فاجعة كربلاء بين الاعجاز الغيبي والفعل الانساني الملموس
ماجد عبد الحميد الكعبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ماجد عبد الحميد الكعبي

نقلت وكالة سكاي نيوز على موقعها باللغة الانكليزية خبرا بتاريخ 27/11/2012 عن ظاهرة غريبة حدثت في استراليا مفاده : ان مياه احدى البحيرات قد تحولت من اللون الازرق الى اللون الاحمر لفترة وجيزة ، والعلماء عاكفون على تحليل هذه الظاهرة لمعرفة اسبابها .. ومن اليسير حقا امكانية ان يربط المرء بين هذه الظاهرة الغريبة وما حصل من تحول في لون التربة المأخوذة من قبر الحسين عليه السلام والتي تحول لونها من البني الداكن الى اللون الاحمر القاني امام انظار الملأ يوم العاشر من محرم ، ويتساوق ذلك- ايضا- مع ما ذكر في الرواية التي وردت في كتاب تاريخ الانكلو – سكسون والتي نصت على ان السماء قد أمطرت دما في عام 685م ، وكل ذلك يعزز من الرواية التي نقلتها ام سلمة – رض- في حديث القارورة التي تحولت الى دم.
يمكن تعريف المعجزة اختصارا : انها خرق للمألوف المادي البشري ، لكن ما يعد معجزة في عصر ما قد لا يكون بالضرورة معجز في عصر اخر ، فمثلا كان تحليق كتلة ضخمة من المعدن بحجم الطائرة في الهواء معجزة بالنسبة الى الناس الذين يعيشون في العصور الوسطى ، وكذلك يكون معجزا بالنسبة لنا وجود المرء بمكانيين بعيدين تفصل بينهما لحظة زمنية قصيرة ، اي قد يكون المرء موجودا في العراق الان وبعد لحظة زمنية قصيرة كأن تكون ثانية او ثانيتين يتواجد شخصه في واشنطن ، فهذا الفعل معجز بعرفنا ، ولكن العلم يوعد بتحقق هذا الامر مستقبلا ، وعندها لن يكون ما حدث في زمن النبي سليمان (ع) معجزا عندما احضر له عرش بلقيس.
لذا علينا ان نتمعن جيدا بمفاهيم الاعجاز و المعاجز التي نتداولها ، لان كثيرا من الناس لا يؤمنون بوجود الخوارق المادية والبقية منهم لا يصدقونها وان حدثت في زمن ما ، بل هم يطلبون حدوثها في كل زمن ، وهذا امر مخالف لطبيعة المعجزة بالفعل الغيبي ، لذلك فان فاجعة كربلاء ليست بحاجة الى معجزة تؤكد او تثبت حقيقتها بل هي معجزة بذاتها ، بدءا من توصيفها اللغوي وانتهاء بفعلها المتحقق الملموس ، وهي معجزة بمعناها القيمي الخارق لما هو مألوف في طبيعة البشر الروحية و الغرائزية ، فمثلا تعجز اللغة عن توصيف ذلك الفعل الاجرامي المفارق لمعنى انسانية بني ادم ، كما انها تعجز عن اعطاء دلالة محددة للحادثة ، هل هي فاجعة ، ملحمة ، واقعة ، مأساة ، أو هي شيء اكبر من ذلك كله ؟ ان عجز اللغة عن التوصيف يعني عجز الانسان ذاته.
فالمعجزة الكونية يمكن تفنيدها او يمكن حل شفرتها مع تقادم الزمن ، لكن الذي لا يمكن فهمه والذي لا يمكن حدوثه وتكرره عند بني البشر هو ما حدث على يد الحسين وأهل بيته عليهم السلام ، فالفعل بكل توصيفاته يعد خارقا لما هو مألوف في طبيعة البشر ، والشواهد على ذلك من ملحمة الطف كثيرة جدا ، حتى ليخال المرء ان هؤلاء القوم هم اناس نزعت عنهم الغرائز الخبيثة المعروفة لدى غيرهم ، وهم اشبه بالملائكة منهم بالبشر وبالمقابل فان اعداءهم اناس قد نزعت عنهم غرائز الخير و القيم الانسانية فهم اشبه بالحشر .. ولو اخذنا بعض الامثلة على سبيل المقارنة عن قوة القيم الانسانية بين الحسين و اخيه العباس (عليهما السلام ) حيث المشهد الذي يرمي فيه العباس الماء من يديه عندما يتذكر عطش اخيه الحسين ويؤثر على نفسه ان يشرب الماء دونه وما حدث في ايام بني العباس من فتنة بين الامين والمأمون والتي ادت الى مقتل الامين على يد اخيه ، لاتضح جليا الفرق بين اهل بيت النبوة (عليهم السلام) و اعدائهم .
أما المثال الاخر فيتمثل في صبر وتحمل الامام الحسين (ع) لمشاهدة ومعايشة كل ما يحدث لحظة بلحظة : لابنائه ، اطفالا ورضعا ونسائه و اهل بيته من ذبح وقطع للرؤوس و الارجل و الايدي وهتك للحرم ، وفي نهاية المطاف تجده وحيدا متجلدا صابرا فرحا بما شرفه الله تعالى به من نيل الشهادة ، ان هذه القيم التي يندر ان يتحلى بها بشر هي المعجزة الحقيقية التي لا يمكن ان تفنى مع تقادم الزمن ولا تحتاج الى برهان على صدقها لان الاخرين من البشر لا يستطيعون تمثلها ولا يمكن ان تشكل في سلوكياتهم فعلا ملموسا ، كما تشكلت في مشاهد فاجعة كربلاء.
كما يمكن ان يكتشف الاعجاز عند التمعن بالفعل المضاد الذي قام به اعداء الحسين (عليه السلام) ، فلم يكتفوا برميه بسهم او عشرة بل جعلوه مرمى لسهامهم الحاقدة حتى وقعت النبال على النبال ، ثم احتزوا رأسه الشريف ومثلوا بجسده الطاهر ، ولم يكتفوا بذلك بل جعلوا جثمانه الطاهر ميدانا تتبارى عليه خيولهم سحقا وتهشيما ، ان هذا الحقد غير الانساني يعكس ويناقض ويظهر في الوقت ذاته قيم السمو التي يتمتع بها سيد الشهداء والتي لم تستطع كل افعالهم القبيحة ان تطمسها ، وكأنما ارادوا بافعالهم الشنيعة تلك محو المعجزة ونفيها خارج الذاكرة ، لكن الفعل الملموس والمعجز يأبى إلا ان يكون ساطعا مشرقا ساميا ينفذ الى البصائر قبل الابصار، فالمعجزة التي تراها الاعين ربما تكون خادعة ولكن المعجزة الحقيقية هي التي تعيها القلوب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat