلم والعلماء/ ح 8 .
(10) أصول الكافي 1: 30/ باب صفة العلم والعلماء/ ح 3.
(11) أصول الكافي 1: 32/ باب صفة العلم والعلماء/ ح 4.
(12) أصول الكافي 1: 30/ باب فرض العلم ووجوب طلبه والحث عليه/ ح 4.
(13) أصول الكافي 1: 36/ باب صفة العلماء/ ح 3.
(14) أصول الكافي 1: 38/ باب فقد العلماء/ ح 1.
(15) الأعراف: 27.
(16) الإسراء: 64.
(17) مريم: 83 .
(18) الأنعام: 121.
(19) الزخرف: 36.
(20) النمل: 24؛ العنكبوت 38.
(21) نهج البلاغة 2: 137/ الخطبة القاصعة: الرقم 192.
(22) النمل: 38 – 40.
(23) الأعراف: 175 و176.
(24) الاحتجاج 2: 53.
(25) رجال الكشي 2/ 576 – 595/ طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام.
(26) المصدر السابق.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/01/25



كتابة تعليق لموضوع : التفقه في الدين اعتصام من الضلال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net