لهذه السورة الشريفة خصائص وفضائل كثيرة منها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال ( عن الباقر عليه السلام من قرأ سورة النحل في كل شهر كفى المغرم في الدنيا وسبعين نوعا من أنواع البلاء أهونه الجنون والجذام والبرص وكان مسكنه في جنة عدن وهي وسط الجنان ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{1}
تشير الاية الكريمة الى ان الكافرين يستعجلون حلول العذاب , وهذا هو دأبهم مع كل نبي او رسول , فتخاطبهم الاية الكريمة بصيغة الماضي وهكذا جميع الايات الكريمة التي تذكر يوم القيامة جاءت بصيغة الماضي , وفي ذلك الكثير من الاعتبارات لعل ابرزها :
1- لتحقق وقوعه لا محالة .
2- قرب حلوله .
3- كل الاجراءات الربانية الخاصة بيوم القيامة معدة ومهيأة ولا ينقصها سوى الامر الالهي .
4- في واقع حال المؤمن انه يعيش في جنة , حيث يقوم بما يستوجب الفضائل الكريمة ويتجنب كل الرذائل , فيكون بذاك جنة على الارض ( في الدنيا ) , اما الكافر فواقع حاله انه جهنم , كونه انغمس في الرذائل وابتعد عن الفضائل وسار بغير هدى , فيكون بذلك جهنم على الارض ( في الدنيا ) , كلاهما يمثلان يوم قيامة بدأ عند البلوغ وسينتهي عند الممات , لتبدأ مرحلة ( منزلة ) اخرى من مراحل يوم القيامة , والتي فيها خمسون منزلا ( كما تشير الى ذلك بعض الاحاديث الشريفة ) .
5- عذاب القبر : القبر وعذاباته للكافر وروضاته للمؤمن هي من مقدمات يوم القيامة , وهذا ما يحصل فعلا , لذا جاءت الاية الكريمة بصيغة الماضي .
6- الموت : القيامة نوعان , نوع عام يشمل الكون بأسره , ونوع خاص ( شخصي ) لكل فرد , والنوع الثاني مما اشار اليه الحديث الشريف ( اذا مات الانسان قامت قيامته ) .
7- العياشي عن الصادق عليه السلام ( إذا أخبر الله إن شيئا كائن فكأنه قد كان ) .
تستكمل الاية الكريمة موضوعها مخاطبة الكفار ( فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ) , لا ينفعكم استعجال حلوله , فلا خير لكم فيه , ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) , ينزه الباري جل وعلا ويبرأ نفسه من الشريك وغيره .
يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ{2}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة مواطن :
1- ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) : يبين النص المبارك ان الله تعالى مجده ينزل الملائكة ( جبريل "ع" ) بامره جل وعلا , اما الروح ففيها اراء كثيرة , لعل ابرزها :
أ) الوحي , جبريل (ع) . " تفسير الجلالين للسيوطي ".
ب) بما يحيي به القلوب الميتة بالجهل من الوحي والقرآن . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
ت) يعني بالقوة التي جعلها الله فيهم . " تفسير القمي " .
ث) عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال جبرئيل الذي نزل على الأنبياء والروح يكون معهم ومع الأوصياء لا يفارقهم يفقههم ويسددهم من عند الله . " البصائر " .
ج) وقد يكون الروح جنسا لمخلوق غامض يشبه الملائكة او اعظم , ( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ{4} سورة القدر الشريفة , {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }المعارج4 , {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً }النبأ38 , او يكون من اسرار القدرة الربانية {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85 , وقد يكون خاصا لجبرائيل "ع" {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }الشعراء193 , وقد يكون التأييد الرباني للرسل والانبياء (ع) والمؤمنين {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ }غافر15 .
2- ( عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) : الرسل والانبياء (ع) وكذلك اوصياءهم "ع" .
3- ( أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ) : يبين النص المبارك الغرض من كل ما تقدم , ( أَنْ أَنذِرُواْ ) ان ينذر الرسل والانبياء (ع) ويخوفوا الكفار من عذاب واقع لا محالة , ويعلموهم ( أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ ) , وحده جل وعلا المتفرد بالالوهية , ( فَاتَّقُونِ ) , في اجتناب نواهيه جل وعلا , واداء الطاعات .
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{3}
تبين الاية الكريمة على نحو التأكيد ان الله تعالى خلق السموات والارض وهذا هو الحق والنتيجة الثابتة , ( تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) , يتعالى الباري جل وعلا عن ان يشرك به شيئا , فينسب ويدعي الانسان الجاهل ان الاصنام شركاء لله تعلى عن ذلك علوا كبيرا .
خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ{4}
( خلقه من قطرة ماء منتن فيكون خصيما متكلما بليغا ) . "تفسير القمي " .
وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ{5}
تؤكد الاية الكريمة ان الله تعالى خلق ( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ) , كالابل والبقر والغنم , مسخرة , منقادة في خدمتكم , ( فِيهَا دِفْءٌ ) , وهو ما يصنع من صوفها ووبرها , ( وَمَنَافِعُ ) , كالركوب واستعمالها في حراثة الارض ... الخ , ( وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) , مما تنتج من لبنها ومشتقاته وكذلك لحومها وشحومها .
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ{6}
تستكمل الاية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة , ( وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ ) , زينة , ( حِينَ تُرِيحُونَ ) , العودة من المراعي الى مراحها في العشي , ( وَحِينَ تَسْرَحُونَ ) , الخروج بها الى المراعي في الغداة .
( فإن الأفنية تتزين بها في الوقتين ويجل أهلها في أعين الناظرين إليها وتقديم الاراحة لأن الجمال فيها أظهر فإنها تقبل ملأ البطون حافلة الضروع ثم تأوي إلى الحظاير حاضرة لأهلها ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{7}
تستمر الاية الكريمة في بيانها لمنافع الانعام , ( وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ ) , امتعتكم , حاجياتكم , بضائعكم , ( إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ ) , لا يمكنكم الوصول اليه بغير الابل والحمير , والا لشق الامر عليكم , ( إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ ) , جهد ومشقة , ( إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) , عندما خلق الله تعالى تلك الانعام لكم , فتستعينون بها على قضاء حوائكم في المهمات الشاقة , ونقل الامتعة والبضائع الثقيلة .
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{8}
تذكر الاية الكريمة ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ ) , وتذكر لهم منفعتين :
1- ( لِتَرْكَبُوهَا ) : الركوب وحمل الامتعة .
2- ( وَزِينَةً ) : من جانبين
أ) يتزين الفارس بركوب الخيل .
ب) يكون الراكب على الحصان او البغل او الحمار اكثر زينة من الماشي .
لتختتم الاية الكريمة بــ ( وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) , يمكن ان تندرج في محورين :
1- ان سكان الجزيرة العربية لم يكونوا يعرفون غير هذه الحيوانات الشائعة لديهم , ولم يعلموا بوجود حيوانات اخرى في اماكن اخرى يمكن الاستفادة منها بنفس الطريقة , او انهم يعرفون بوجودها كالفيلة , لكنهم لا يحسنون ( لا يعلمون ) ترويضها , فجل خبرتهم ومعرفتهم تقتصر على هذه الحيوانات فقط .
2- عجائب وغرائب خلقه جل وعلا في البر والبحر , مما يرى ومما لا يرى ! .
وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ{9}
تنعطف الاية الكريمة لتبين ( وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) , بيان الطريق المؤدي الى الحق والهدى , ( وَمِنْهَا جَآئِرٌ ) , منحرف , حائد عن الاستقامة , حائد عن القصد , ( وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) , الى قصد السبيل , الطريق القويم , الصراط المستقيم .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
لهذه السورة الشريفة خصائص وفضائل كثيرة منها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال ( عن الباقر عليه السلام من قرأ سورة النحل في كل شهر كفى المغرم في الدنيا وسبعين نوعا من أنواع البلاء أهونه الجنون والجذام والبرص وكان مسكنه في جنة عدن وهي وسط الجنان ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{1}
تشير الاية الكريمة الى ان الكافرين يستعجلون حلول العذاب , وهذا هو دأبهم مع كل نبي او رسول , فتخاطبهم الاية الكريمة بصيغة الماضي وهكذا جميع الايات الكريمة التي تذكر يوم القيامة جاءت بصيغة الماضي , وفي ذلك الكثير من الاعتبارات لعل ابرزها :
1- لتحقق وقوعه لا محالة .
2- قرب حلوله .
3- كل الاجراءات الربانية الخاصة بيوم القيامة معدة ومهيأة ولا ينقصها سوى الامر الالهي .
4- في واقع حال المؤمن انه يعيش في جنة , حيث يقوم بما يستوجب الفضائل الكريمة ويتجنب كل الرذائل , فيكون بذاك جنة على الارض ( في الدنيا ) , اما الكافر فواقع حاله انه جهنم , كونه انغمس في الرذائل وابتعد عن الفضائل وسار بغير هدى , فيكون بذلك جهنم على الارض ( في الدنيا ) , كلاهما يمثلان يوم قيامة بدأ عند البلوغ وسينتهي عند الممات , لتبدأ مرحلة ( منزلة ) اخرى من مراحل يوم القيامة , والتي فيها خمسون منزلا ( كما تشير الى ذلك بعض الاحاديث الشريفة ) .
5- عذاب القبر : القبر وعذاباته للكافر وروضاته للمؤمن هي من مقدمات يوم القيامة , وهذا ما يحصل فعلا , لذا جاءت الاية الكريمة بصيغة الماضي .
6- الموت : القيامة نوعان , نوع عام يشمل الكون بأسره , ونوع خاص ( شخصي ) لكل فرد , والنوع الثاني مما اشار اليه الحديث الشريف ( اذا مات الانسان قامت قيامته ) .
7- العياشي عن الصادق عليه السلام ( إذا أخبر الله إن شيئا كائن فكأنه قد كان ) .
تستكمل الاية الكريمة موضوعها مخاطبة الكفار ( فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ) , لا ينفعكم استعجال حلوله , فلا خير لكم فيه , ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) , ينزه الباري جل وعلا ويبرأ نفسه من الشريك وغيره .
يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ{2}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة مواطن :
1- ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) : يبين النص المبارك ان الله تعالى مجده ينزل الملائكة ( جبريل "ع" ) بامره جل وعلا , اما الروح ففيها اراء كثيرة , لعل ابرزها :
أ) الوحي , جبريل (ع) . " تفسير الجلالين للسيوطي ".
ب) بما يحيي به القلوب الميتة بالجهل من الوحي والقرآن . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
ت) يعني بالقوة التي جعلها الله فيهم . " تفسير القمي " .
ث) عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال جبرئيل الذي نزل على الأنبياء والروح يكون معهم ومع الأوصياء لا يفارقهم يفقههم ويسددهم من عند الله . " البصائر " .
ج) وقد يكون الروح جنسا لمخلوق غامض يشبه الملائكة او اعظم , ( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ{4} سورة القدر الشريفة , {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }المعارج4 , {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً }النبأ38 , او يكون من اسرار القدرة الربانية {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85 , وقد يكون خاصا لجبرائيل "ع" {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }الشعراء193 , وقد يكون التأييد الرباني للرسل والانبياء (ع) والمؤمنين {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ }غافر15 .
2- ( عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) : الرسل والانبياء (ع) وكذلك اوصياءهم "ع" .
3- ( أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ) : يبين النص المبارك الغرض من كل ما تقدم , ( أَنْ أَنذِرُواْ ) ان ينذر الرسل والانبياء (ع) ويخوفوا الكفار من عذاب واقع لا محالة , ويعلموهم ( أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ ) , وحده جل وعلا المتفرد بالالوهية , ( فَاتَّقُونِ ) , في اجتناب نواهيه جل وعلا , واداء الطاعات .
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{3}
تبين الاية الكريمة على نحو التأكيد ان الله تعالى خلق السموات والارض وهذا هو الحق والنتيجة الثابتة , ( تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) , يتعالى الباري جل وعلا عن ان يشرك به شيئا , فينسب ويدعي الانسان الجاهل ان الاصنام شركاء لله تعلى عن ذلك علوا كبيرا .
خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ{4}
( خلقه من قطرة ماء منتن فيكون خصيما متكلما بليغا ) . "تفسير القمي " .
وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ{5}
تؤكد الاية الكريمة ان الله تعالى خلق ( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ) , كالابل والبقر والغنم , مسخرة , منقادة في خدمتكم , ( فِيهَا دِفْءٌ ) , وهو ما يصنع من صوفها ووبرها , ( وَمَنَافِعُ ) , كالركوب واستعمالها في حراثة الارض ... الخ , ( وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) , مما تنتج من لبنها ومشتقاته وكذلك لحومها وشحومها .
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ{6}
تستكمل الاية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة , ( وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ ) , زينة , ( حِينَ تُرِيحُونَ ) , العودة من المراعي الى مراحها في العشي , ( وَحِينَ تَسْرَحُونَ ) , الخروج بها الى المراعي في الغداة .
( فإن الأفنية تتزين بها في الوقتين ويجل أهلها في أعين الناظرين إليها وتقديم الاراحة لأن الجمال فيها أظهر فإنها تقبل ملأ البطون حافلة الضروع ثم تأوي إلى الحظاير حاضرة لأهلها ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{7}
تستمر الاية الكريمة في بيانها لمنافع الانعام , ( وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ ) , امتعتكم , حاجياتكم , بضائعكم , ( إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ ) , لا يمكنكم الوصول اليه بغير الابل والحمير , والا لشق الامر عليكم , ( إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ ) , جهد ومشقة , ( إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) , عندما خلق الله تعالى تلك الانعام لكم , فتستعينون بها على قضاء حوائكم في المهمات الشاقة , ونقل الامتعة والبضائع الثقيلة .
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{8}
تذكر الاية الكريمة ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ ) , وتذكر لهم منفعتين :
1- ( لِتَرْكَبُوهَا ) : الركوب وحمل الامتعة .
2- ( وَزِينَةً ) : من جانبين
أ) يتزين الفارس بركوب الخيل .
ب) يكون الراكب على الحصان او البغل او الحمار اكثر زينة من الماشي .
لتختتم الاية الكريمة بــ ( وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) , يمكن ان تندرج في محورين :
1- ان سكان الجزيرة العربية لم يكونوا يعرفون غير هذه الحيوانات الشائعة لديهم , ولم يعلموا بوجود حيوانات اخرى في اماكن اخرى يمكن الاستفادة منها بنفس الطريقة , او انهم يعرفون بوجودها كالفيلة , لكنهم لا يحسنون ( لا يعلمون ) ترويضها , فجل خبرتهم ومعرفتهم تقتصر على هذه الحيوانات فقط .
2- عجائب وغرائب خلقه جل وعلا في البر والبحر , مما يرى ومما لا يرى ! .
وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ{9}
تنعطف الاية الكريمة لتبين ( وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) , بيان الطريق المؤدي الى الحق والهدى , ( وَمِنْهَا جَآئِرٌ ) , منحرف , حائد عن الاستقامة , حائد عن القصد , ( وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) , الى قصد السبيل , الطريق القويم , الصراط المستقيم .
الموضوع السابققناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat
.jpg)
