اسباب التدخل التركي في سوريا
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بداية اود ان انوه ان مقالي هذا لايدعم اي جهة سورية كانت (الحكومة او المعارضة), ولا يخلط بين الشعب التركي الطيب وبين حكومة اردوغان التوسعية ..هذا المقال هو قراءة مختصرة مبسطة لاسباب التدخل التركي ( تدخل حكومة اردوغان) في سوريا .
لقد ذكرت في مقالي السابق المعنون ب( اردوغان والقضاء على الحلم الكردي نهائيا) ان اوربا قد عملت على افشال مساعي حكومة اردوغان لالحاق تركيا بالاتحاد الاوربي كي لايحسب لاردوغان اي انتصار سياسي على حساب اوربا,وكذلك خفضت نسبة وارداتها من تركيا بشكل واضح من اجل تحقيق اسقاط مبرمج لحكومة اردوغان بطريقة غير مباشرة و تفاديا لحشر انف تركيا في تعقيدات اوربا السياسية والاقتصادية..وهذا ما جعل حكومة اردوغان تتجه بانظارها الى اسيا وخاصة الدول العربية الهشة المنشغلة بمشاكلها الداخلية.
حكومة اردوغان الفاشلة اوربيا لاامل لها في البقاء الا من خلال تحقيق نصر اقتصادي كبير في اتجاهها الجديد نحو العرب ,مما جعلها تتعامل مع المنطقة بطريقة تفكير من يصارع من اجل البقاء(اي النصر او الفناء).
اتجاه تركيا نحو الدول العربية اقتصاديا(وخاصة العراق ) من اجل تعويض ما فاتها في اوربا واجه منافسة اقتصادية شديدة من قبل دولة عربية جارة وهي سوريا ,فالصناعة السورية لاتقل جودة عن التركية بل وتتفوق عليها في بعض المجالات,والتاجر السوري من امهر تجار المنطقة,اضافة الى انهم عرب ولغتهم العربية تسهل عملهم داخل المنطقة العربية..هذا من ناحية..
ومن ناحية اخرى اكثر اهمية, تفاقم مشكلة الحكومة المركزية العراقية مع حكومة شمال العراق واستغلال تركيا لهذه المشكلة من اجل انفاذ مشروعها الاردوعثماني الجديد (واقصد هنا:الاردوغانيون الجدد على نهج العثمانيين الاجداد) جعل حكومة العراق تفكر جديا في البحث عن بديل تجاري لتركيا على ان يكون البديل طريقا مختصرا لاوربا.. ولابديل مناسب اكثر من سوريا ومن ثم الاردن.
وكان التفكير بجعل سوريا منفذا عراقيا اقرب للاتحاد الاوربي خيارا مطروحا بجدية وخاصة في مجال تصدير النفط العراقي الى الغرب وفي مجالات اقتصادية اخرى كثيرة من اجل حرمان تركيا وحكومة شمال العراق معا من ميزة الضغط الاقتصادي على العراق.
كل هذه العوامل (وخاصة بحث الحكومة العراقية عن بديل لتركيا) هددت فعليا الاقتصاد التركي المتراجع تجاريا مع اوربا , وهددت المشروع الاردوعثماني بالكامل ,وبالتبعية شكلت تهديدا حقيقيا لبقاء حكومة اردوغان بسبب ماسيترتب على ذلك من فشل اقتصادي كبير لتركيا, فقد وصلت الفائدة التركية من العراق لعشرة مليارات دولار سنويا (علما ان واردات العراق غير المسجلة من تركيا او عبرها ارقام لايمكن احصائها ابدا) .
هذه الفائدة لم تحلم بها تركيا يوما من الايام خاصة بعد ان بدات هي بتحجيم مياه النهرين عن بلد النهرين منذ سنوات من اجل الاستعداد لحروب القرن الحالي (حروب المياه).
حكومة اردوغان (الباحثة عن البقاء والتوسع في ان واحد) وقفت الى جانب المعارضة السورية وقدمت لهم الكثير من النصائح والخطب الحماسية الرنانة !! (ولم تقدم لهم شيء اكثر من الكلام لانها باحثة عن الربح وباقل الخسائر) .
اما الاعتقاد السائد بان تركيا تساند المسلمين السنة في سوريا فلا اساس له لان تركيا دولة علمانية النفس غربية التوجه ارتدت ثوب الاسلام السياسي من اجل كسب المسلمين اقتصاديا , وكذلك من اجل الضغط على شركاءها الاوربيين الرافضين انضمامها للاتحاد الاوربي من اجل تخفيض سقف شروطهم على انضمامها اليه.
تركيا هي الدولة الاكثر حماسا لبقاء الحرب السورية الداخلية مستعرة متاججة فهذه الحرب تعود على تركيا بفائدة اقتصادية عظمى وللاسباب التالية:
1. بقاء العراق مستوردا مهما للبضائع التركية.
2.بقاء تركيا كممر تجاري يربط بين العراق واوربا ,مع بقاء قدرة الضغط التركي على العراق.
3.تحطيم القدرات الاقتصادية ( الصناعية والتجارية والسياحية..الخ) لسورية عموما ولمدينة حلب خصوصا ,فحلب هي قلب سوريا الاقتصادي, وهي المدينة ذات الخبرة العالية والتاريخ الذي يمتد إلى عدة قرون في ممارسة التجارة والصناعة حيث كانت هذه المدينة مركزا تجاريا عريقا يقع على طريق الحرير..فصناعة المنسوجات السورية الحلبية بدات تنافس مثيلاتها التركية على الاسواق العالمية وهذا يشمل ايضا صناعة الزيوت والصابون...الخ.
حلب كانت مستهدفة اعلاميا بشكل واضح ومنذ بداية الاحداث في سوريا,فقد اتهمت بانها معقل لاتباع الحكومة السورية,واتهم اهلها بالجبن لان مدينتهم لم تحترق بنار الحرب منذ بدايتها, وخطف الكثير من تجارها , واحرقت ونهبت الكثير من مصانعها ومتاجرها ..كان التخريب الاقتصادي واضح لاي متبع للاحداث ,والهدف لايخفى على عارف بالسياسة وهو ايقاف عجلة الاقتصاد السوري الذي هو اساس لقمة عيش الشعب السوري بكل اطيافه.
4.امكانية ن تطرح تركيا نفسها كبديل تجاري لسورية في الكثير من دول العالم المستوردة من سوريا..اي زيادة الصادرات التركية على حساب مثيلاتها السورية ,فالصناعات السورية والتركية متشابهة تقريبا.
5.حرمان سوريا من المشاريع المستقبلية في داخل العراق ,وكذلك والقادمة من اوربا مرورا بالعراق الى باقي الدول العربية.
مثل حرمان سوريا من خط كابل الانترنت المراد مروره عبر الاراضي العراقية الى الدول العربية.
هذا الكابل تسبب في مشكلة كبيرة اطاحت بوزير الاتصالات العراقي السابق (محمد علاوي )لانه وافق على قبول عطاء شركة واحدة فرضت عليه من قبل حكومة اقليم شمال العراق لاقامة المشروع (في عملية اعتبرت فساد وابتزاز علني من قبل الاقليم ضد المركز).. وهذا الامر من المتوقع ان تكرره حكومة الاقليم مرة اخرى حين تفكر الحكومة العراقية ببدا مد خط سكك القطار الاوربي العربي.
مشكلة الكابل من الممكن ان تحل بسهولة اذا مر الكابل عبر تركيا الى سوريا ثم العراق.
مشكلة الكابل كانت سببا في جعل الاتراك يقبلون بتدريب اكراد سوريا في شمال العراق ولو على مضض..فهنا التقت المصلحة التركية مع مصلحة حكومة شمال العراق ..والقبول التركي بتدريب وتسليح اكراد دولة مجاورة يفسر مدى حاجة تركيا لاستمرار الحرب السورية ومدى الفائدة المرجوة من هذه الحرب.
حكومة اردوغان ستضعف او ربما تنهار ان فشلت في حربها على سوريا,فتركيا ستخسر (من الناحية الاقتصادية) معظم دول الجوار ,فاضافة لخسارتها في اوربا لديها عداء مزمن مع كل من اليونان وارمينيا وسيضاف للقائمة العراق وسوريا.
6.نقل المد السياحي الاوربي من المناطق السياحية السورية الى التركية مما سيجلب ارباح كثيرة لقطاع السياحة التركي ويشعر الاتراك بان حكومة اردوغان ناجحة سياسيا ومقبولة اوربيا.
واخيرا..اتمنى ان يمن الله على كل السوريين معارضة وحكومة بايجاد حل يوقف هذا النزيف الدموي والاقتصادي لهذا البلد العربي المسلم الجار ..واتمنى ان يهدي حكومة اردوغان لما فيه مصلحة الشعب التركي دون الحاجة لزرع الفتن واراقة الدماء..وان يسعى اردوغان بنفسه الى مصالحة سورية دائمة,فالحزن على ماهو ات ربما سيكون اكبر مما فات.
وشكرا
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat