صفحة الكاتب : عبد الامير جاووش

الامامية الاثنا عشرية
عبد الامير جاووش

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 تتزامن ظاهرة المجتمع مع ظهور الذكاء البشري الانساني , ولكن بسبب تفاوت مستوى الذكاء الفردي , واختلاف طريقة ايجاد الحلول للمشاكل بما يحقق المصلحة الخاصة , كان لابد من وجود ضوابط عامة تحمي الذكاء الاجتماعي . وبذلك تتحدد مهام الدولة كفكرة تستهدف حماية الافراد ومصالحهم العامة , عن طريق انماء الذكاء وتطوير المعرفة الجماعية بمراعاة الشؤون الحيوية .
والفرض الاساسي هو المساواة التي تعني اهمية كل العناصر التي يتألف منها المجتمع , و الحفاظ على الاسس اللازمة لحرية الفرد والحق في تقرير المصير , واشراك الجميع في الادارة لكل حسب امكانياته وكفاءته وموقعه , وبعمل الجهاز الاعلى - الحكومة - على تنفيذ المقررات العامة بأقل ضرر لأي فرد , والهادفة للحفاظ على السلامة وتطوير الذكاء العام , ولا يحدد تلك المصالح الا المعرفة العلمية والى حد مقبول .
نحن - البشر - لا يمكن ان نقرر غير ما نعرف ونعلم في حدود محيط معين , اما الكلام حول حقائق مطلقة فهو محض غرور اجوف . لذلك فأن عظمة الاسلام لا تنحصر في الطريقة العقلية للتفكير والفهم الواقعي فحسب , بل انه يحقق التفوق العلمي في صحة كل النتائج التي تترتب عن النظرية الكلية للوحي المقدس . ثم لا تتوقف فائدته على فئة معينة تسعى الى اهداف روحية فقط , ولكنها مدد لأي مستنير يبحث عن هدايته في الكتاب الحكيم . واذا اعتمدنا على وجود شخصية بلغت من العصمة في تفكيرها ومقصدها واجتهادها مثل النبي الاعظم صلى الله عليه واله وسلم , فأن التحدي للآخرين بتقديم الافضل لازال قائما , ويظل النموذج المحمدي هو الاروع عمليا للحياة , بمعناها الدنيوي او بالتصور الاوسع الذي يشمل مستقبل ما بعد الحياة .
ولا ننسى ان الوعي المحمدي المؤمن لايقتصر على الناحية الشكلية او العاطفة نحو التجليات , بل هو مفهوم كلي متكامل يستوعب الدراية الانسانية والطبيعية للكون الكبير والعوالم المتعددة , والذي يكفل اقامة حضارة متميزة , بل واكثر من ذلك يؤسس لتواصل الحضارات ويمنع الصراع بينها بتخطيط مسبق .
والامامية الاثناعشرية اذ تحصر العصمة في اربع عشر نفر , فهذا ما يقتضيه النظام الهندسي للأبعاد الاساسية للوجود . ولا شأن لنا بمن ينفي العصمة او يقلل من اهميتها فأنه سيضطر الى القول بالناسوت الجاهلي , ولا نلتفت لمن يقول باستمرارية الامامة فأنه يركن اجلا او عاجلا الى الفلسفة الهندية والتشيع الفارسي , وانما نحن ملزمون ان ننهل من معين آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم , حتى نجد الافضل ان وجد , علما وعملا .
ان الفهم الواقعي هو ما يقيم الافضل بين الفلسفات العملية , خذ مثلا ان بعث المادية سواء في الفكر الاشتراكي او النظور الرأسمالي , يعتد على تقرير ان الانسان حيوان عادي او بدائي , وذلك يتضح من تصورهم لمصدر المعرفة واهمية المنعكس الشرطي او اولوية المحاولة والخطأ .
هناك اساس عام للقبول والفهم في خبرة الانسان , وهو اسلوب التفكير وليس الافكار بصورة عامة . ولكن يمكن ان نتعلق ببعض الافكار التي نتفق على قبولها بداية , لما لها من التكرار في التجربة الحسية وما تتمتع به من البساطة والوضوح في التجريد حسب اعتقادنا . وكما قال ارسطو : - كل علم استدلالي يجب ان ينشأ او ما ينشأ من مباديء غير مبرهنة , والا فأن خطوات البرهان سوف لا تنتهي . واذا توجب علينا ان نقدر العقيدة الامامية كمنهج علمي مستقل , فالاجدر ان يكون التقدير دوما مستقلا عن اتباع المذهب الامامي واعداءه , وبعيدا عن العادات والتقاليد والفلسفات الاجنبية , وما يعتد به فقط هو البناء الفكري والعلاقات المنطقية التي يستند اليها والآليات التي يعتمد عليها في التطبيق , ويجب ان نفرق بين الفكر النظري وبين نموذج التطبيق العملي . اي ان نفرق بين اصل النظرية ومصدرها والدافع لها من جهة وبين الشكل الذي تؤول اليه عند تطبيقها من جهة اخرى , لأن الانتاج العقلي يحقق مفاهيم اوسع لوصف العالم المحيط بنا ويتجاوز خبرتنا العملية التي غالبا ما تفتقر الى المحاكمة المنطقية .
وهذ يعني ان العالم النظري من الفكر الذي اسلوبه الوحيد في العمل هو المنطق يمكن ان يتصور اكثر من احتمال لمفهوم يصف انظمة متعددة . لذلك يجب ان نفهم ( الزمان - المكان - المادة - الوعي ) بأعتبارها مفاهيم مجردة نسبية متصله نهائية , غير مقيدة بما هي عليه في النظام الطبيعي الارضي , فهي مفهوم ( رياضي - هندسي ) والعالم الارضي ما هو الا احد النماذج او الانظمة لهذا المفهوم المجرد ولا وجود للبديهيات بمعنى الحقائق المطلقة , ولا المفاهيم العامة التي هي حقائق مؤكدة او ضرورات منطقية لا تتزعزع .
اما العجز في الفهم ناتج عن تحيزات خلال الصراع الطبقي لأوربا في القرون الوسطى , بينما المعرفة عند الفلاسفة المسلمين تتكون من خلال تفاعل اربع مستويات للجهاز العصبي المركزي للأنسان - الانفس الاربعة .
خذ مثلا عمن يفاضل بين المادة والوعي , وايهما اسبق في الوجود , وكلاهما لا يرقى الى الفهم الاسلامي (نهج البلاغة للأم علي عليه السلام ) لنسبية ( الزمان - المكان - المادة - الوعي ) تلك التي بينها روابط جدلية وطبيعية لا تتفكك . 
 
كانت الفلسفات القديمة قاطبة ترى أن الزمان والمكان والمادة أزليات لا نهائية منفصله على عكس ما اقره أمير المؤمنين علي من أنها محدثات مترابطة متصلة نهائية . وهو ما يوافق مبادئ الفيزياء الحديثة .
1- الزمان :
عند الامام علي ع هو تغير حال معدود بالزيادة أو النقصان محدود بالحدوث والفناء لا ينفصل عن الشيء المخلوق . أحال الأشياء لأوقاتها (خطبه رقم1نهج البلاغة).
لم تسبق له حال حالا فيكون أولا قبل أن يكون أخرا ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا (خطبه رقم65نهج البلاغة) .
ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال (خطبه رقم91نهج البلاغة).
أنت الأبد فلا أمد لك (خطبة رقم109نهج البلاغة).
من عده فقد أبطل أزله (خطبه رقم152نهج البلاغة).
قبل كل غاية ومدة وكل إحصاء وعده (خطبه رقم163نهج البلاغة).
لم يخلق الأشياء من أصول أزلية ولا من أوائل أبدية بل خلق ما خلق فأقام حده(خطبه رقم163نهج ألبلاغه) .
لم يتقدمه وقت ولازمان ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان (خطبه رقم182نهج البلاغه).
لا تصحبه الأوقات (خطبة رقم186نهج البلاغة) .
 
2- المكان :
 
هو امتداد المكين أو تغير حد الشيء في شيء (المقاومة بمفهوم الفيزياء) 
مع كل شيء لا بمقارنه وغير كل شيء لا بمزايله (خطبه رقم1نهج البلاغة).
لم يحلل في الأشياء فيقال هو كائن ولم ينأـ عنها فيقال منها بائن (خطبه رقم65نهج البلاغة).
ولا كان في مكان فيجوز عليه الانتقال (خطبه رقم 91نهج البلاغه ).
من قال أين فقد حيزه (خطبه152نهج البلاغة).
خلق ما خلق فأقام حده (خطبه رقم163نهج البلاغة
 
3- المادة :
 
ما له حد وصفة يدرك ثم يتجزأ ويتغير كائن لاعن حدث موجود لا عن عدم (خطبه رقم1نهج البلاغة).
أحال الأشياء لأوقاتها, ولائم بين مختلفاتها , وغرز غرائزها , وألزمها أشباحها , عالما بها قبل ابتدائها, محيطا بحدودها وانتهائها, عارفا بقرائنها وأحنائها (خطبه رقم1نهج البلاغة).
لا تقع الأوهام له على صفة , ولأتعقد القلوب منه على كيفية ,ولا تناله التجزئة والتبعيض , ولا تحيط به الأبصار والقلوب 
ايضا مثال اخر غيره ان البعض يفرض الصراع الطبقي كثنائية للتطور , وهذا تصور التصور المبسط ساذج , لأن التفاعل قد يشمل عنصرين او اكثر , والواقع ان الرؤية الاسلامية تجعل الصراع في ثلاث محاور تركيبية هي : ( الغنى - الفقر ) , ( الخلاق - التحلل ) , ( العلم - الجهل ) . ايضا نفرض جدلية الروابط بين تلك المحاور .
عودا على بدء , لابد للمجتمع من حكومة تسيطر على الصراعات وتمنع انفلاتها . ولكن هذه المسؤولية لا يظطلع بها فرد او مجموعة خاصة , فليس هناك شخص يرتفع عن الاهواء والغلط , من حيث الوافع والغايات .ولكن التفكير العلمي وحده قادر على الاقتراب اكثر من غيره من حدود العدالة التي هي وضع الشيء في محله او الحكمة واتقان الميزان في العلم والعمل .
وشرط العدالة الاجتماعية اللازم هو ان تظل حرية الفرد مضمونة في ظل حق تقرير المصير مع كفالة جميع حقوق المواطنين , والعمل على سلامة المجتمع ككل بما فيه الفرد الواحد نفسه . وذلك التناقض بين مصلحة الفرد والمجتمع يمكن ان يحل اذا كان المقياس هو الانسان بصورة عامة .
اذ تتكون السلطة من : التشريع وهو الدستور من النصوص والقانون والاجتهاد , ثم التنفيذ , العرف العام , ثم القضاء , ثم التوعية والتطوير والنقد من خلال مؤسسات المجتمع المدني .
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الامير جاووش
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/03/06



كتابة تعليق لموضوع : الامامية الاثنا عشرية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net