صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح82
حيدر الحد راوي

 سورة  الانعام

بسم الله الرحمن الرحيم
 
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ{21}
نستقرأ الاية الكريمة في موقفين : 
1) (  وَمَنْ أَظْلَمُ ) : موجه الى فئتين : 
أ‌) (  مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً ) : وتشتمل على عدة اوجه , نذكر منها : 
أ)1) نسبة الشركاء اليه . 
أ)2) ان ينسب اليه عز وجل ما ليس له كالزوجة والاولاد وما شابه . 
أ)3) ان ينسب له جل وعلا كل ما لم يأمر به من سنن وشرائع .  
ب‌) (  أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ) : التكذيب في جميع رسله وانبيائه , وما جاؤوا به من المعاجز البينة , والحجج الباهرة .    
2) (  إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) : اعتبر النص المبارك , ان من وقع ضمن الفقرتين اعلاه ( أ – ب ) احداهما او كلاهما , يعد ظالما , والظالم لا يفلح ابدا .      
 
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ{22}
تذكر الاية الكريمة يوم الحشر على نحو التهديد والتوبيخ , فينجذب نظر المتأمل الى موقفين للتأمل :  
1) (  وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ) : سياق النص المبارك يشمل الجميع , وبدون استثناء . 
2) (  ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) : سياق النص المبارك موجه (  لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) فقط , ويترتب على السؤال (  أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) عدة اطروحات نذكر منها : 
أ‌) الاصنام والاوثان وكل ما كان يعبد من دون الله عز وجل .
ب‌) الرموز وشخصيات السوء , فمن المعلوم ان الكثير من الناس يقتدي برموز وشخصيات معينة , يجعلهم نصب عينيه , ويقتدي بهم , فوصل الامر بهم الى تقليد حركاتهم وسكناتهم وطريقة تصفيف الشعر وطريقة ارتداء الملابس , كالمغنيين والممثلين , وكل رمز يدعو الى الشيطان الرجيم . 
ت‌) تيارات فكرية وعقائدية وغيرها , ليس جميعها , بل ما يبعد الانسان عن ربه عز وجل , ويحرفه عن طريق الهداية , فتغشي عينيه , وتطمس نور قلبه , فلا يرى للوجود من خالق , وينسب الموجودات الى الصدفة , او التطور والارتقاء .          
 
 
ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ{23}
تضمنت الاية الكريمة السابقة سؤالا , وجهه الباري عز وجل للمشركين , فنقلت الاية الكريمة الجواب , فيلاحظ في جوابهم امرين : 
1) (  إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا ) : في النص المبارك نقطتين للتوقف : 
أ‌) (  وَاللّهِ ) : اقسم المشركون بالله تعالى , اشركوا به عز وجل في الدنيا , واقسموا به جل وعلا في ذك الموقف . 
ب‌) (  رَبِّنَا ) : يعترف المشركون بربوبيته عز وجل , لكن بعد فوات الاوان ! . 
2) (  مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) : نص مبارك يشير الى كذبهم , اذا لم يكونوا مشركين , فماذا كانوا اذا ؟ ! .   
 
انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ{24}
تضمنت الاية الكريمة موقفين للتأمل : 
1) (  انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ) : يصف النص المبارك المشركين بالكذب على انفسهم , في محاولة منهم يائسة وبائسة للخلاص من العذاب والعواقب الوخيمة للجريمة . 
2) (  وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) : كل ما اعتقدوا وامنوا به تبخر وتلاشى , لم يعد ينفعهم في شيء .       
 
وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ{25}
نستقرأ الاية الكريمة في عدة مواضع : 
1) (  وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ) : البعض منهم يستمع لرسول الله (ص واله) لكن : 
أ‌) (  وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ ) :لا تصل المعاني السامية , والاهداف النبيلة للقران الكريم , الى تلك القلوب , والسبب تلك الاغلفة والاغطية التي حجبتها . 
ب‌) (  وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً ) : لا يستمعون اليه سماع قبول , بل سماع مترصد رابص .    
2) (  وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا ) : يروي النص المبارك ان المشركين رأوا ايات الله تعالى , رؤى العين , ووقفوا عليها وقوف الشاهد او المشاهد , فيكون من الطبيعي ان لا يؤمنوا بها , والسبب غلف القلوب وصمم الاذان ! . 
3) (  حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ) : كل نبي ورسول الا وجادله قومه , وربما اتهموه بالسحر والجنون وغير ذلك , ووصل الامر بهم الى الضرب والتعذيب ثم القتل , حتى ان حكاياتهم وقصصهم تناقلتها الاجيال , واضيف اليها ضروبا من الخيال ( خيال الراوي ) , وخلطوا بها ما توارثوه من خزعبلات واباطيل , كانت تزين بها المجالس والنوادي العامة , وما يتسلى به الاطفال , فلا غرابة ان يتهم المشركون النبي محمد (ص واله) بالاساطير , التي كانت متداولة في مجتمع يكتنفه الجهل والتخلف من جميع جوانبه .          
 
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ{26}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة نقاط : 
1) (  وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ) : يمنعون الناس عن اتباعه ( ص واله) . 
2) (  وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) : يتباعدون عنه . 
3) (  وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) : المشرك لا يهلك الا نفسه , ويهلك معه من شاركه الرأي , وسانده , الملفت للنظر في النص المبارك ( وَمَا يَشْعُرُونَ ) , أي انهم على شفير هاوية , حفرة من النيران , هم للوقوع فيها اقرب , فيتسارعون ويتدافعون نحوها .           
يروى السيوطي في تفسيره الجلالين , ان الاية الكريمة نزلت بحق ابي طالب , وكذلك بعض المفسرين , عجيب امر هذا الرجل ( ابي طالب"ع") , يكفره المسلمون , وهم يعلمون جيدا , انه لم يسجد لصنم قط , ولم يحتوي بيته على صنم كعادة اهل الجاهلية , ولم يأمر اولاده بالسجود للاصنام ,  لانه على دين ابراهيم (ع) , فحري بالمتأمل ان ينصف هذا الرجل المظلوم من نفسه , ويعيد التأمل في سيرته , لينظر ويقف على اسباب هذه التهم ! .  
 
وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{27}
تروي الاية الكريمة مقطعا عن المشركين , فيه (  وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ ) , الوقوف والعرض على النار , يأتي قبل الدخول فيها , هالهم المنظر وافزعهم , فكانت ردة فعلهم (  فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ ) , تمنوا العودة للدنيا , ليقوموا بأمرين : 
1) (  وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا ) . 
2) (  وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .           
 
بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{28}
تجيب الاية الكريمة على اقوالهم , وفيها عدة محاور للتأمل : 
1) (  بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ) : يشير النص الى امرا غريبا , يظهر من هؤلاء المشركين اخفوا صدق رسالته (ص واله) عن الناس , واظهروا خلافه .  
2) (  وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ) : حتى عندما يرى هؤلاء النار , وما هو واقع بهم , وقدر لهم العودة للدنيا , سيعودون الى شركهم والحادهم , ذلك ينسب الى الانسان وطبيعته , نفسه الامارة بالسوء وملذاته , وعدم ترجيح عقله في اغلب احواله .  
3) (  وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) .           
 
وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ{29}
الانسان في الغالب يؤمن بما يراه ويلمسه , ولا يؤمن بما لم يقف عليه بحواسه , فيقف على العالم المحسوس , العالم المادي المجرد , ويغفل عما ورائه , وما احتوى من اسرار , يهمل تماما الجانب الخفي واضماراته , فيرفض ربوبية رب لم يره  ويلمسه ويسمعه , ربا لا يستشعره ويحسه في عالمه المادي , فكيف سيؤمن بحياة بعد الموت ! . 
وبعبارة اخرى , ان نظرة الانسان المجردة للواقع ناقصة , فهي من جانب واحد , في اتجاه واحد , في بعد واحد , ولا ينظر الى الجانب الروحي اهمالا وتغافلا .
 
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ{30} 
تروي الاية الكريمة مقطعا من ذلك العالم , عالم العرض , فيسألهم الله تعالى بلسان الملائكة عندها (  أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ ) , فما يكون الجواب (  بَلَى وَرَبِّنَا ) , اعترافا بقصور نظرهم ونظرتهم في الدنيا , فاذا كان الامر كذلك , يقول لهم رب العباد (  فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) , المصير المحتوم , والمكان الابدي .       
 
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ{31}
نستقرأ الاية الكريمة في عدة محاور : 
1) (  قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ) : يقال ان المنتصر من يضحك النهاية , والخاسر من يبكي في النهاية , ولا خسارة تعدل الخسارة في تلك الساعة , وذلك اليوم . 
2) (  قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا ) : عنده لا ينفع الندم والحزن . 
3) (  وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ ) : كل يحمل حمله على كتفه , ولا يحمل هؤلاء سوى اثامهم ومعاصيهم , التي ركبوها وارتكبوها في الدنيا . 
4) (  أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ) : ساء ما يحملون من اثام , قبحت شكلا , وثقلت وزنا , فتعسا لحاملها .          
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/01/04



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح82
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net