أبي والطبيب الامريكي الجشع
عباس العزاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كان أبي رجل قوي يتفجّر رجولة وحيويّة, كنت اعتقده ـ ربما لانه ابي ـ اقوى رجل في العالم ... لكن بغفلة منّا والزمن, اصابه داء عضال استفحل في جسده بمرور الزمن وتمكن من كل مفاصله واطرافه..... رجل كبير هيمن عليه سرطان انتشاري خبيث لاعلاج له ..... ونحن ابنائه البسطاء الفقراء والمغلوبين على امرنا ..... نَئنُّ معه ونبكي لشكواه وآهاته المستمرة رغم انه لم يكن كريماً معنا طوال حياته لكننا نحبه .......نعم نحبه دون شروط.
نصارع اليأس ونصبر ونحتسب ....رافعين ايدينا بالدعاء والتضرع للباري كي يشفيه من علّته.. منشغلين به طوال الوقت نبحث عن دواء فعّال ينقذه من مصيره المحتوم... لكن دون جدوى.
للاسف لم نحض بجرّاح عراقي ماهر! ولا طبيب متمرس واحد ! يخلصه ويخلصنا من براثن الغول السرطاني الذي التهم كل شي فيه وشلّ كل اعضاءه ولم يتبق منه.. الا روحاً عصية على الموت والالم, روح مازالت تشع من بقايا ضوء لامع في عينيه الساحرتين.. بعد ان ضاقت بنا السُبل توجهت ابصارنا الى خارج الحدود الى حكيم عربي او حتى اجنبي يشخّص علتنا!.. وينقذ أبانا.
قال احدهم .... لافائدة ترتجى من هذا الجسد الهرم ,لانكم كنتم السبب الرئيسي للمرض تركتموه منذ البداية دون علاج ربما لجهلكم بخطورة المرض او لجبنكم وخشيتكم من تشخيص الخلل ومواجهته وبذلك استقوى هذا الغول المتعجرف على الجسد ...ولا حل لديكم الا الصبر والدعاء .....ربما يزول البلاء ......ونحن نردد بلوعة حارقة في نفوسنا... يالله... يالله ...خلصنا يالله.
وقال بعضهم ممن يفلسفون كل شي ويجيدون الحديث المنمق اكثر مما يجيدون التفكير السليم يعني بالعراقي الفصيح " خوش ايصفطون حجي" قالوا ..... تصالحوا معه ... وتقبلوه ـ اي المرض ـ فهو قدركم وقدر ابيكم لتعيشون او تموتون بأمان وقد تجدون من يبكي عليه وعليكم... وربما تحضون بشواهد جميلة وانيقة لقبوركم..!!
اللكل تخلى عنّا اذن ,اهل الدار والجوار.......... علمائنا واطبائنا ومفكرينا ومثقفينا ... الجميع عجزوا عن توفير حل ناجع لداءنا او ايجاد مخرج لحبيبنا من محنته الطويلة...
سقطت اطرافه تباعاً وماتت حواسه, وبات مستسلماً لمصيره ولم يعد قادراً على فعل أيِّ شئ .... ولم يبق منه الا ذلك الضوء ... الامل.
سكتت شفاهنا عن الدعاء الغير مستجاب لان الاستجابة مشروطة كما يقولون ونحن لانعرف شروطها او ربما لانتقن تجسيدها... حتى جاء من بعيد طبيبٌ صهيوني امريكي جشع ووضع شروطاُ للانقاذ بعد يأسنا...واحباطنا..... وفشلنا .....وخوفنا...... وانزوائنا.... وتسليمنا للامر الواقع , جاء هذا الخبير الصهيوني الامريكي الجشع ليحدد بوضوح تكاليف العلاج الباهضة.....على ان يحضر كادره الطبي معه بكل معداته والياته العملاقة لاتخاذ الاجراءات الازمة للخلاص...
ولا خيار لمن لايمتلك القرار...
وصل حسب الموعد المحدد وبدافع الانسانية والامانة العلمية كما أدعى .... وشرّع يطارد الخلايا السرطانية في كل اركان وزوايا الجسم النحيل المُستلب ويقضي عليها تباعاً بعقاقيره الفتّاكه والخطيرة ..... ونحن نرى ونشهد ذلك بأعيننا هذه الحرفية العالية في قتل الجراثيم والامراض والخلايا الفاسدة والقدرة المتميزة على تفكيكها الواحدة تلو الاخرى.... بعد ان دُمرت وحوصرت الفايروسات الكبيرة القذرة ...... ولم نكن نعرف من قبل مقدار ضعف وجبن هذه الكائنات اللعينة !!!
بدأت تختفي تباعاً هذه الاشكال الكريهة والبشعة لتعود من حيث اتت .... الى جحورها واماكنها الطبيعية التي انطلقت منها وهذا الصهيوني الامريكي الجشع يقف كالملاك المرسل من السماء بعيون الضعفاء والبائسين اليائسين طبعا... وليس بعيون الجراثيم الحقيرة الهاربة...
وطفق ينشر النور في ظلمات الجسد المنخور منذ سنين.......وبدات الآلام تنحسر بصورة كبيرة وواضحة وراح السواد يتقهقر مذموماً مدحوراً... امام المصّل الصهيوني الامريكي المستورد ..
شُفي ابونا واسترد عافيته تدريجياً , وبدات اطرافه تستعيد حيويتها ونشاطها المعهود واشرق وجهه الملائكي من جديد ليحتضن ابناءه فرحاً بشفاءه وعودته من رحلة الخوف والموت والانكسار, رأيته يبتسم ........آه كم احب ابي عندما يبتسم ....... وكم اعشق حضنه الذي يمنحني الدافئ والثبات .... أولاده يرقصون بفرح هستيري غير منقطع , انهم يحتفون به كالمجانين !.. ذهب البعض المتشائم منهم الى اعتبار ان هذا الشفاء ربما كاذب والذي يسبق الموت...فباشروا تذمرهم الاحترازي من النتائج الكارثية المفترضة!!
عاد ابي..... عاد بفضل الاخرين الغرباء (الجشعين) وليس اخوتي المحتالين منهم والابرياء... ولا بفضل العرافات في المنطقة ولا بمساعدة القبائل البدوية المجاورة لنا....اختلفنا في علتّه وافترقنا على وجودها....لكن كيف عاد وباي ثمن ؟.... لاارغب بالحديث عن ذلك لان الحوار دائما يصل الى نتيجة مقنعة لاحد الاطراف في كل العالم باستثاء الحوارت الشرقية تصل الى منطق مغاير ومضطرب وتؤدي الى لغة الرصاص والمفخخات والحوارات المُلغمة جهلاً وغباءاً
من يرفض ان يُعالج حبيبه وصنّو روحه من داءِ حطّم جسده ودمر حياته وكاد ان يقضي عليه تماماً..؟ ومن كان يمتلك البديل؟.... حتى يتبجح الان بالحلول الافضل والادوية المحلية والاقليمية والاعشاب والطرق الشعبية والشعوذة وغيرها ... وماأيسر الحلول النظرية !!.
نعم الطيبب المُعالج لم يكن ودوداً اثناء العملية, نعترف بذلك... فالمهمة لم تكن باليسيرة... وتبعاتها من اورام والتهابات وانتكاسات واخفاقات وآلام مازالت مستمرة تعتصر قلب ابي المسكين ... لكنه حيّ .... حيٌّ يرزق.... ولنا أمل كبير الان بعودته التامة وانتصابه مرة اخرى كالجبل العظيم ليظلل قلوبنا ...ونفوسنا.. واكواخنا الفقيرة بأمان ودفئ ناعم ... دفئ جميل لانجده في اي مكان اخر في العالم... واعترف ايضا ان تكاليف العملية لم تكن بسيطة ابداً... والخسائر لم تكن قليلة لكنها بالتاكيد لن تكون اكبر وافدح فيما لو استمر الالم او مات ابونا ...... ؟
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
عباس العزاوي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat