صفحة الكاتب : د . عبد الخالق حسين

حول الرواتب التقاعدية الفاحشة للبرلمانيين
د . عبد الخالق حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

 العراق بلد الغرائب والعجائب، ومن هذه الغرائب غياب العدالة في توزيع الثروة بين أبناء شعبه، وأوضح مثال على ذلك هو التمييز الجائر في الرواتب التقاعدية بين أصحاب المناصب السياسية وغير السياسية. فالسياسيون على مختلف مواقعهم (مجلس الرئاسة، مجلس الوزراء، أعضاء البرلمان، وأعضاء مجالس الحكومات المحلية)، يتمتعون برواتب خيالية ضخمة إثناء الخدمة، تتراوح ما بين عشرة ملايين وعشرين مليون دينار شهرياً، لا تتناسب إطلاقاً مع ما يقدمونه من خدمات للشعب، مقارنة بفئات أخرى من العاملين في مؤسسات الدولة من عمال وموظفين في مختلف المجالات والدرجات. 
 
وعند التقاعد يكون الراتب التقاعدي للسياسيين يعادل 80% من رواتبهم إثناء الخدمة، أي في حدود 8 - 16 مليون دينار شهرياً على الأقل، بغض النظر عن مدة خدمتهم حتى ولو كانت أسبوعاً واحداً!. وهذا النظام فريد من نوعه، لا مثيل له في جميع أنحاء العالم. والأسوأ من ذلك، أن هناك عدد غير قليل من النواب لم يحضروا جلسات البرلمان أصلاً، ومنهم على سبيل المثال السيد أياد علاوي، رئيس كتلة العراقية، الذي لم يحضر جلسات هذه الدورة أكثر من مرتين. كذلك هناك عدد غير قليل من النواب يتسكعون في شوارع عمان/الأردن، ويتمتعون برواتب خيالية وامتيازات ضخمة مقابل لا شيء، أو القيام يأعمال التخريب والتآمر على العراق، إذ هناك وزراء ونواب شاركوا في الإرهاب مثل رافع العيساوي، وعدنان الدليمي، ومحمد الدايني، وطارق الهاشمي وقريبه أسعد الهاشمي، وغيرهم كثيرون، تدفع لهم الدولة رواتب خيالية لقاء ما يقومون به من إرهاب. 
 
لذلك، فمن حق الناس أن يسألوا لماذا يتمتع البرلمانيون بكل هذه الامتيازات دون أي استحقاق، خاصة وقد تسببوا في عرقلة المصادقة على الكثير من القوانين ومنها قانون الموازنة لهذا العام (2013 ) الذي تأخر لعدة أشهر، وهذا التأخير كلف الشعب العراقي نحو 25 مليون دولار يومياً (راجع مقالنا: غيابهم أفضل من حضورهم)( رابط رقم 1). هذه التصرفات، والامتيازات أدت إلى جلب نقمة الشعب عليهم والإساءة إلى سمعتهم وسمعة السياسة، ليس في العراق فحسب، بل وصل سوء سمعتهم إلى القارات الخمس، حيث كتبت صحيفة (الديلي ميل) البريطانية قبل عامين تقريراً بعنوان: (السياسيون العراقيون يكلفون البلد ألف دولار كل دقيقة..) جاء فيه: "أن الساسة العراقيين يحصلون على ألف دولار للدقيقة الواحدة من دون أن يضعوا ‏قانونا واحدا يهم البلد، ويسكنون مجانا في أرقى فنادق بغداد‎.‎.. وحصلوا على رسوم بمقدار 90000 دولار، وراتب شهري قدره 22500 دولار، وسكنوا أرقى ‏فنادق بغداد، وبعد الاستقالة يحصلون على 80 في المائة من رواتبهم الشهرية مدى الحياة، ويسمح لهم ‏بالاحتفاظ بجوازاتهم وجوازات عائلاتهم الدبلوماسية، في حين يفتقر البسطاء إلى الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء." (الرابطان رقم 2 و3)
وهذا لا يعني أن جميع البرلمانيين سيئون، إذ لا بد وأن يكون من بينهم أعضاء شرفاء مخلصون للشعب، خاصة وإن استنكار الرواتب الفاحشة جاء من عضو برلماني، وهي النائبة الشجاعة الدكتورة حنان الفتلاوي التي قدمت اقتراحاً باسم كتلتها (دولة القانون) بإلغاء الرواتب التقاعدية للبرلمانيين. إذ أفادت الأنباء "أن ائتلاف دولة القانون، قدم الثلاثاء، 18 يونيو/ حزيران 2013 اقتراحاً للبرلمان يقضي بإلغاء الرواتب التقاعدية لأعضائه، وأعضاء مجالس المحافظات،.. وقالت النائبة عن الائتلاف حنان الفتلاوي في مؤتمر صحافي عقده في مبنى البرلمان ان "هذه الرواتب تكلف موازنة الدولة أكثر من 100 مليار دينار سنويا". داعية هيئة رئاسة البرلمان إلى "التعامل مع المقترح بشكل جدي لأنه مطلب شعبي ولا يخص نائباً أو كتلة".(رابط رقم 3)  
 
والجدير بالذكر أن هذا الاقتراح تلقى ترحيباً شعبياً واسعاً، حيث قامت جماعة من المثقفين بحملة تواقيع لتأييد الحملة الوطنية لإلغاء تقاعد البرلمانيين، نُشِرت على موقع (الحوار المتمدن) (رابط رقم 4). و خلال ساعات قليلة من نشر نداء الحملة بلغ عدد الموقعين عليه أكثر من الفين. وهذا دليل على مدى تذمر وسخط الشعب على السياسيين من الامتيازات التي يتمتعون بها دون استحقاق، خاصة وهناك الملايين من والعاطلين عن العمل والفقراء والأرامل والأيتام والمعوقين بسبب الحروب العبثية التي شنها النظام الساقط، وإرهاب أيتامه بعد سقوطه. رابط النداء في الهامش(رابط رقم 5).
 
لنكون واقعيين، اعتقد أن إلغاء الراتب التقاعدي كلياُ غير ممكن، إذ لا بد للمتقاعد من راتب تقاعدي يعيش عليه في حالة تقاعده لأي سبب، لعجزه عن العمل بسبب العمر أو المرض، أو لعطل جسمي من أي نوع، إلا إذا كان له مصدر آخر للرزق كأن يكون صاحب تجارة أو حرفة ومازال في عمر وصحة يسمحان له بمزاولة العمل، مثل، الأطباء والمهندسين وغيرهم من أصحاب المهن.
 
لا أعرف شيئاً عن قانون تقاعد العمال والموظفين في العراق، ولكني أعرف أن هناك قانوناً ظالماً يمنح السياسيين، (وزراء ونواب وأعضاء مجالس الحكومات المحلية)، راتب تقاعدي يعادل 80% من راتبهم إثناء الخدمة حتى ولو كانت مدة خدمتهم لا تتجاوز الأسبوع الواحد كما ذكرنا آنفاً. وهذا ظلم فاحش مقارنة بفئات العاملين الآخرين في مؤسسات الدولة مثل العمال والموظفين. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أعرف أستاذاً في الطب، له من الخدمة 45 سنة، منها 15 سنة في الجيش، و30 سنة كأستاذ في الكليات الطبية العراقية، تخرج على يديه آلاف الأطباء، اضطر أن يهاجر إلى بريطانيا في التسعينات والعمل فيها كطبيب استشاري. وبعد سقوط حكم البعث قدم طلباً للدوائر المختصة في العراق للتقاعد، فلم يستجاب لطلبه بحجج واهية وسخيفة، وهو الآن تجاوز الثمانين، يعيش على راتبه التقاعدي من عمله في بريطانيا. كذلك أعرف أساتذة جامعيين متقاعدين في العراق خدموا عشرات السنين، راتبهم التقاعدي أقل من 10% من الراتب التقاعدي للنائب البرلماني بغض النظر عن مدة خدمته حتى ولو كانت لأسابيع. 
 
وبناءً على ما تقدم، اقترح تخفيض الراتب التقاعدي ليس للنواب فحسب، بل ولجميع الوزراء والمدراء العامين، وأعضاء مجالس المحافظات والأقضية والنواحي وغيرهم، وفق قانون منصف يحدد رواتب السياسيين بما يتناسب مع مدة الخدمة وغلاء المعيشة أسوة ببقية العاملين في الدولة العراقية من غير السياسيين. ولتحقيق ذلك، أقترح سن قانون عادل للتقاعد، والاستفادة من القوانين المعمول بها في هذا الخصوص في البلدان الديمقراطية المتحضرة، مثل بريطانيا وغيرها بحيث يتناسب الراتب التقاعدي مع مدة الخدمة. ففي بريطانيا، يحدد راتب المتقاعد وفق المعادلة التالية: 
مجموع الرواتب للسنة الأخيرة من الخدمة، يقسم على 80، ويضرب الناتج في عدد سنوات الخدمة، يساوي الراتب التقاعدي السنوي. مثلاً إذا كان راتب الموظف للسنة الأخيرة من الخدمة 60 ألف جنيه، ومدة الخدمة في الدولة أو أية مؤسسة 30 سنة، يحسب راتبه التقاعدي كالتالي:
60000 ÷ 80=  750
750 ×  30 (عدد سنوات الخدمة) = 22500 جنيه الراتب التقاعدي السنوي
22500 ÷ 12= 1875 جنيه الراتب الشهري
ويلحقه راتب تقاعدي آخر من الدولة عندما يبلغ المواطن الخامسة والستين من العمر، يسمى بـ (State pension) يعتمد على ما دفعه للضمان الاجتماعي الوطني (National Insurance) إثناء الخدمة، لا يتجاوز هذا الراتب الـ 150 جنيهاً في الأسبوع. 
 
أعتقد أن هذا القانون عادل، ويستحق الاستفادة منه في العراق. أما معاملة العراقيين بقوانين مختلفة، بمنح السياسيين امتيازات خاصة لا يستحقونها، فهذا نوع من التمييز لا يختلف عن التمييز العنصري والطائفي، يثير نقمة الشعب عليهم. ونحن نريد من السياسيين أن لا يستغلوا مناصبهم لمكاسب وامتيازات شخصية، ففي الأنظمة الديمقراطية، السياسيون هم خدام الشعب وليسوا أسياده. 
 
إن العراق يحتاج إلى إعمار ما خربه البعث لعشرات السنين، وإيجاد وظائف للعاطلين لكي يحموا الشباب من السقوط في براثن تنظيمات الإرهابيين، وهو بلد غني يطفو على بحر من النفط، وكل ما يحتاجه هو إلى سياسيين مخلصين، يعملون على استثمار ثرواته المحدودة بعقلانية وعلم وحرص دون التفريط بها، وليس إلى تحويل هذه الثروات إلى رواتب خيالية لجيش عرمرم من المتقاعدين السياسيين، من وزراء ونواب وأعضاء مجالس المحافظات والأقضية والنواحي. فمنح هؤلاء امتيازات خاصة ظلم فاحش يثير نقمة الشعب عليهم، وله عواقب وخيمة على الجميع، إذ كما يقول المثل: الظلم لو دام دمر، يحرق اليابس والأخضر. 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رابط ذات علاقة
1- عبدالخالق حسين: غيابهم أفضل من حضورهم
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=577
 
2- نشطاء عراقيون يطلقون حملات مدنية لإلغاء قانون تقاعد البرلمانيين
http://www.akhbaar.org/home/2013/6/149395.html
 
3- How Iraqi politicians get paid $1,000 a minute, don't make laws and live it up for free at Baghdad's finest hotel.  MailOnline
 http://www.dailymail.co.uk/news/article-1325597/How-Iraqi-politicians-paid-1k-minute-live-free-Baghdad.html#ixzz1EOPy4Rds
 
4- دولة القانون يقدم اقتراحا للبرلمان يقضي بإلغاء الرواتب التقاعدية لأعضائه
http://www.akhbaar.org/home/2013/6/149112.html
 
5- حملة تواقيع لتأييد الحملة الوطنية لالغاء تقاعد البرلمانيين
http://www.ahewar.org/camp/i.asp?id=400
 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الخالق حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/06/27



كتابة تعليق لموضوع : حول الرواتب التقاعدية الفاحشة للبرلمانيين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : عبدالخالق حسين ، في 2013/06/28 .

جزيل الشكر على التعليق القيم والمؤلم في نفس الوقت. في الحقيقة، هذه هي محنة شعبنا في كل زمان، فالشرفاء هم دائماً يعانون وفي كل العهود... والمنافقون الانتهازيون المتزلفون هم دائماً مستفيدين من جميع العهود لأنهم يعرفون من أين تؤكل الكتف. المشكلة أن معظم الناس يرفضون الاعتراف بحقيقة مفادها أن هؤلاء النواب أنتخبهم الشعب، لذلك فهم يمثلون معدل العقل الجمعي للشعب، فلو جاء غيرهم لسلكوا نفس السلوك، فالنواب وغيرهم من المسؤولين في الدولة هم إنعكاس للشعب العراقي. وما يجري في العراق هو طبقاً للحكمة (كما تكونوا يولى عليكم). ولكني في نفس الوقت أعتقد أن الديمقراطية ورغم مشاكلها تحمل معها علاجها، ولكن هذا العلاج يستغرق وقت، فما تحقق في الغرب خلال 400 سنة لا يمكن تحقيقه في العراق خلال عشر سنوات، لذلك يمكن أن يأخذ بعض الوقت حتى ولو 40 سنة.
مع الشكر ثانية


• (2) - كتب : إيزابيل بنيامين ماما آشوري ، في 2013/06/28 .

أخي الطيب عبد الخالق حسين شكرا لك على هذا المقال الموضوعي الذي وضعت فيه النقاط على الحروف .
شاب عراقي وقع اسيرا في إيران عام 1982 وفي سنة 2003 عاد للعراق محطما مهدما فقد شبابه ويعاني من فقدان للذاكرة . لا يملك في العراق من شمالة إلى جنوبة سوى قطعة ارض من بها صدام على المفقودين والاسرى . بنى فيها كوخا ووضع سريرا واشترى (( جولة)) للطبخ . قدم معاملة تقاعد سنة 2003 وحتى سنة 2013 ولم تنتهي هذه المعاملة . سمع بإسم بنت اسمها إيزابيل وسمع ان في صفحتها الكثير من المسؤولين العراقيين وبرلمانيين وغيرهم ، فكتب لي يستعطفني ان اتدخل . فماذا افعل للمسكين الذي يقول لي ويُقسم على ذلك : في الصباح اخرج من بيتي فاسافر إلى مدينة من مدن العراق وهناك اجلس استجدي المارة ، وفي الغروب اعود لبيتي وانا مشبّع بالتراب والدخال وملابسي عليها مثل الملح من العرق فاغتسل بالماء البارد . ثم ارمي بنفسي على السرير .. يقول : انا اعلم أن راتبي التقاعدي سوف يكون 250 ألف دينار وهو ثمن قضائي اكثر من 30 عاما من الخدمة في هذا البلد . يقول هذا الأخ بأنه في كل زيارة لحرم علي بن ابي طالب سيد العدالة الانسانية يرمي ورقة في شباكه : يكتب فيها جملة واحدة : (( هل تقبل ، وإلى متى حلمك )) .
كتب لي يوم أمس يقول : ماذا اجابوك ؟ فقلت له : لم يجيبوني لأنهم مشغولين بالدفاع عن رواتبهم التقاعدية التي يطالب الشعب بالغائها .
هذه حالة واحدة من ألوف الحالات التي يعاني منها المتقاعدون .
شكرا لك اخي الفاضل واتمنى الاستمرار في دعم هذه الشريحة المحرومة , ولكم من الرب الاجر على ذلك .




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net