التبرك بروايات أهل البيت عليهم السلام
مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ففي الزمن السابق كانت سيرة أتباع أهل البيت(ع) سواءاً في الحوزات العلمية أو غيرها من مجالس المؤمنين العامّة والخاصّة، كانوا يتلون روايات وأحاديث أهل البيت(ع) بعد تلاوتهم القرآن الكريم، وهذهِ في الحقيقة سِنَّة حسنة عظيمة إلّا أنَّها ـ للأسف الشديد ـ شيئاً فشيئاً انقرضت هذهِ الحالة، فلو تعاد من جديد في جميع مجالسنا الحوزوية أو الاجتماعية أو الأُسرية بلْ حتّى السياسية، ولو كانت هذهِ المجالس على مستوى مجلس الضيافة العادي، فسوف يوجب لنا مخزون حفظي وسِنّة عظيمة وتكون بمثابة نبراس عملي يستضيء به كافة طبقات البشر، ولا بأس أنْ يركِّز الخطباء على هذهِ الحالة العلمية في مجالسهم ويشجِّعوا المؤمنين عليها من خلال مجالسهم.
فعن أبي عبدالله(ع)، قال: «تزاوروا، فإنَّ في زيارتكم إحياء لقلوبكم، وذكراً لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض فإنْ أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإنْ تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها، وأنا بنجاكم زعيم!» ([1]).
وأيضاً عن أبي عبدالله(ع)، قال: «بادروا أحداثكم بالحديث، قبل أنْ تسبقكم إليهم المرجئة»([2]).
والخطاب في هذهِ الرواية ـ الثانية ـ تؤكِّد ببث الحديث للصغار ـ بادروا أحداثكم ـ فضلاً عن الكبار من عموم الناس، ولم تخصصه للفضلاء فضلاً عن خصوص الفقهاء والعلماء.
وهناك روايات أُخرى بهذا اللسان الدالّ على الحثِّ على مدارسة وتلاوة الحديث بين عموم المؤمنين كما هو الحال في الحثّ على تلاوة القرآن لكل مؤمن ومسلم، وكل اجتماع وندوة ونادي.
شبهة ورد:
وقدْ يستشكل أو يتحفظ البعض من أنَّه كيف تقرأ روايات أهل البيت(ع) على عوام الناس؟! وهذا التحفظ ليسَ له أي صحّة، وإلّا فلابدَّ أنْ نتحفظ عن قراءة العوام للقرآن الكريم؛ لأنَّ القرآن الكريم أيضاً فيه متشابه كيد الله، وعين الله، ووجه الله، بلْ الممنوع على كل شخص هو أنْ يستنبط ما ليسَ لديه الكفاءة على الاستنباط، وليسَ له القدرة على الاستنتاج أو الاستظهار أو التفسير، بلْ حتّى المجتهد إذا كانت درجته العلمية درجة معينة لم تؤهله ولم يصل لدرجات أكبر وأكثر على الاستنباط فليس له أنْ يفسر أو يستنبط أو يستنتج، فهل يصلح مثل ذلك أنْ يمنع هذا عن قراءة روايات أهل البيت(ع)، مع أنْ عموم تدبر ألفاظ ومعاني القرآن ندب إليه القرآن: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}([3]) وقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر}([4]).
والتدبُّر في معانيه ليسَ بمعنى الاستنباط والإفتاء بلْ مجرَّد السباحة في تصورات المعاني إعداداً لسرح النظر ولو بالاستعانة بالمتخصصين من علماء وفقهاء، وهكذا الحال في الروايات والأحاديث وذلك تخزيناً لأكبر قدر من مواد الوحي الخام في منظومة معرفة كل إنسان تهيأ لاستثمار تلك المواد الخام من مائدة الوحي من الثقلين.
وللأسف هناك بعض لا يشجع على طبع كتاب الكافي بلغات أُخرى مترجمة؛ لأنَّه لا يجوز للعوام أنْ يقرأه، وهذهِ الشبهة نفسها تأتي إلى ترجمة القرآن الكريم، فهل يمكن لنا أنْ نمنع ترجمته إلى باقي اللغات، وهذا ليسَ قراراً صائباً؛ لأنَّه سوف يؤدي إلى حجب وتكتم على الدين كله.
بلْ الواقع هو عكس ذلك، لابدَّ من نشر مصادر وموائد الوحي، بلْ يجب أنْ تنتشر، نعم وإنْ كان يجب أنْ نقنن ونمنهج استخراج هذهِ اللئالئ الوحيانية الروائية، لا أنْ نحجب عن ثقافة عموم المؤمنين أو المسلمين أو البشرية تخوفاً وتحجباً؛ لأنَّ هذا يساعد على عدم نشر نور الهداية، نعم ليسَ الباب مفتوحاً لأي شخص أنْ يستنتج أو يستنبط كيف ما يشاء من دون أي موازين أو قواعد علمية.
([1]) الوسائل، ج27: 87.
([2]) الوسائل، ج27: 88.
([3]) سورة مُحمَّد: الآية 24.
([4]) سورة القمر: الآية 22.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat