في "مْواعيد"، أنتَ على موعد مع حياةٍ معاشة في القرية والطبيعة، أكثر ممّا أنتَ في لقاءٍ مع اللغة والوزن والقافية. والقولُ هذا، لا يعني أنّكَ لستَ أمام قصيدة وشاعر، بل هو قولٌ إنّكَ أمام شعر الحياة. إنّكَ تقرأ شعرًا تتمتّع بصُوَره وتطرب لموسيقاه، وتهتف لموهبة شاعره. ولكنْ أكثر، إنّ "مْواعيد" ينقلكَ في مركبته الشعريّة إلى عالم الواقع، حيث الطبيعة كائن حيّ يتفاعل ، لا مع الشاعر فحسْب، بل مع كلّ إنسان يعيش فيها. وحيث القرية مجتمعٌ له شخصيّته المتمايزة، ذات السحر الخاصّ والطابع الفريد.
للشاعر في الديوان نظرته الخاصّة إلى الأمور. لكنّها الوجه الآخر للحياة نفسها. وهنا مكمن ثقافته وغنى مقاربته لها. هذا ما نقرأه على سبيل المثال في "لقاية المفقود" وفي "بالوراتة". قد لا تتّفق معه في تفسيره، أو قد لا يعجبكَ تحليله، لكن لا يمكنكَ إلاّ أن تقبل بما يقول. وكم من المرّات ارتدتْ أشياء الطبيعة ثياب الناس، وتكلّم الحيوان بالحكمة، لتمرّ العِبرة في القصيدة موشَّحة بالمجرّد، وناطقة بأمثولة الواقع وفطنة الحياة.
أمّا اللغة، فمنطوق الشاعر نفسه.لم يعتمدْ فيها إلاّ ما يتكلّمه في عادته، ويحدّث فيه النّاس. إنّها لغة مجتمعه ولهجة أبنائه. يقول:
"أيش بيقضي الأْصول"...،
"مش منتبه إنّو الدّني عنتاكلَك"...
يرفض الشاعر اعتماد تعابير لا يستعملها في يوميّاته. إنّه لا يفرضها. هي تعابير محكيّته. لا يستغربَنَّها أحدٌ لأنّ الشاعر يركّب منها منظومته الشعريّة. فهي كلامه الطّبيعيّ إذا سمعتَه يتحدّث.
أمّا بعد، يجدر التنويه بأنّ الشاعر منسجم مع نفسه ومع منظومته الشعريّة. فقصيدته، لا شكّ تعبّر عنه. إنّها شخص يوسف نخول سلهب في الفكرة والسبك الذي نحن في صدده. إنّ قارئ "مْواعيد"، هو أمام قناعات الشاعر الإنسانيّة، وآرائه في الحياة والمجتمع والناس، في أسلوبٍ خاصّ به: هكذا أحبّ أن يقول في ما أراد أن يقول فيه. إنّه يستجديكَ بأنَفة وعناد، أن تفهم ما يريد. لكنّه يعصمكَ برجاء، من أن تقبل بما يعتقد.
إنّ شعرًا بهذه المواصفات، جديرٌ بأن يُقرأ. وشاعرًا بهذه الفرادة، يليق به الاعتبار. فالحياة موقف، والإنسانيّة مبادئ وقِيَم. ولا يكون القولُ شعرًا ما لم يكن تعبيرَ حياة. والحياة تحدّدها المواقف الكبيرة، الصادرة عن قيمٍ إنسانيّة نبيلة، ومبادئ أخلاقيّة تحدّد سموّ الشخص البشريّ وتفاعلَه الراقي مع المجتمع والبيئة اللذين يحوطانه.
إنّ مواعيدكَ أيّها الشاعر مع القرّاء، ما هي إلاّ بواكير الفكر والكلمة، الموقّعة بموهبتكَ الشعريّة، التي صارت مادّةً للمقاربات التحليليّة والدراسات النقديّة. لكنّها ستبقى في قيمتها، نبعةَ جمالٍ ورحيق فنٍّ، لكلّ ارتواءٍ من راقي الأدب اللبنانيّ الأصيل.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat