صفحة الكاتب : د . مسلم بديري

الجندي المشلول قصة قصيرة
د . مسلم بديري
 يقول لنفسه ان الفاصل بين الفرح والحزن هو مقدار شعرة , هي ذاتها التي تفصل الحياة عن الموت وكل المتضادات هكذا تتقارب فيما بينها حتى لا تكاد تدرك كنه الانتقال من طرف الى آخر , هكذا أخذ يقول لنفسه وهو يجلس أمام نصب الجندي المجهول في بغداد , نعم , فعلا أحس المسافة الفارقة بين الحياة والموت , ربما تمنى وربما يتمنى , من يعرف ؟ أخرج من جيب سترته بطاقته الشخصية , نظر اليها ثم جال ببصره متفحصا ذلك النصب الضخم , دس يده مرة أخرى في جيبه وأخرج وساما كان قد ناله يوم بترت ساقه في الحرب , وسام صدئ , ينظر صوبه بألم واضح , وينظر صوب الضريح بألم آخر , ألم تذكر معه ألمه بعد أن أوهم نفسه بالنسيان , ولكن أي نسيان ؟ هل كان معلوما أم مجهولا ؟ ماذا تعني له الاوسمة الآن ؟ من يصدق أنه كان محاربا في فرقة المغاوير ؟ من يصدق أن الأوسمة له أصلا ؟ وإن صدق , من يصدق انها أصلية ؟ هل يعقل أن تكون كل هذه الذكريات حاضرا لعجوز يعاني من شلل نصفي ؟ شلل أطاح بإحدى ساقيه , بينما تكفلت الحرب بالأخرى, كل ما يجول في خاطره الساعة , هو الموت نعم أصبح الموت هاجسه الأكبر , وأحس بان المسافة الفاصلة تتسع أكبر وأكبر ؟ 
لا بد وان الفرق بين الوسام الصدئ وبين ضريح الجندي المجهول فرق شاسع , هو ذاته الفرق بين الجندي المغوار وبين الرجل المشلول , كيف يمكن له أن يضم كل هذه الذكريات , الحياة , التاريخ , البطولة في جيبه , بينما يطاول الضريح أعنان السماء , هل المقارنة بهذا الألم .؟ ماذا لو مات في الحرب يوم بترت ساقه , هل من الممكن أن يكون له ضريح أشبه بهذا ؟ و لمَ لا .؟ فما دام الجندي المجهول له هذا الصرح , فكيف به هو , وهو الذي قتل أبوه في الحرب ؟ وحتى وان لم يكن له هذا الضريح فلا بد من كون الموت في الحرب أهون بكثير , مشلول , يا لبشاعة هذه الكلمة وهي تتردد في اذنه , مشلول لا يقوى على فعل ما يقوى عليه الطفل , الا الذكريات , من سيمنحه الحياة ؟ ومن سيمنحه الموت , هو الآن يقف على الفاصلة بين هذا وذاك , نعم المسافة تطول وتكبر وهو يقف بلا حراك , الى متى سيبقى منسيا ؟ هل نسيه الموت ؟ ما معنى الشلل اذن ؟ أليس ايذانا برحيل نصفه الى الأبد ؟ ما معنى بقاء النصف الآخر أو ما هو أقل منه , هل بقائه يكمن في تحفيزه على الألم ؟ ماذا سيفعل الآن , انه اليوم الثالث وهو يجلس بلا حراك ؟ ماذا سيفعل ؟ ماذا يفعل الآن ربما لن يقترب منه أحد , نعم كم تمنى الآن لو يسير في الهواء , أو يركب حصانا أبيضا تتدلى خصلات من شعره كالحرير , نعم تمنى أن يصبح طفلا , لا أكثر , ولا أقل من طفل .. انها اللحظة الحقيقية لوحيد يتوسط الجموع , ما اقساها

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مسلم بديري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/30



كتابة تعليق لموضوع : الجندي المشلول قصة قصيرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net