مواقف ثابتة في ثورة الامام الحسين (ع)
جواد كاظم الخالصي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جواد كاظم الخالصي

التأمل في الثورات التي حصلت على مدى التاريخ لا تخلو أبدا من المواقف التي تسجلها صفحات هذا التاريخ وتكون حاضرة في الذاكرة بشكل دائم و يمكن تداولها عبر الأجيال بحيث ان الكثير من شعوب الإنسانية تتناقل تلك المآثر والمواقف الثابتة لقادتهم ومن تأثروا بهم وقد تكون بعض تلك الثورات غير قائمة على أسس المبادئ الإنسانية الحقيقية والوقوف ضد المتجبرين والطغاة الذين يريدون تغيير الرسالات السماوية السمحاء وإنما تأتي في سياق الهيمنة والوصول الى السلطة من خلال إزاحة الديكتاتور او الحاكم المتسلط على رقابهم.
ما حصل في ثورة الإمام الحسين ع كان فيه واقعية الهدف الذي تحرك من اجله الامام للوقوف بوجه من أراد تغيير رسالة سماوية سمحاء باشرت في تعليم البشرية روح التسامح والألفة والمحبة وقامت على بناء جو من التسامي والتسامح بين البشر ، نعم هي رسالة الهية تحفظ كل بني البشر أراد ان يحرفها حاكم طاغي وفاسق انتهك الحرمات والمقدسات على حد سواء ، كما ان هذه الثورة تأتي في سياقها الاخر وهو الوصول الى حرية الفرد وإحساسه بأنه احد افراد المجتمع الذي يمتلك من الحقوق ما يمتلكه الحاكم وهو بحد ذاته التخلص من روح العبودية والذل للحكام وهذا النمط كان يمارسه يزيد آنذاك بحق عامة الناس ، ومن جانب اخر تأتي مهمة هذه الثورة من ناحية الانطلاقة الحقيقية لمبادئ الصمود والتحدي والاصرار على العقيدة الحقيقية والواقعية لدى أبناء الامة الاسلامية وهو منطلق ينفعنا بشكل كبير لرفع الخوف من نفوس ابناء المجتمع الذي قبل الرضوخ للحاكم الظالم والمغتصب لحقوق الاخرين مع علمهم الكامل بذلك إلا أن الرحى تدور حول الرقاب وهنا كان الحسين ع بثورته نبراسا أضاء الطريق أمام الأحرار من الامة الذين تلبسهم الخوف بشكل كبير مما قد يقع عليهم من ممارسات الحاكم المستبد فعُمي على قلوب القوم في بلاد الشام انذاك حتى صار اغلبهم لا يفرق بين سبايا الترك والديلم وبين ابناء رسول الله ص ، فخرجت على إثرها الكثرة الكثيرة تتسابق لمواجهة الحسين ع في حين أن أصحابه هم القلة القليلة الذين جاءوا معه الى ساحة المصرع في مثل تلك الايام وحينها قال الامام عليه السلام قولته المشهورة (ألا من التحق بنا فقد استُشهد ومن تخلف عنا لم يبلغ الفتح) قول له أثره الكبير في النفوس لأنه يخبر عن حالة الصراع مع لذة الحياة او التمسك بالمباديء والقيم الكبيرة في الدفاع عن محتوى الرسالة المحمدية التي جاء بها رسول البشرية النبي محمد ص ، أي ان هذه المجموعة السبعين الصغيرة لمواجهة الآلاف من جيوش الباطل التي ارسلها يزيد الحاكم الطاغي والمتجبر على رقاب الناس والمغتصب للخلافة هي على يقين ان مصرعهم في ساحة المواجهة أمر لا بد منه ولكن يقابله في ذلك الاصرار لمواجهة هذا الموت هي المبادئ السامية التي زرعتها في نفوسهم وهج ثورة الامام الحسين ع ولو اخذنا فقط شخصيتين لتجسيد هذه المواقف - مع الاحتفاظ ان الباقين هم على نفس الاصرار - سنجد فيهم القيمة الحقيقية لمعرفة الثبات وروح الاندماج الحقيقي والانصهار في عرفان هذه الثورة الخالصة لله وهي رؤية واضحة لما بعد الحياة بين يدي الله سبحانه وتعالى .
فلو نظرنا الى جون الذي كان يخدم الامام كيف ان روح الانصهار الحقيقي تخللت فكره ودفعته لأن ينزل الى المواجهة العسكرية حاسرا عن جسمه مستقبلا الاعداء وسيوفهم بلحم صدره وهو يهزج ويقول حب الحسين اجنّني وهذا نابع من حبه لله لأن الحسين ع خالص لله تعالى، حيث لم يعد يلتفت الى الدنيا وزخارفها وانما الى المبدأ الذي جاء من اجله الى ساحة كربلاء ليُعلّم الاجيال ويكون خالدا بها الى يومنا هذا وفي المقابل كان موقف الحر بن يزيد الرياحي الذي تمسك بالمبدأ الأخروي والميل نحو أهداف ثورة الحسين ع ليقول اني أُخيّر نفسي بين الجنة والنار ولا اختار على الجنة شيئا وهو يعلم انه سيستشهد بعد لحظات ولكنها مواقف ثابتة دفعته للوقوف مع الحق واختيار طريق الآخرة الحقيقي البعيد عن زخرف الدنيا وما يعطيه لهم حكام الجور .
اما موقف المرأة في هذه الثورة كان متجليا في السيدة زينب عليها السلام أخت الامام الحسين ع حين اتخذت هذا الموقف الصامد والبطولي الذي ربما يفشل أمامه رجال لهم صولتهم وجولتهم في الدنيا فاستندت الى قوة ايمانها وإرث والدها امير المؤمنين ع ورؤيتها الواضحة لمبادئ تلك الثورة في عيون أخيها الحسين وابي الفضل العباس عليهم السلام فوقفت بموقفها الواضح لتكون المسار الواضح في نقل تلك الثورة العظيمة والمبادئ التي سارت من اجلها فوصلت الينا على مر الاجيال ثورة ناصعة عدّلت مسار الانحراف الذي رافق الإسلام المحمدي لجدها رسول الله حين أراد العتاة الفسقة تحريفه ولذلك كانت الصوت الراجح الواصل الينا بالحق ليُعلّمنا ان الثوابت والقيم والعقيدة الحقيقية لا تغيرها الأنظمة الطاغية وإنما تعطينا دفعا لأن نكون الشعلة التي تضيء طريق الحق عبر المبادئ السامية لثورة الحسين بن علي(ع).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat