أزعجني اتّصال والدي الهاتفيّ عصرَ ذلك السبت، يُبلغُني فيه ارتحال "رامز نحّاس"! وفي طريقي إلى لقاء الوالد، حضرني "عمّو رامز" في شريط لقاءات وعلاقات لم يتوقّف!
وحضرتني في تذكّراتي هذه، مواقف الرجل. هي مواقف رجليّة بامتياز! مواقف العارف ماذا يريد، والمدرك نقطةَ الوصول! وفي كل هذا، تهيمن صورة الصديق الوفيّ، بل صورة الإنسان المحبّ. ولا يُمكنني تصوّر "عمّو رامز" الجمركيّ، بامتياز، صاحب القرارات الصعبة والتواصليّ القاسي، إلاّ مُحبًّا، صاحبَ القلب الكبير والعطاء الوافر. وهو متى أحبّ، فتح ذاته فالشًا عنديّاته لأجل الآخر!
أحبّ الحياة، أحبّها بملئها. وراح فيها تعمّقًا حتى انكشفت له مفاصلها زواجًا وأبوّةً وحاجاتٍ عائليّة وعلائقيّة! راح يبحث عن طبيعة الإنسان في حقيقته الإنسانيّة، فكان تعاطيه مع أخصّائه أوّلاً، ملؤه التجاوب مع واقعهم وتلبية دفائنهم اللاواعية أحيانًا. ما ملّكه مكانًا خاصًّا عندهم لا يُستغنى عنه! عائلته هي الأغلى. لها كلّ شيء. لها ذاته بكليّتها. أمامها هو الرجل، وهو الكبير. لأجلها هو رجلٌ وكبير!
يوم رحيله، كانت حلقةٌ تنكسر في جمع أحباب وربط زملاء! فهو إلى الزمالة وعلاقة العمل، نديم ارتشاف ورفيق سمَر. وفي هذا أبدع. نقطة القوّة عنده وصال الأتراب!
من ناحية أخرى، عرفتُه يقدّر الطاقات الخاصّة عند الآخر، ويحفظ جميل من يؤدّي له خدمة. لا يهتف تملّقًا لأحد، ولا يُحابي الوجوه. فهو إذا وثق، اقترب، وإلاّ يتلافى المواجهة. يُعطي نفسه الموقعَ الذي له، يلامس الكبرياءَ دون التكبّر. حسبُه يدركُ موقفَه من هو في القدْر نفسه.
في ضعفاته وآلامه، بقيت صورة الحبيب يقابل فيها الغوالي. يواجه تكسّراته الجسديّة بنفسيّة الأبطال. يجابه المرض بإرادة عيشٍ تحطّم التفلّتات والتداعيات. ويضحك! يرمي النكات صائبًا حاله وحالته، ويُصارع! يؤاسي المتحسّرين عليه بعزيمة الأصحّاء، ويعدهم بالمستقبل وهو يبتعد!
وفي بالي أنّه لم يغِب. أقول هذا وأنا على بُعد سنةٍ قبل رحيله، وموعد لقائنا مبتور. وفي ظنّي الداخليّ أنّه سيتواصل. لأنّ رامز ركنٌ أساس في تعرُّفي والدي حيث لا يعرفه إلاّ الأصدقاء. مَن حلّوا في أولويّات حياته، وسبَروا أغوار نفسه الدفينة!
عماد يونس فغالي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat