هل تطرح الثورة الليبية مخرجا مشرفا للقذافي!
عامر العظم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن المتابع لوقائع الثورة الليبية الحالية يرى أن معمر القذافي يعيش حالة تخبط وتراجع بسبب الحصارين الداخلي والخارجي، وهو كمن حُشر في الزاوية بلا مخرج أو ممر آمن. ومن المفارقات أن ترى زعيما (كراكوزا) ظل لعقود يتغنى بتأليف كتاب أخضر ونظرياته في شتى العلوم والمعارف الإنسانية، وهو الآن لا يستطيع فهم ما يجري، أو حتى التعبير عن، أو الدفاع عن نفسه! محزن جدا أن تكتشف الشعوب العربية - بعد حكم وعمر طويل - أن قادتها لا يعرفون الحديث – ضعيفي مخرف كما نقول بالعامية - ولا حتى التعبير أو نطق أو صياغة جملة سليمة!
في المقابل، ترى الثورة الليبية تحقق تقدما داخليا وخارجيا وتتسع رقعتها يوما بعد يوم، لكنها بلا قيادة أو رؤية جماعية حتى الآن، مجرد مظاهرات واحتفالات وأمنيات بالتخلص من القذافي بأدعية أو معجزة إلهية من السماء. لا يحق للشعب الليبي الآن أن يقول أنه يريد إسقاط أو التخلص من القذافي المحاصر بباب العزيزية بكبسة زر بعد 40 عاما من التطبيل والتزمير والتهليل الأخضر، لا يُعقل أن نصفق 40 عاما للصنم المعجزة ثم نبصق على أنفسنا مرة واحدة بكل اعتزاز وعنفوان وبلا وجل أو خجل! على الشعب الليبي أن يطرح على القذافي مخرجا مشرفا يحافظ على الود والتاريخ المشترك، يحفظ له ماء الوجه حتى يتنحى بطريقة مشرفة تحترم إنسانيته كإنسان.
لاحظنا في خطابات القذافي المتوترة والمهزوزة أنه يتراجع خطابا بعد خطاب، تارة أنه بلا سلطة منذ عام 1977 ـ وهذا غير صحيح ـ وهو ليس مسؤولا عن التخريب والتدمير الجاري حاليا، وتارة أنه لم ينظر إلى نفسه كرئيس بل كمرجعية أدبية أو ثورية، وتارة أخرى يكرر صولاته وإنجازاته ليبيا ودوليا كالنهر العظيم وتركيع الاستعمار الايطالي والهجوم الأمريكي وغيرها.. نحن نرى في ذلك رسالة ضمنية من القذافي يريد أن يقول من خلالها للشعب الليبي أنه مصدر اعتزاز لهم وهو ليس مسؤولا عما جرى ويجري، وأنه يبحث عن مخرج مشرف الآن، لكن يبدو أن الثوار داخل ليبيا لم يلتقطوا هذه الاستغاثة أو النداء غير المباشر. إنهم يكتفون بالتظاهر والجلوس في الشوارع وإجراء المقابلات الصحفية والتلفزيونية.
من المهم أن يتم تشكيل مجلس قيادة للثورة الجديدة للتحاور مباشرة مع القذافي، أو أن يقوم مثلا وزير العدل أو الداخلية أو غيرهم من المسؤولين الذين انشقوا عن القذافي، متحدثين باسم الثورة الليبية، بطرح خيار على القذافي مباشرة يضمن حقن الدمن وإعادة أموال الشعب الليبي وبحيث يتنحى القذافي بطريقة تحفظ له كرامته كإنسان وصل السبعين من العمر. مهما يكن، لا نريد أن نعدم أو ننتقم من القذافي. نريد أن نسمو وننتصر على أنفسنا ونظهر جوهر أخلاقنا مع حكامنا الظالمين.
كنت من أوائل من قاد المعارك الفكرية والثقافية الجماعية ضد حكام وأنظمة مثل مصر وتونس وليبيا والعراق وسوريا وغيرها على منتديات الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب (واتا) في زمن الصمت والخوف والهروب والنهش الجماعي، لكنني أرى أن نظل كبارا حتى مع من ظلمونا!
26 فبراير، 2011