حقوق الإنسان .. بين الذل والهوان
ماء السماء الكندي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تـُعد حقوق الإنسان ومراعاتها من الأسس الرصينة و من شأنها أن تبني دولة متماسكة محاطة بجدار مواطناتي صلد لا يتزحزح من مكانه ولو عصفت بوجهه الوحوش ، هذا الأمر لم يكن جديداً لنبني عليه فكرة ونعتبره ابتكاراً لإكمال مخططه ، بل انه أطروحة فكرية خلفت شعوباً اتسمت بأخلاقيات مواطنيهم وبثت روح الإخوة والتسامح في نفوس مواطنيها منذ آلاف السنين.
تعتبر حقوق الإنسان من شعائر الدول الديمقراطية التي تنعم بقادة مهذبين محنكين ولودوا من رحم العطف والتسامح والمؤاخاة كما قال سيد البلغاء علي ابن أبي طالب(عليه السلام) لمالك الاشتر (( يا مالك .. اختر وزراء لهذه الدولة ولد الإسلام في بيوتهم )) وما قال أمير المؤمنين إلا صدقاً لان الإسلام سمح سوّي وهو الخط الصحيح لسير الأمم نحو الصواب والصلاح، لكن إذا ما جــُرد الإنسان من هذه الحقوق فليس باستطاعته إن ينظر إلى وجهه في المرآة وكما قال الفيلسوف والمفكر الصيني كونفوشيوس: (الإنسان لا يتعلم المدنية إلا عندما يطعم ويكسى بشكل لائق)، ولم تـُقصى حقوق الإنسان عن المسيحية حيث أكدت على كرامة الإنسان والمساواة بين الجميع حين وصفتهم بـ عيال الله. أما الإسلام فقد اعتنق موضوعة حقوق الإنسان ووضع نصب أعينه القداسة والكرامات التي يجب أن توظف للإنسان للشعور بوجوده كما نص القرآن الكريم : ﴿ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).
الفلاسفة القدماء والأديان المتتالية وصولاً الى المسيحية ثم الإسلام تؤكد وبشدة على إنعاش المواطن ليصل المجتمع إلى براري السموّ والتحلي بكل أوصاف الخلق والتهذيب ، إن انشطار المجتمع وتكوين خلايا تختلف فكريا يـُعد قوة غير معروفة الاتجاه وتسديداتها المختلفة فكريا وسياسيا واجتماعياً يجعل من القيادة عازفة عن إدراك ما يمر به البلد وهذا حال العراق ، والسبب هو استغلال فجوات العفلقي هدام والذي تسنم عرش المجزرة الإنسانية ، وبزواله خلف طبقات متفاوتة الأفكار والمكانة منهم من صعد إلى حدقة الشمس مالاً وجاهاً ومنهم من طمر وجهه بالأرض، هذا التفاوت العجيب من شأنه ان يجعل البلد في دائرة تضج بالأصوات المطالبة، وما أن اختلط الزيف بالحقيقة حتى تلاشت وجوه السفاحين واختبأت خلف جلابيب البسطاء.
ان فرز الصالح من الطالح امر مستحيل ، والأجدر هنا الارتقاء بواقع البسطاء ممن يلوذون تحت سقوف من المعدن او القماش وهم من الطبقة المهمشة التي أجبرت على دخول أحجية (البحث عن لقمة العيش) إضافة إلى إتراع جعبة المواطن بكل المقتضيات التي تدخل ضمن تركيبته كمواطن .
لاشك من ان الدعوة لمراعاة حقوق الإنسان والتي وثقها الأنبياء والفلاسفة قد انتقلت الى جميع من يدب الرمق في صدره واكتنز الحكام تلك القرارات حيث ضجت أوربا ببعض النصوص التي دونها الحكام والمختصة بالحقوق المدنية نتيجة لما كان يمر به الإنسان في تلك الحقبة ومثالا على تلك الانتقالات (العهد العظيم المعروف ماجنا كارتا ) والذي أصدره جون ملك الإنجليز وقانون الحقوق الإنكليزي المعروف باسم ( بيل اوف رايتس) واختصت هذه القوانين على وضع الإنسان في منزلته الحقيقية، والجدير بالذكر هنا ان الانتعاش الحقيقي لمراعاة حقوق الإنسان لم يكن مطبقاً بصورة كاملة إلا بعد نشوب الثورتين الكبيرتين في أمريكا وفرنسا، والتي ساهمت وبشكل فعال على ولادة شعوب رصينة أزالت الأنظمة الاستبدادية الدكتاتورية وخلفت أنظمة ديمقراطية لعب المواطن فيها الدور الأساسي وكما هو حال الدول الغربية.
ان اتفاقية برلين لعام 1855 واتفاقية بروكسل عام 1890و باريس لعام 1904 و لاهاي عام 1912 واتفاقية لندن عام 1914 وبرن لعام 1886 ولدت هذه الاتفاقيات على أسس ديمقراطية من رحمٍ مواطناتي لم تمسسه اللوجستية كي لا يشوب بأفكار لا تتلاءم مع هذا الشعب او ذاك ، ولاشك من ان الحرب العالمية الثانية والتي اعتبرت حرباً صليبية على حقوق الإنسان كما قال هنري كاسان قد هددت بطمر مبدأ الحقوق المدنية وزرعت الرعب في نفوس كل الأفراد إلى أن تماسك الشعوب والمعاهدات والاتفاقيات سمحت لان تعود المياه الى مجاريها وان يستعيد الإنسان صورته البراقة.
لقد قسمت حقوق الإنسان إلى ثلاثة أقسام وهي حقوق السلامة الشخصية والتي تقتضي على خلق جو آمن للإنسان لان لكل فرد حق في الحياة وفي الحفاظ على نفسه، كما لا يجوز تعذيبه أو اعتقال تعسفاً، أما الحريات المدنية فهي تكفل لكل شخص حرية الرأي والتعبير والوجدان والدين والتجمع.وأخيراً الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والتي تعني ان لكل شخص حق في مستوى معيشة يضمن له الصحة والرفاهة والمأكل والمسكن والملبس والعناية الطبية والتعليم.
هذه النصوص الإلهية والاستنتاجات الفلسفية المختصة بحقوق الإنسان تم تطبيقها بكامل أساليبها وأنتجت شعوباً اخترقت الفضاء تطوراً وسردت المجلدات فكراً واقصد هنا العالم الغربي بصورة عامة إلا إن العرب لم تطبق ما أمر به الله ورسوله من مراعاة الحقوق وبسط يد العون للنهوض سوية بواقع المجتمع ، وهل بإمكان العرب أصحاب رايات العروبة أن يدونوا ولو بحبر على ورق اتفاقية واحدة تقتضي بإلزام كافة المنضوين تحتها على مراعاة حقوق مواطنيهم ، حتى عصفت رياح الثورات بالبلدان وأخذت تنشطر الحضارات وتتهاوى بسبب السياسيين الملتصقين بعرش الحكم كما حدث في العراق ومصر والجزائر وتونس وسوريا ....الخ.
قد تخلف الانقلابات أنظمة مختلفة متغايرة من شأنها أن تخلق نظاماً جمهوريا أو تعود مرة أخرى تعيش تحت رحمة مارق جديد إلا ان تسنم المتصلبين منصب الحكم يعد استحالة لان المجاميع المنضوية تحت قائد الحملات القمعية قد لاذت بالفرار او قضت نحبها نظراً لقضايا الثأر واستباحة الدماء وهذا حال بلدي العراق الذي جرد بمعنى الكلمة من ابسط حقوق المواطنة وحتى إذا شرعت تلك الحقوق فستـُدحض من قبل مشرعيها لأننا نعيش في بلد يحكمه ثلاثمائة رئيس فلمن الأمر القاطع ومن ذا الذي ينفذ ما أمر به من الرؤساء؟.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
ماء السماء الكندي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat