صفحة الكاتب : صالح الطائي

صحوة الجماهير العربية والفتاوى المزاجية
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أن تنصب نفسك مفتيا يعني أن تتبوأ لك مقعدا من النار لا يمكن أن تحيد عنه إلا إذا ما كنت مستقيما بلا أدنى زيغ أو ميل حتى ولو كان ميل هوى وعاطفة، أما إذا ما كنت شبيها بالبندول تأخذك الأماني وتأتي بك الرغبات، وتحكم بالكيف وتفتي بالهفوات، فلن تحيد عن معاقرة هذا المقعد بديلا، ولن تنفعك أعطيات أولي الأمر وأهل الفتنة والشر فتيلا. فالدين قانون ليس به اعوجاج ولا يستجيب لرغبات المزاج. وقد ورد في الأخبار أن الإمام أبو حنيفة النعمان على جليل قدره وغزارة علمه بالفتوى والتشريع قال عن السنتين اللتين قضاهما تلميذا عند الإمام جعفر الصادق: (لولا السنتان لهلك النعمان) أي لولا العلم الذي حصلته في السنتين التي كنت فيها تلميذا للإمام الصادق لأهلكتني الفتوى.
والظاهر أن رجال الإفتاء المعاصرين الذين لم يعثروا على شبيه للإمام الصادق لكي يتتلمذون على يديه أيقنوا بالهلاك بلا أدنى شك ولذا باتوا يصدرون فتاواهم على الكيف والمزاج دونما خجل أو إحراج، وقد فشي هذا الهم بين صغار رجال الإفتاء وكبارهم حتى عدنا لا نعرف كبيرهم من صغيرهم، ولم يعد حكرا على الرجال وإنما أصبح متاحا للنساء اللواتي نصبن أنفسهم ولاة لأمور المسلمين غير ملتفتات إلى قول رسول الله (ص): (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فأصبح من حق المرأة أن تتولى أمر الفتوى لا لبنات جنسها فحسب بل لكل مقلديها من الجنسين.
في الفتاوى النسائية أصدرت الشيخة " الدَّاعية أم أنس، على موقعها الإليكتروني، فتوى بعنوان (تنبيه إلى حرمة الكراسي وما شابهها من مقاعد وأرائك) حرمت بموجبها جلوس الفتيات على الكراسي تحريما قطعيا، وفي الفتاوى الرجالية أصدر أحدهم فتوى بقتل الفأر الكارتوني "ميكي ماوس" لأنه كافر، وأصدر الثاني فتوى بحلية رضاعة الكبير وزميل العمل، وغيرها من الفتاوى التي تقشعر منها الأبدان وتشيب من هولها الولدان.
وإن كان هذا النوع من الفتاوى قد وضع الدين في موضع السخرية والطعن فهناك فتاوى أخرى وضعت المسلمين كلهم تحت رحمة بطش التطرف والإرهاب، وحرمت عليهم قتال الطغاة ومنعتهم من الثورة على المفسدين، وهي النوع الأخطر من الفتاوى.
وقبل الحديث عنها أريد تذكيركم بالكم الكبير من الفتاوى التي أصدرها المفتون زرافات ووحدانا تجيز للإرهابي المجرم أن يفجر الأبرياء ويدمر البنى التحتية ويقتل الأطفال والنساء لكي يعرقل عمل الحكومات، بتأكيدها على صحة وجهادية عملة بقولها (إن الأبرياء الذين يقتلون بمثل هذه العمليات يبعثون على نياتهم ولا ذنب يترتب على من قتلهم)
ولو كانت مثل هذه الفتاوى قاعدة تطبق في جميع الحالات لقلنا أن منظومة فكر وعقيدة المفتي هي التي تلزمه بمثل هذا النوع من الفتاوى المتطرفة، لكن أن ينبري نفس رجال الإفتاء الذي شرعنوا أعمال الإرهابيين لإدانة أعمال الشباب العرب الذين أذلتهم سياسات حكامهم فآثروا الموت حرقا لتثوير الشوارع ضد الطغاة فذاك يدل بالتأكيد وبما لا يقبل النقاش أن هؤلاء الإفتائيين أحجار على رقعة الشطرنج تحركهم أوامر الشيطان الأكبر والشياطين الطغاة الصغار لتخنيع الأمة وتدميرها.
وفي العودة إلى الوراء نجد أن مجاميع من الإفتائيين العرب منهم (عبد العزيز آل الشيخ) أفتوا بحلية الأعمال الإرهابية بكل الطرائق المتاحة بما فيها تفجير الجوامع والمساجد والحسينيات والأسواق ومدارس ورياض الأطفال، وتدمير شبكات الماء والكهرباء والطرق وقتل الحيوانات وحرق البساتين المثمرة وجواز زرع المخدرات وبيعها وخطف الأبرياء وتعذيبهم لتمويل العمليات الإجرامية.
أما اليوم وبعد أن ثارت جماهير الأمة على أصنامها وقررت تحطيم جبروتهم فإنهم يبحثون في بطون الكتب الصفراء علهم يجدون ما يعينهم على إطفاء جذوة الثورة العربية الظافرة ضد أولي نعمتهم ومصادر رزقهم، متعللين بالشريعة وناسين دعواتهم الإجرامية (الجهادية) السابقة حيث انبرى مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ للإفتاء بتحريم قتل النفس حرقا داعيا المسلمين إلى "الصبر والاحتساب" وأضاف في محاضرة ألقاها في الرياض "ان احراق وقتل النفس من كبائر الذنوب وهو اقدام على شر، بل على المرء الصبر والاحتساب".كما ذكر بان قتل النفس بالحرق "جريمة نكرة ومصيبة عظمى لا يجوز انتشارها بين المسلمين ولا ينبغي للمسلم اللجوء لمثل هذا العمل الذي يعد انتحارا، وهو من الجرائم النكرة، وهذه الأعمال تشوه صورة المسلمين، وعلى المسلم التحمل والصبر"
نعم نحن لا نقر جريمة الانتحار ولا نجيزها ولا نفتي بحليتها ولأي سبب كان، ولكننا نؤكد أن الجماهير الغاضبة التي خرجت لإسقاط الطغاة هم مجاهدون حقيقيون ومن يسقط منهم مقتولا فهو شهيد لأنه يدافع عن الحق وعن المظلومين، وأن حالات حرق النفس التي وقعت في بعض البلدان العربية ـ مع حرمتها الشرعية ـ أنتجت ثورة جماهيرية أطاحت بعرش طاغية تونس وأشعلت النار بعرش طاغية مصر وزعزعت أركان عروش طغاة أخرى بات يومها أقرب للرحيل من رحيل ليل الظلم والقهر.
لكن لماذا يذكر الإفتائيون نصف الحقيقة ويخفون نصفها الآخر، نصفها الأكثر إشراقا، نصفها الواعد؟ لماذا يدينون عمليات الحرق لتثوير الأمة ولا يبينوا للثوار باقي الطرائق التي يبيحها الإسلام ويحث عليها؟ بل لماذا يدعون الجماهير إلى الصبر والاحتساب والسكوت؟ أليس ذلك معناه الدفاع عن الطغاة ومنع الجماهير من الثورة عليهم؟
إن الجماهير في العراق وتونس ومصر واليمن والمغرب والأردن والسعودية وجزيرة العرب والخليج العربي والكويت أكثر إيمانا من هؤلاء الإفتائيين، وهي إن كانت قد انخدعت بهم من قبل فإن لعبتهم لم تعد تنطلي على أحد وفتاواهم النارية لن تجد أذنا تصغي لها، ومن الخير لهم أن يقولوا خيرا أو يكرمونا بسكوتهم ويدعوا الجماهير تشرعن أعمال الثورة وفق هواها وقانونها، فلم يعد للصبر والتحمل والاحتساب من مكان، والإسلام حثنا على مقارعة الظلم وعدم الركون للظالمين وأمرنا باستخدام اليد أولا، ثم اللسان والقلب وليس القلب وحده، بل إنه جعل جهاد القلب أضعف الإيمان. أما رجال الفتوى فيريدون من الجماهير أن تقفل على أيديها وألسنتها وقلوبها وتتحمل وتحتسب، فهل يجوز شرعا مثل هذا التخنيع؟

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/02/06



كتابة تعليق لموضوع : صحوة الجماهير العربية والفتاوى المزاجية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : بنت السعوديه ، في 2012/04/18 .

نسيت سوريا ربما سقطت سهوا




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net