صفحة الكاتب : عماد يونس فغالي

تفوق الذهب
عماد يونس فغالي

 

توقّف الخوري أنطوان الدويهيّ، في غمرة انهماكاته التأليفيّة، يُعلن باقتناعٍ واندفاع: "وقالت الحكمة، سلسلةً تضمّ مجموعةً من العِبر والأمثال، والقصص الصغيرة والخواطر الطريفة والحِكم البليغة..." لتكون في متناول جميع الناس، يستقون منها ما يغذّي فكرَهم ونفسهم وروحهم..."
توقّف الخوري أنطوان، في غمرة انهماكاته الرعاويّة، عند ما يستوقف الناس ويهزّ مشاعرهم الإنسانيّة الدفينة، ويحرّك ضمائرَهم حيث تغفو أحيانًا على مبرّرات، اعتادوا على ظاهرها الواهيّ! الحكمةُ، كلّ الحكمة، أن تُخرج من واقع الناس زبَدَ معيوشهم، في صورةٍ تعكس حقيقةَ نفوسهم أمام مرآة الله!
وكتب الخوري أنطوان، ممارسًا البعدَ التعليميّ لرسالته الكهنوتيّة في مادّتها الأوّليّة: الكلمة. والكلمة متى تجلّت، قالت حكمةً "اعتُبر حوزُها واقتناؤها خيرًا من الذهب، وابتغاؤها يبلّغ الملكوت... واستخراجُها يفوق استخراج اللآلئ، وتجارتها مربحة تفوق الذهب".   
نحنُ أمام سلسلة احتوت الحكمة عبرةً ومثلاً وقصّةً، وزّعها المؤلّف موضوعاتيًّا على عشرة كتب، تناديك بإخراجها اللافت، وتَزيًّنها بالصور الفاتنة. كما يهتف لكَ حجمُها الصغير ودعوتها إلى "عبرة واحدة تكفي في اليوم". 
وإذا تشكّلَ كلّ كتابٍ موضوعًا محدَّدا، شدّكَ الموضوع بما له من مكانةٍ خاصّة في قلب كلّ واحد. أمَا تعنيكَ مقاربة الأب في ما يهدي أبناءَه من درّ الأمثولات، هو الذي إذا أعطى، راح في قدراته حدّ التضحية؟ أمَا تهمّكَ معالجة سرّ الأمومة، مكامنُ قوّتها ضعُفاتُ أحاسيسها؟ أليسَ في الأب والأمّ انكشافُ كينونة الله؟! 
وغوصٌ في ملكوت الله، اقترابه دعوةٌ إلى تحوّله كيانَنا البشريّ: "ملكوت الله في داخلكم". وإذا بُشِّرْنا بفرحٍ عظيم، قصصٌ ميلاديّة تُدخلنا في عمق الحدث التجسُّديّ! مواضيعُ حياتيّة أخرى تهديكَ عظمة الأمور الصغيرة، وتلفتكَ إلى قدرتها على إكباركَ وتقديس نفسك!
ولكلّ كتابٍ من السلسلة مقدّمة، بقلم المؤلّف نفسه، لا تُصعدُكَ متن الكتاب فحسب، بل تشكّل مدخلاً حكميًّا هي الأخرى، وعبرةً بحدِّ ذاتها، استند فيها على خبرةٍ شخصيّة، يكتشف من خلالها القارئ الدافع الأساسيّ لتوقّف الكاتب عند موضوع مؤلَّفه هذا!
ونوع السلسلة الأدبيّ سرد. اعتمد النمطُ السريّ في السلسلة الشخصيّات الإنسانيّة في الغالب، والحيوانات أحيانًا، في أحداثٍ واقعيّة في الغالب، وأقرب إليها أحيانًا، في أسلوبٍ إخباريّ يروح بكَ إلى تأمّل ما بعد الخاتمة. كما اعتمد الكاتب المكان والزمان المحدَّدين لمنظومته النصيّة، مركِّزًا على الفعل الماضي، فأكّد على حصول الأمر أو احتمال حصوله. ما يُعطي العبرة مصداقيّةً من جهة، وفعاليّة الأمثولة المرجوّ استقاؤها، من جهةٍ أخرى.
أمّا إذا سبرنا غور نيّات الخوري أنطوان في تقديم هذه السلسلة، وبالصورة التي فعل، يُطالعنا قصدُه في دفعنا إلى تكوين فكرٍ نقديّ لكلّ موقف نتّخذه أو تصرّف نُقدم عليه. فتصدر عنّا مبادرةٌ أكثر إنسانيّةً أو ردّةُ فعلٍ أحسن قيميًّا! قصده نموُّنا بطوليًّا بالفضيلة ما أمكننا ذلك! وفي هذا تقرُّبٌ من ذات الله. بقدر ما ننشد إنسانيّتَنا في حقيقتها، بقدر ما نقرب الله!
قال الكتاب: "رأس الحكمة مخافة الله". ورأسُ مخافة الله أن نعمل مشيئته، فنكون على صورته كمثاله. أن نكون أناسًا سالكين حسب قلب الله، وحسبُنا!
أبتِ أنطوان،
اسمحْ لي في ختام هذه العُجالة، أن أهنّئَ القارئ بهذه السلسلة التي تقدّمها له. سيُبحر في سفينة "وقالت الحكمة" ليتمتّع بالدرّ والنفائس، يقوده قبطان يميل به بين أمواجٍ عاتيات تارةً، ويطفو على مياه هادئة عذبة طورًا، همّه الوحيد أن يشطّطَ به هانئًا، في ميناء السعادة الدائمة.
                                                                                     عماد يونس فغالي  
   
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عماد يونس فغالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/07/27



كتابة تعليق لموضوع : تفوق الذهب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net