علاقة الاقتصاد بالاعلام
خالد محمد الجنابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في البداية لابد من الإشارة ولو بشكل مختصر عن العلاقة الوثيقة بين الإعلام من جهة والأزمات وفي مقدمتها الأزمات الاقتصادية ، إذ يتفق معظم الباحثين أن للإعلام دور كبير في مجال الأزمات وإدارتها ومنها بكل تأكيد الأزمات الاقتصادية والمالية مثل أزمات سوق المال ، ومن الأدوار المناطة بالإعلام :
أولا / التحذير من الأزمة قبل وقوعها . من خلال بث رسائل عبر وسائل الإعلام تحذر من أزمة سوق الأسهم قبل وقوعها وان الارتفاع غير المنطقي والسريع لمؤشر الأسهم قد يقابله انخفاض سريع وغير متوقع .
ثانياً / محاولة احتواء الآثار السلبية للازمة بعد وقوعها .
ثالثاً / توفير المعلومات والبيانات بكل شفافية للجمهور قبل وأثناء وبعد وقوع الأزمة.
رابعاً / التغطية للوقائع بأسلوب بعيد عن الإثارة والتخويف واتخاذ ردود فعل سلبية ، حيث تسعى وسائل الإعلام عند وقوع الأزمات إلى نشر المعلومات الصحيحة بكل شفافية وبالسرعة الممكنة للحيلولة دون ظهور وانتشار الإشاعات ، حيث يلعب الإعلام دوراً مؤثراً في مواجهة الإشاعات في كل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، باعتبارها احد الإفرازات الناجمة عن وقوع الأزمة بل احد أسباب وقوعها ، والإعلام في الأزمات يجب ألا يكتفي بتغطية ماذا حدث بل يجب أن يذهب إلى ابعد من ذلك وذلك بالإجابة على السؤال لماذا حدث ما حدث ، أي تفسير وشرح أسباب الأزمة مع محاولة كشف المتسببين فيها .
وتنطبق إلى حد بعيد سمات الأزمة على ما شهدته أسواق الأسهم المالية في شباط من عام
2006 وحتى شباط من عام 2007 ، ومن هذه السمات :المفاجأة ، ضيق الوقت للمواجهة ، وجود حالة من القلق والتوتر ، وقوع خسائر مادية وأحيانا بشرية ( وفاة بعض من خسروا في سوق الأسهم أو إصابتهم بجلطات ) ، تعدد الأطراف المؤثرة في حدوث الأزمة ( البنوك ، الشركات المساهمة ، هيئة سوق المال والإعلام ) ، فقد شهدت أسواق ألأسهم مع بداية شهر شباط 2006 انخفاضاً تدريجياً في أسعار الأسهم ، فبعد أن كان متوسط المؤشر 21000 نقطة ، بدأ في الانخفاض التدريجي ليصل في كانون ثاني عام 2007 إلى حوالي 6000 نقطة ، أي أن المؤشر انخفض أكثر من 12000 نقطة .ومن الجدير بالذكر ان المضاربين في الاسهم يعتمدون في كل دول العالم تقريباً في سوق الأسهم على البنوك وشركات إدارة الأموال أو إدارة الأوراق المالية لإدارة استثماراتهم ومحافظهم في أسواق الأسهم .
ويعتمدون في قراراتهم على العديد من العوامل مثل مشورة الأصدقاء وتوجهات اكبر عدد من المضاربين في قاعة التداول والوسطاء والمراكز الاستشارية والمؤسسات المالية الحكومية والخاصة ( هيئة سوق المال ، البنوك ) وغيرها ، وتستخدم هذه الأجهزة وسائل الإعلام المختلفة في الوصول إلى المضارب .
وهنا يصبح أهم عامل يتأثر به المضارب أما مباشره أو من خلال الأصدقاء ( نظرية انتشار المعلومة على خطوتين ) هو الإعلام بكل وسائله المسموعة والمقروءة والمرئية ومنتديات الانترنت .
ولقد تفاعلت وسائل الإعلام المختلفة مع الارتفاع في سوق الأسهم كما تفاعلت مع الانخفاض ، وقد كان هذا التفاعل يعبر عنه في الصحافة المطبوعة أو في الإعلام المقروء بكل أنواع الفنون التحريرية الصحفية ، الخبر ، التقرير ، التحقيق ،
المقابلة وأخيراً المقال وبالذات المقال التحليلي ، لقد كانت الصحافة متواجدة في البنوك وفي قاعات التداول ومع أساتذة الاقتصاد في جامعات العالم ومع رجال وسيدات
الأعمال في الغرف التجارية والصناعية ومع المسؤولين الحكوميين ووزراء المالية ومؤسسة النقد ، للتعرف على ما يدور في سوق المال ومدى واقعية الارتفاعات الكبيرة وغير المتوقعة في أسعار كل الشركات المطروحة للتداول تقريبا .
لقد ارتفعت أسعار بعض الشركات وفي فترات مختلفة ارتفاعاً جنونياً إن صح التعبير رغم إعلانها ميزانياتها والتي تدل على عدم تحقيقها لأي أرباح بل وحتى خسارتها ، وهو أمر كان يتناقض مع ابسط القواعد المتعارف عليها في أسواق المال العالمية .
ولقد تم إجراء دراسة مسحية عن موقف الإعلام المطبوع من أزمة سوق الأسهم وتوصلت هذه الدراسة إلى عدد من النتائج كان من أبرزها :
1/ تزايد اهتمام الصحافة بشكل تدريجي بالاقتصاد العالمي وبالموضوعات الاقتصادية بشكل عام .
2 / بدأت الصحافة في تخصيص صفحة واحدة على الأقل للشأن الاقتصادي وتطورت إلى صفحتين وفي بعض الصحف ومع الطفرة غير المتوقعة في سوق الأسهم أصبح نصيب الشؤون الاقتصادية أربع صفحات وأحيانا ملحق يتكون من ثمان صفحات بل من اثنتي عشر صفحة .
3 / تقدم الاهتمام بالأسهم وحركتها ارتفاعاً وانخفاضاً على غيره من الموضوعات الاقتصادية فبالإضافة إلى أسعار الأسهم والتي تنشر بشكل يومي كان هناك متابعة دائمة لصناديق الاستثمار في البنوك وأخبار توزيع الإرباح والميزانيات الربع سنوية والنصف سنوية للشركات المساهمة وإعلانات الاكتتاب للشركات الجديدة .
4 / بعد الأسهم جاء العقار وإخباره وما يتعلق بالمساهمات العقارية الجديدة في درجة قريبة من الاهتمام بسوق الأسهم .
5/ أوضحت الدراسة أن التحليلات الاقتصادية وبالذات من رجال الاقتصاد ومن المتخصصين في الدراسات الاقتصادية من الأكاديميين تنال مساحات كبيرة وصلت أحيانا إلى أكثر من 50% .
6 / تبين أن هناك علاقة شبه طردية بين المساحة المخصصة للإعلان من شركة معينة وما يرد عنها من أخبار .
7 / تعتمد الصحافة في مصادر المعلومات على الأخبار التي ترد من مكاتب العلاقات العامة في الشركات والبنوك ، ويظهر ذلك جلياً في وجود نفس الخبر أو التقرير الإخباري بنفس الصياغة دون حذف ولا إضافة في أكثر من جريده أما الأخبار الخاصة بالمؤسسات الاقتصادية الحكومية فترد على شكل تصريحات لمسؤولين حكوميين أو من خلال وكالات الإنباء التي عادة ما يأتي منها أخبار اقتصادية ذات صبغة رسمية بحته مثل الإعلانات بتعيين مسؤولين في سوق المال أو انشأ مصرف الإنماء أو الإعلان عن تخصيص شركة حكومية كشركة الاتصالات .
8 / كان هناك طوال التغطيات والمتابعات لحركة سوق الأسهم ارتفاعاً وانخفاضاً استقطاب لعدد من الأكاديميين المتخصصين في الاقتصاد والذي يقدم عدد غير قليل منهم تحليلاته لسوق المال بأسلوب يغلب عليه الطابع العلمي غير الصحفي ، وهو ما قد يؤدي إلى بعض الصعوبات في الفهم من القارئ العادي والذي يشكلون الغالبية العظمى من قراء الصحف المحلية وتظهر الصعوبة على القارئ العادي عندما يقارن الكاتب الأكاديمي التحليل ببعض النظريات الاقتصادية أو ببعض المصطلحات الأجنبية ، والتي أظهر البحث كثرة استخدامها من بعض الأكاديميين الذين يتعاطون الكتابة في الصحف .
10 / تبين الدراسة أن هناك علاقة شبه وطيدة بين رجالات المال والإعمال في سوق الأسهم وفي البنوك وفي المؤسسات الاقتصادية الحكومية من جهة والقائمين على الملاحق والصفحات الاقتصادية من جهة أخرى ، وتبين الأرقام التي وردت عند سؤال عينة من الصحفيين الذين يكتبون في الشأن الاقتصادي عن مدى علاقتهم مع رجال المال والأعمال في القطاعين العام والخاص أن نحو 88 % منهم على تواصل دائم مع واحد على الأقل من رجال المال والأعمال .
11 / تبين أن عدد قليل جداً من الصحفيين المناط بهم العمل في متابعة الملاحق والصفحات الاقتصادية يحملون مؤهل في الاقتصاد إذ بلغ المتخصصين في الاقتصاد والذين يحملون شهادات جامعية في هذا التخصص 17 % فقط .
12 / بسؤال 20 شخصاً ممن تأثروا بشكل سلبي بأزمة الأسهم التي أشرنا لها آنفا وهي عينة عمديه عن علاقة خسائرهم في سوق الأسهم والقرارات التي اتخذوها بالبيع والشراء بما كانت تطرحه وسائل الإعلام والصحافة على وجه الخصوص أجاب أكثر من 50 % منهم بنعم إذ كانوا يقرءون تحليلات المتخصصين ويستمعون إليها ومن ثم يقررون ، أي أن قراراتهم تعتمد في نسبة كبيرة منها على وسائل الإعلام .
13 / بسؤال عينة هذه الدراسة حول مرائياتهم في حيادية المحللين من الأكاديميين وغير الأكاديميين الذين يظهرون في وسائل الإعلام تبين أن نسبة من يقول بحياديتهم لاتتجاوز 20 % أما 70 % فيرون أنهم غير حياديين وان تحليلاتهم تميل نحو شركات وبنوك يعملون معها مستشارين و عشرة في المائة لا يدرون .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
خالد محمد الجنابي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat