صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

التكبر على المتكبر
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تكلمنا في مضى عن الغرور وكيف أنه يؤدي إلى السقوط إن لم ينتبه المغرور إلى نفسه ويسرع إلى التخلص من عقده التي أصيب بها بالعدوى أو بالوراثة ، عليه التخلص من هذا العدو الفتاك  وذلك بممارسة الرياضة الروحية وإتباع برامج الحمية التي تعيد له العافية وتمنحه السلامة والمناعة من خطر الإصابة مستقبلا بهذا المرض السائد الإنتشار بين مختلف شرائح المجتمع. يٌعد التكبر على المتكبر من طرق العلاج المفيدة والناجحة  لإلفات نظر المتكبر ومساعدته للتخلص من تلك العقد النفسية والأمراض الأخلاقية التي تلازمه في كل قول وفعل وحركة وسكون. يزداد هذا المريض غرورا يوما بعد آخر لأن الذين يحيطون به لايستنكرون عليه ذلك لأسباب عديدة ، وقد قصدتها في موضوع الغرور وسميتها بالعوامل المساعدة التي تقوده إلى ما لاتحمد عقباه . منها أن المحيطين به لم يهمهم أمره أساسا، ومنها من يجامله خجلا منه  أو خشية ، ومنها من يضمر له السوء فيشجعه مزينا له الهوى ليحول بينه وبين الطاعة والزلفى. يبارك له الغرور ليدخل على قلبه السرور، لكنه يعجّل على سقوطه( ينفخة لينفجر) ومن ثم يسرع لإستنكار ذلك بعدما كان عاملا مساعدا في تحصيل وإستمرار ذلك.  وهذا الصنف الأخير هو من أخطر المحيطين بهذا المريض.{ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَال إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِين}. ليس هذا فحسب بل أن الشيطان يلقي باللائمة غدا على من أضلهم وزين لهم أعمالهم ، وأنهم قد إتبعوه بإرادتهم فلم يجبرهم على ذلكك. إنه مجرد أن وجه لهم دعوته ووعدهم ، دون أن يقدم لهم الدليل والحجة على صدق وعده، فوجدهم يسارعون لإجابته ويتسابقون للجلوس على موائده لينعمون بعطاياه وجوائزه ، لكن هذا الماكر يزيدهم هما بهم حينما يقول لهم أن الله وعدكم وعد الحق فبين لكم الحلال والحرام والثواب والعقاب والجنة والنار ووعدتكم غرورا وقلت لكم لاجنة ولانار إنما هي حياتكم الدنيا فتزودوا من اللهو والغفلة والسهو ، فأسرعتم إليّ وتعلقتم بي وظننتم بخالقكم ظن السوء فتكبرتم وإرتبتم وغركم المال والجاه وكثرة الأصحاب والمتملقين لالشيء أبدا إلاّ لسوء التوفيق والعاقبة. غريب جدا أن يبيع المرء دينه بدنيا غيره. يتملق للمتكبر ولكنه بالنتيجة لايحصل حتى على إلاطراء والثناء لأن المتكبر يزداد تكبرا كلما تواضع الآخرون له ، فلا يظن من يريد إلأصلاح عكس ذلك. المتكبر لايجامل حينما تقول له : أنا مخطيء. إنه يفرح كثيرا لهذه الكلمة ويعتبرها إنتصارا على كلّ من يتعامل معه ، حتى أقرب المقربين من أم وأب وأولاد.  {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إلاَّ أَن دَعَوْتُكم فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.   
 
  من سوء حظ هذا المريض المتكبر أن يقع بين أناس قد أخطأ بعضهم في العلاج ، وبعضهم أخطأ في التشخيص وبعضهم يريد له السوء ويضمر له البغضاء ويتمنى أن يصيبه المكروه.. يظن بعض السادة المحترمين بأن التواضع للمتكبر قد يكون سببا  لنهيه وعاملا  لهديه إلاّ أننا وجدنا ذلك  يأتي بنتائج عكسية تماما . ورد عن رسول الرحمة (ص): " إذا رأيتم المتواضعين من أمتي فتواضعوا لهم ، وإذا رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم ، فإن ذلك لهم مذلة وصغار". أعرف صلحاء يتواضعون للنملة وما دونها ولكنهم لم يترددوا يوما من التكبر على المتكبر ونهيه وزجره ليترك رداء الله الذي لاينبغي إلاّ له سبحانه وتعالى علوا كبيرا. 
صديقي المتكبر: لم يكن إنسانا أميّا أو متخلفا أوغير ذلك ولكنه كان متكبرا بإمتياز ، فكل حركاته وسكناته  تدل على أنه في غاية التكبر. كان يؤلمني كثيرا ان أراه هكذا وكنت أقول مع نفسي دوما: كم سأكون سعيدا لو ساعدته في التخلص مما هو فيه ، فليس من الإنصاف أن أتركه يغرق في هذا البحر المحفوف بالمخاطر وأنا أنظر إليه وأستنكر ذلك في قلبي فقط  ولا أمدّ له يد العون والمساعدة بما يمكن فعله ويُرتجى نفعه. كان من تكبره أن يرى كل مّن حوله أقل منه علما وفهما ودراية. كنت أعتذر له عن أخطائي دون أن أبررها ولكنه كان يبتسم ويقول : وأنا قبلت عذرك. يقولها وهو يشعر بإرتياح شديد لأنه يحب أن يرى الآخرين يعتذرون له وإن لم يخطأوا. لم أسمع منه يوما إنه إعتذرعن سقطات لسانه الجارحة لكل من يحاول نصيحته وإن لم يكن على معرفة مسبقة بأحواله ، كان يرى نفسه هو النصيحة وأنه هو الحكيم الخبير بكل الأمور. كانت أفكاره الشيطانية تزيده غرورا وتجبرا وتمنعه من الإعتذار لمن أساء إليهم. إزداد حال صديقي هذا تدهورا فقد أصبحت الزوجة المسكينة والأولاد لايطيقون الحديث معه وطلبوا مني كصديق له أن أقوم بواجبي واقدّم لهم خدمة إنسانية. إتصلت به عن طريق الهاتف فكان كعادته لايرد التحية بمثلها أو بأحسن منها بل بأقل منها ويكتفي بالقول : وعليكم. قلت له : أنت أعلم مني في كل الأمور، أنا أعترف لك بذلك ولكنك لم تذق يوما طعم التواضع لقد تماديت كثيرا في غرورك ويجب أن تضع حدا لذلك ، لايسعدني أبدا أن تكون صديقا لي بعد هذا اليوم وإعلم بأني سوف أقابل تكبرك هذا بتكبر أعظم منه. من حسن إيمان المرء ان يكون
متواضعا وليس من حسن إيمان المرء أن يكون ذليلا للمتكبرين بعد أن أعزه الله تعالى وكرّمه.عن صادق العترة الطاهرة (ع) : " المؤمن أعظمُ حرمةً من الكعبة ". صعق صديقي وهويسمع  تلك الكلمات. كان يظن أن الآخرين يخشون لسانه الذي كان يشهره كالسيف بوجوه من إختلفوا معه ، ولا ترضي غروره إلاّ كلمات الإعتذار التي يعتبرها إنتصارا له عليهم.
صديقي المتكبر هذا كان لايفهم بالإشارة لأن الغرور قد تمكن منه فوقع أسيرا له ، وأصبح يتخلق به ويحسبه من مقومات الشخصية القوية. تركته بضعة أسابيع وكنت أدعو له سرا وأطلب من الله بكل صدق أن يشافيه مما هو فيه لأني كنت أحبه ولا أريد أن أخسره. مضى وقت طويل ولم يتصل بي ذلك الصديق فعزمت على زيارته والسؤال عن أحواله. ذهبت إلى بيته دون أخذ موعد مسبق لأجده قد تغير تماما فقد كانت تلك العبارات التي صعقته في باديء الأمر بمثابة جرس الأنذار الذي جعله يراجع تصرفاته وينظر إلى نفسه على أنه بشر يخطيء ويصيب ، ويعفو ويعتذر ، وان المتواضع يرفعه الله تعالى في أعين الناس ويجعل له نورا ، وأن الله تعالى يضع المتكبرين ويُهلك ملوكا ويستخلِفُ آخَرين ، وان المؤمن يتواضع للمتواضعين ويتكبر على المتكبرين لأن الله  تعالى قد أعزّ عباده المؤمنين:{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}. من علامات المغرور المتكبر ترديده للفظة المجادلة التي هي كما يصفها علماء الأخلاق تعجيز الغير وتنقيصه وذلك بإظهار القدح في أقواله
للإنتصار عليه بعد رميه بالقصور والجهل. كما أن مصدر المجادلة هو الترفع بإظهار الفضل والتهجم على الغير بإظهار النقص وهذان أمرا خطيران ومهلكان لأن إظهار الفضل معناه تزكية النفس التي هي إنعكاس مافي داخلها من غرور وعلوّ وكبرياء. علاج التكبر هو كعلاج أية علّة بإماطة سببها ، لذا لابد للمتكبر أن ينتصر ويقهر ويكسر الكبر في النفس ، الباعث على التكبر والمراء والمجادلة والإستخفاف بالغير والنظر إليهم نظرة إستعلاء وتكبر. أنصح المتكبيرن أن لايغرهم كثرة المادحين حولهم والمصفقين وراءهم والمبتسمين كذبا لهم ، وأن يبادروا إلى خلع رداء التكبر لأنه رداء الله وهالكٌ لامحالة من نازع الله تعالى عليه ، فهل من مدّكر!!
 
نسأل الله العافية
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/01



كتابة تعليق لموضوع : التكبر على المتكبر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : اديب علي من : العراق ، بعنوان : الضعف والقوة في 2011/03/01 .

المبدا
هو ان لم تكن ذئبا تاكلك الذئاب




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net