انكشفت عوراتهم أم كشفوها؟
صالح الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بمناسبة كشف الإرهابيين لعوراتهم في الأنبار وحلب.
عبر التاريخ كان لسان بعض الأعراب ولاسيما البدو الهمج الرعاع منهم؛ طويلا لاذعا فاحشا يرهبون به عدوهم. ثم لما يواجههم عدو مؤمن قوي صابر يوقنون معه أن الموت يحوم حولهم يغمدون ألسنتهم ويلقون سيوفهم ويطرحون أنفسهم أرضا ثم يخلعون ثيابهم ويبرزون عوراتهم بلا استحياء؛ يتقون بها الموت الزؤام ناسين كل شعارات الجهاد التي تتخلل زعيقهم (الله أكبر) حتى صح عليهم القول: إنهم إذا حقت الحقيقة يحتمون من الموت بمؤخراتهم.
ثقافة الوقاية من الموت بالعورات لم تكن عند عرب الجاهلية وحدهم بل إن عورات الأعراب تكشفت عشرات المرات في عصور أخرى؛ كانت أشهرها في عصر البعثة أثناء غزوة أحد، وفي عصر خلافة علي بن أبي طالب (ع) أثناء حرب صفين.
في غزوة أحد روى الطبري أن طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين قام، فقال: يا معشر أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل منكم احد يعجله الله بسيفي إلى الجنة أو يعجلني بسيفه إلى النار؟ فقام علي بن أبي طالب (رض) فقال: والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار أو تعجلني بسيفك إلى الجنة، فضربه علي فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته، فقال: أنشدك الله والرحم يابن عم فتركه، فكبر رسول الله (ص) وقال لعلي: ما منعك أن تجهز عليه؟ قال: إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت منه"[1]
وفي عصر خلافة علي (ع) أثناء حرب صفين حدثت واقعتان. الأولى مع بسر بن أبي أرطاة ، لما حمل عليه الإمام علي ليقتله أبدى عورته. فانصرف عنه (ع) مستدبرا له فعرفه الأشتر حين سقط فقال: يا أمير المؤمنين، هذا بسر بن أرطاة هذا عدو الله وعدوك، فقال: دعه عليه لعنة الله، أبعد أن فعلها؟ [2]
والثانية مع عمرو بن العاص، روى نصر بن مزاحم وابن أبي الحديد وابن كثير بإسناده عن ابن عباس قال: "تعرض عمرو بن العاص لعلي يوما من أيام صفين، وظن أنه يطمع منه في غرة (أي: في غفلة) فيصيبه، فحمل عليه علي فلما كاد أن يخالطه أذرى (أي:ألقى) نفسه عن فرسه، ورفع ثوبه، وشغر برجله (أي رفعها كما يفعل الكلب حين يتبول) فبدت عورته، فصرف (ع) وجهه عنه، وقام معفرا بالتراب، هاربا على رجليه معتصما بصفوفه، فقال أهل العراق: يا أمير المؤمنين أفلتَّ الرجل؟ فقال: أتدرون من هو؟ قالوا: لا. قال: إنه عمرو بن العاص تلقاني بسوأته فذكرني بالرحم فصرفت وجهي عنه. ورجع عمرو إلى معاوية فقال: ما صنعت يا أبا عبد الله؟ فقال: لقيني علي فصرعني. قال: احمد الله وعورتك ـ وفي لفظ آخر: احمد الله واحمد أستك، والله إني لأظنك لو عرفته لما اقتحمت عليه. فغضب عمرو وقال: ما أشد تعظيمك عليا في كسري هذا، وفي لفظ آخر: ما أشد تغليطك أبا تراب في أمري؟ هل أنا إلا رجل لقيه ابن عمه فصرعه؟ أفترى السماء قاطرة لذلك دما؟! قال معاوية: لا. ولكنها معقبة لك خزيا. [3]
وفي هذه الوقائع قال الحارث بن النضر
أفي كل يوم فارس ليس ينثني
وعورته وسط العجاجة بادية
يكف لها عنها علي بسيفه
ويضحك منها في الخلاء معاويه
وفي رواية أخرى:
أفي كل يوم فارسٌ غير منتهٍ
وعورته وسط العجاجة باديـه
يكفُّ لها عنه عليٌّ سنـانه
ويضحك منها في الخلاء معاويه !
ومثل الذين يدافعون اليوم عن عورات الإرهابيين المكشوفة في الأنبار والفلوجة وحلب كان الأوائل قد دافعوا عن تلك العورات بقولهم: "هذه روايات تاريخية مشهورة. وربما قد حصل كشف العورة رغماً عنهم بالسقوط وما أشبه.[4]
فإلى متى يبقى بعض المتحجرين يدافعون عن العورات بعوراتهم؟ أليس من الأجدى أن يتبعوا الحق ويثيبوا إلى رشدهم ويستروا عوراتهم بدل الفضيحة، لكي يجنبوا الناس الأبرياء ويلات جهلهم وحماقاتهم ورعونتهم؟!
هوامش
[1] تاريخ الطبري،ج2، ص309ـ310
[2] كتاب صفين ص 246، الاستيعاب لابن عبد البر، ج 1 ص 67، نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد، ج 2 ص 300، مطالب السئول، ابن طلحة الشافعي، ص 43، تاريخ ابن كثير، ج 4 ص 30، نور الأبصار، الشبلنجي، ص 95
[3] كتاب صفين لنصر بن مزاحم، ص 162ونهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد ج2، ص 287 ، وتاريخ ابن كثير، ج 7، ص 263، والإمامة والسياسة لابن قتيبة، ج 1،ص91، ومروج الذهب للمسعودي، ج 2 ، ص 25
[4] موقع ملتقى أهل الحديث http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=1156
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
صالح الطائي

بمناسبة كشف الإرهابيين لعوراتهم في الأنبار وحلب.
عبر التاريخ كان لسان بعض الأعراب ولاسيما البدو الهمج الرعاع منهم؛ طويلا لاذعا فاحشا يرهبون به عدوهم. ثم لما يواجههم عدو مؤمن قوي صابر يوقنون معه أن الموت يحوم حولهم يغمدون ألسنتهم ويلقون سيوفهم ويطرحون أنفسهم أرضا ثم يخلعون ثيابهم ويبرزون عوراتهم بلا استحياء؛ يتقون بها الموت الزؤام ناسين كل شعارات الجهاد التي تتخلل زعيقهم (الله أكبر) حتى صح عليهم القول: إنهم إذا حقت الحقيقة يحتمون من الموت بمؤخراتهم.
ثقافة الوقاية من الموت بالعورات لم تكن عند عرب الجاهلية وحدهم بل إن عورات الأعراب تكشفت عشرات المرات في عصور أخرى؛ كانت أشهرها في عصر البعثة أثناء غزوة أحد، وفي عصر خلافة علي بن أبي طالب (ع) أثناء حرب صفين.
في غزوة أحد روى الطبري أن طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين قام، فقال: يا معشر أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل منكم احد يعجله الله بسيفي إلى الجنة أو يعجلني بسيفه إلى النار؟ فقام علي بن أبي طالب (رض) فقال: والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار أو تعجلني بسيفك إلى الجنة، فضربه علي فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته، فقال: أنشدك الله والرحم يابن عم فتركه، فكبر رسول الله (ص) وقال لعلي: ما منعك أن تجهز عليه؟ قال: إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت منه"[1]
وفي عصر خلافة علي (ع) أثناء حرب صفين حدثت واقعتان. الأولى مع بسر بن أبي أرطاة ، لما حمل عليه الإمام علي ليقتله أبدى عورته. فانصرف عنه (ع) مستدبرا له فعرفه الأشتر حين سقط فقال: يا أمير المؤمنين، هذا بسر بن أرطاة هذا عدو الله وعدوك، فقال: دعه عليه لعنة الله، أبعد أن فعلها؟ [2]
والثانية مع عمرو بن العاص، روى نصر بن مزاحم وابن أبي الحديد وابن كثير بإسناده عن ابن عباس قال: "تعرض عمرو بن العاص لعلي يوما من أيام صفين، وظن أنه يطمع منه في غرة (أي: في غفلة) فيصيبه، فحمل عليه علي فلما كاد أن يخالطه أذرى (أي:ألقى) نفسه عن فرسه، ورفع ثوبه، وشغر برجله (أي رفعها كما يفعل الكلب حين يتبول) فبدت عورته، فصرف (ع) وجهه عنه، وقام معفرا بالتراب، هاربا على رجليه معتصما بصفوفه، فقال أهل العراق: يا أمير المؤمنين أفلتَّ الرجل؟ فقال: أتدرون من هو؟ قالوا: لا. قال: إنه عمرو بن العاص تلقاني بسوأته فذكرني بالرحم فصرفت وجهي عنه. ورجع عمرو إلى معاوية فقال: ما صنعت يا أبا عبد الله؟ فقال: لقيني علي فصرعني. قال: احمد الله وعورتك ـ وفي لفظ آخر: احمد الله واحمد أستك، والله إني لأظنك لو عرفته لما اقتحمت عليه. فغضب عمرو وقال: ما أشد تعظيمك عليا في كسري هذا، وفي لفظ آخر: ما أشد تغليطك أبا تراب في أمري؟ هل أنا إلا رجل لقيه ابن عمه فصرعه؟ أفترى السماء قاطرة لذلك دما؟! قال معاوية: لا. ولكنها معقبة لك خزيا. [3]
وفي هذه الوقائع قال الحارث بن النضر
أفي كل يوم فارس ليس ينثني
وعورته وسط العجاجة بادية
يكف لها عنها علي بسيفه
ويضحك منها في الخلاء معاويه
وفي رواية أخرى:
أفي كل يوم فارسٌ غير منتهٍ
وعورته وسط العجاجة باديـه
يكفُّ لها عنه عليٌّ سنـانه
ويضحك منها في الخلاء معاويه !
ومثل الذين يدافعون اليوم عن عورات الإرهابيين المكشوفة في الأنبار والفلوجة وحلب كان الأوائل قد دافعوا عن تلك العورات بقولهم: "هذه روايات تاريخية مشهورة. وربما قد حصل كشف العورة رغماً عنهم بالسقوط وما أشبه.[4]
فإلى متى يبقى بعض المتحجرين يدافعون عن العورات بعوراتهم؟ أليس من الأجدى أن يتبعوا الحق ويثيبوا إلى رشدهم ويستروا عوراتهم بدل الفضيحة، لكي يجنبوا الناس الأبرياء ويلات جهلهم وحماقاتهم ورعونتهم؟!
هوامش
[1] تاريخ الطبري،ج2، ص309ـ310
[2] كتاب صفين ص 246، الاستيعاب لابن عبد البر، ج 1 ص 67، نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد، ج 2 ص 300، مطالب السئول، ابن طلحة الشافعي، ص 43، تاريخ ابن كثير، ج 4 ص 30، نور الأبصار، الشبلنجي، ص 95
[3] كتاب صفين لنصر بن مزاحم، ص 162ونهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد ج2، ص 287 ، وتاريخ ابن كثير، ج 7، ص 263، والإمامة والسياسة لابن قتيبة، ج 1،ص91، ومروج الذهب للمسعودي، ج 2 ، ص 25
[4] موقع ملتقى أهل الحديث http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=1156
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat