صفحة الكاتب : مكتب د . همام حمودي

كلمة ممثل الأمين العام للجامعة العربية السيد ناجي شلغم في موسم (الحسين يوحدنا) السابع
مكتب د . همام حمودي

 بسم الله الرحمن الرحيم 

والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد واله وصحبه أجمعين 
في كل عام من شهر محرم الحرام ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام سبط رسول الله عليه وعلى ال البيت واصحابه السلام الذين بذلوا مُهَجَهم من اجل حفظ القيم الإلهية والكرامة الإنسانية, ولا جدال فان هذه الذكرى تخص الأمة الإسلامية جمعاء ولا تخص شيعة ال البيت وحدهم كما ان الحسين (ع) ليس حادثة كربلاء فقط, بل هو سيرة حياة عظيمة حافلة يجب التوقف عند كل مفاصلها والنظر إليها والتعلم منها جميعاً وصولاً إلى الحدث الأعظم فيها ألا وهو ثورة هذا الإمام العظيم ضد ظلمِ وجورِ السلطان, والتي تُوِّجت بحادثة استشهاده بكل ما تحتويه من معانٍ ودروسٍ وقيمٍ لا تنحصر فقط في ما حدث بواقعة الطف من قتال القلة المؤمنة مع جيش الطغيان والظلم - جيش سلطة الحاكم يزيد, وليس ما جرى بعد ذلك من قتلٍ وسلبٍ خلاف لما تعارفت عليه قيم العرب والرجولة من قيم في القتال والمنازلة والحروب  وخلاف لأعراف المنتصر وقيم الفرسان والقيم الإنسانية الأخرى. يتوجب على الأمة الإنسانية جمعاء استذكار هذه الذكرى الأليمة والعظيمة فهي أليمة لما احتوته من مشاهد مؤلمة يندى لها جبين الإنسانية ويشيب لها الجنين في بطن أمه, وهي في نفس الوقت ذكرى عظيمة بعظمة صاحبها وتضحيةٍ في سبيل الدين والأمة ومحاربة الظلم, وما أحوجنا هذه الأيام "اخوتنا" إلى تمثُّل مبادئ الحسين ونهجه في حياتنا. فالحسين عليه السلام لم يكن شخصاً عادياً بل هو نموذج يُحتذى به لأنه نشأ وترعرع في البيت النبوي وشرب من الدوحة المحمدية. فهذه الذكرى تستحق منا جميعا التوقف عندها واستثمار معانيها في نفوسنا حتى تكون نبراساً لنا للخروج من هذا النفق المظلم الذي تعيشه امتنا العربية والإسلامية ولنرفع جميعا الشعار الذي رفعه الحسين عليه السلام ونجسد فعلا لا قولا, ونهتف في وجوه جميع الظالمين والحكام الطغاة الفاسدين "هيهات منا الذلة, هيهات منا الذلة" .
الإخوة الكرام الأعزاء, إن النظر إلى حادثة استشهاد الحسين عليه السلام في كربلاء على انها مجرد مظلومية أو قهر السلطان الجائر عليه وعلى اهل البيت هي نظرة هزيلة تُغيّب المعنى الأعظم لحقيقة هذه الواقعة. فاستشهاد الحسين لم يكن حدثا مفاجئاً له, فقد سار عليه السلام برباطة جأش وعزيمة لم تتزحزح رغم انه رأى ان الذي كانوا معه يتخلون عنه واحداً تلو الاخر حتى دعا عليهم قائلا "اللهم ان متعتهم الى حين ففرقهم فرقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم أبدا فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا عنا يقاتلونا," و استمر هذا حتى غدا رجحان كفة النزال العسكري المباشر لمصلحة الطرف الآخر واضحا, بلا التباس, وصار يعلم انه شهيد القلة التي قادها الحسين بن علي عليهما السلام, لا يمكنها بالتأكيد التغلب بالقوة على جيش الإمبراطور المدجج ومعركة عديمة التكافؤ, مع الإصرار على الاستمرار على ذلك الخط بشكل يشكل جدلية بين السيف والكلمة والصراع بين الحاكم والمحكوم وبين السلطان وبين رفض الحسين الذي كان بين القوة ومعنى الرفض. الحسين ايها الاخوة كان يحث السير الى هذه المواجهة لانه اراد ان يجسد موقفا تاريخيا لكل امة الاسلام, امة لا اله الا الله محمد رسول الله .
على مر التاريخ والعصور, من الضرورة الوقوف في وجه الظلم والطغيان وان تطلب الأمر بذل الدم والتضحية في سبيل ذلك ونرى كيف كان بمقدور الحسين تفادي تلك المواجهة غير المتكافئة بمبايعة الحاكم الظالم باللسان. ولكن الكلمة "تدبروا معي أيها الإخوة الأعزاء.. تدبروا معي هذه الجملة" ولكن الكلمة .. وما أحوجنا إلى احترام الكلمة هذه الأيام والصدق والميثاق ولكن الكلمة تعني الميثاق والموافقة. والموافقة تعني الدستور الذي يُلزم الرجل وهذه القيم التي تمسّك بها الإمام الحسين عليه السلام لم تكن وليدة الواقعة ولا أملتها الظروف, إنما كانت تلك الكلمة دلالة أكيدة وعميقة على رسوخ المبادئ الإنسانية في عقل الشهيد وحقاً مخطأ من يظن أنه كان صراعاً لأجل السلطة ففقه الحسين عليه السلام لا يقل عن فقه أخيه الحسن الذي تنازل عن السلطة والخلافة حينما رأى ان ذلك الرأي السياسي الاصوب في تلك المرحلة, وحقن الدماء وعدم الفرقة، الحسين واهل بيته خرجوا جميعا يحملون مشروعاً للأمة الإسلامية وليس حباً بالسلطة بأسرها ومشروعهم لم يفشل باستشهاد الحسين عليه السلام ورفاقه, بل ترسخ في ذاكرة التاريخ وفي القلوب المؤمنة بأبهى صور التضحية وتقديم أغلى الأثمان في سبيل حرية الإنسان، لم يكن سيد الشهداء الذي قال عنه رسولنا عليه الصلاة والسلام وعلى اله (من سَرَّهُ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) باحثا عن سلطةٍ وجاهٍ, فقد حباه الله أعظم معانيهما في كونه ابن بنت خاتم الأنبياء والمرسلين وابن الذي كرم الله وجه فارس الشجاعة والبلاغة والحكمة علي بن أبي طالب, بل خرج كما قال هو عليه السلام "خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي" ليس للسلطة بل لمواجهة الاستبداد والوقوف بوجه إشاعة مفاهيم القبيلة والعشيرة والحزبية الضيقة التي ما انزل الله بها من سلطان. لقد مثلت ثورة الإمام الحسين أول الثورات في التاريخ العربي الإسلامي من اجل عودة سلطة الشعب إليه وأول الانتفاضات الكبرى ضد الإكراه والوصول الى السلطة بقوة السيف والمال, وتدور دورة الزمان لتمتد لأربعة عشر قرنا لتبقى الحقيقة ناصعة لن تستطيع الأيام محوها ولا قوة السلطان, فقد بقيت ثورة الحسين تدل على ثبات الثائر على مبادئه ورفض الاستبداد والطغيان ومبايعة ومداهنة الحاكم ولو بمجرد كلمة من اللسان, واثر الاستشهاد على قول كلمة الباطل من اجل ان يبقى حق الإنسان في رفض الطغاة نبراساً أبديا يستذكره الناس للذكرى التي تتجدد سنويا في تلك الواقعة ويعجبني ما سطره الكاتب عباس محمود العقاد في ثورة الحسين حين كتب عنها أنها واحدة من الثورات الفريدة في التاريخ لم يظهر نظير لها في مجال الدعوات الدينية أو الثورات السياسية فلم تدم الدولة الأموية بعدها حتى بقدر عمر الإنسان الطبيعي, ولم يمضِ تاريخ عمر الإنسان الطبيعي. ولم يمضِ من تاريخ ثورة الحسين عليه السلام حتى سقوطه أكثر من ستين سنة ونصف وما أعجب ما ورد على لسان الزعيم الهندي الراحل غاندي صاحب المقولة المشهورة "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فانتصر."
يقيناً ستبقى ذكرى استشهاد سبط رسول الله رمزاً خالداً  يعبر عن رفض مداهنة الطغيان والظلم والذي تحول إلى رمز أنساني خالد للبطولة والشجاعة على المبادئ والتضحية بالروح وسيبقى رمزاً خالداً ما بقيت البشرية واختتم حديثي بأبيات شعر :
قصيدة نزار قباني :
 
سأل المخالف حين أنهكه العجب       هل للحسين مع الروافض من نسب
ﻻينقضي ذكر الحسين بثغرهم          وعلى امتداد الدهر يوقد كاللهب
وكأن ﻻ أكل الزمان على دم            كدم الحسين بكربﻼء وﻻ شرب
أولم يحن كف البكاء فما عسى         يبدي ويجدي والحسين قد انتحب
فأجبته ما للحسين ومالكم               يا رائدي ندوات آلية الطرب
إن لم يكن بين الحسين وبيننا          نسب فيكفينا الرثاء له نسب
والحر ﻻينسى الجميل ورده            وﻹن نسى فلقد أساء إلى اﻷدب
السلام على الحسين كريم النسبين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث بين يدي رب عادل حرم على نفسه الظلم يحكم بالقسط بين الناس وإنا لله وإنا إليه راجعون, وعظم الله لنا أجورنا وأجوركم 
 
http://www.hamoudi.org/arabic/news.php?action=view&id=1178
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مكتب د . همام حمودي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/12/01


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • همام حمودي يرفض تدخلات السفير البريطاني ويطالب الخارجية بوضع حد للتدخلات   (نشاطات )

    • الشيخ همام حمودي : اللقاء المرتقب للبابا فرانسيس بسماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني (دام ظله) لهو تأكيد لمكانته الاسلامية العظيمة ودوره الكبير في ترسيخ قيم التآخي والعدل والسلام  (أخبار وتقارير)

    • حمودي: قرار ترامب بشأن الحرس الثوري "إرضاء للصهاينة".. وعلى الأمة التمسك بمرجعيتها  (نشاطات )

    • حمودي يكشف عن أربع مدن صناعية واتفاقات نفطية وسكك دولية خلال زيارة روحاني   (نشاطات )

    • حمودي: الجيش العراقي اعاد الاعتبار لنفسه والوطن وتكريمه يتحقق بأمرين  (أخبار وتقارير)



كتابة تعليق لموضوع : كلمة ممثل الأمين العام للجامعة العربية السيد ناجي شلغم في موسم (الحسين يوحدنا) السابع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net