ملخص بحث ( الغدير ... رؤية قرآنية )
د . خليل خلف بشير
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . خليل خلف بشير

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ،والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين محمد الصادق الأمين ،وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وبعد : هذا بحث كتبته استجابة لدعوة من مهرجان الغدير العالمي الأول ،وقد تناولتُ فيه قضية الغدير من رؤية القرآن مستنطقاً آراء المفسرين من الفريقين مركزاً على ثلاث آيات اختصت بهذه القضية هي ( آية التبليغ ، وآية إكمال الدين ، وآية السائل ) مناقشاً آراءهم ،وقد توصلتُ الى ما يأتي :
1- في آية التبليغ ،وهي قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) يختلف الخطاب القرآني عن خطابه النبي بقوله ( يا أيها النبي ) التي تكررت كثيراً في القرآن الكريم فالخطاب الأول أهم إذ يدل على الأهمية الفائقة الذي استلزم أن يقع الرسول الأكرم مورداً للخطاب الإلهي مباشرة ثمّ أن كلمة ( بلغ ) التي لم ترد إلا في هذا الموضع تدل على خصوصية المضمون الذي تحمله الآية فقد أُمر الرسول بتبليغ أمر على درجة من الأهمية بحيث لو قصّر في تبليغه للناس لذهبت أتعاب ثلاث وعشرين سنة ،وذلك مصداقه قوله ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) فتبليغه كان ثقيلاً على النبي (ص) لخوفه من استنكاف الناس عن قبوله وإيذائهم له إذ توعده الله وهدّده على ترك تبليغه فإنه لا يقال مثل هذا التعبير إلا إذا كان الأمر ثقيلاً على من يُراد خطابه لذا عصمه تعالى من الناس بقوله ( والله يعصمك من الناس ) على أن مجيء الفعل مشدداً ( بلّغ ) أبلغ من تعديته بالهمزة ( أبلغ ) ،وقد خاطبه بالرسالة لكونه أنسب الصفات إلى ما تتضمنه الآية من الأمر بالتبليغ لحكم الله النازل فهو كالبرهان على وجوب تبليغ هذا الأمر الإلهي فتحمل الرسالة يفرض عليه القيام بالتبليغ ،ولم يصرح باسم الذي أُنزل إليه من ربه ،وإنما عبر عنه بالنعت ،وإنه شيء أُنزل إليه إشعاراً بتعظيمه ودلالة على أنه أمر ليس فيه لرسول الله (ص) صنع ،ولا له من أمره شيء ليكون برهاناً آخر على عدم كتمانه وتأخير تبليغه ،ويكون معذوراً في إظهاره على الناس ،وتلويحاً إلى أنه مصيبٌ في تفرسه منهم ،وتخوفه عليه ،وإيماءً إلى أنه مما يجب أن يظهر من ناحيته وبلسانه وبيانه.
2- وفي آية إكمال الدين وإتمام النعمة ،وهي قوله تعالى ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) يؤثر التعبير القرآني تقديم كلمة ( اليوم ) مرتين في سياق الآيتين للدلالة على تعظيم أمر اليوم لاشتماله على خبر عظيم الجدوى ،وهو يأس الكافرين من دين المؤمنين ،وإكمال الدين وإتمام النعمة فالآيتان مسوقتان لغرض واحد يتفرع إلى فرعين الأول : هو تقرير بأن الكفار قد يئسوا من أن يستطيعوا تدمير الإسلام وبالتالي فلم يعد هناك مبرر لخشيتهم على الإسلام من هذه الجهة. على أن الأمر الإلهي بخشيته هو سبحانه هو الضمانة الأكيدة لاستمرار النصر الإلهي على الكافرين ،والثاني هو إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الله سبحانه بالإسلام لنا ديناً. وهنا أيضاً ليس هناك شيء جديد، غير إمامة علي وأولاده ( عليهم السلام )، يستدعي أن يبشرنا الله تعالى أنه به قد أكمل دينه وأتم نعمته ورضي لنا الإسلام ديناً، بل إن قوله: ﴿ورضيتُ لكم الإسلام ديناً﴾ ليس يعني سوى أن الإسلام لا يتم إلا بإمامة الإثني عشر ( عليهم السلام ) وإلا لكان الله تعالى قد رضي لنا الإسلام قبل ذلك ،وهذا يؤكد ما تذهب إليه الشيعة الإمامية الاثنا عشرية من أن الإمامة أصل من أصول الدين لأنه بهذه الإمامة رضي الله الإسلام ديناً كاملاً، ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾. فكأن الدين كان ناقصاً فتم بإعلان إمامة الإثني عشر ( عليهم السلام ) في يوم الغدير السعيد.
فإذا علمنا من النحويين أنّ ( أل ) في كلمة ( اليوم )عهدية التي معهودها حاضر ذهنياً أو عقلياً أو مكانياً أو زمانياً فلابد أن يكون هذا اليوم معهوداً ومشهوداً مشاراً إليه بالبنان ،وهو يوم الغدير لذا سمي بعدة تسميات منها : يوم العهد المعهود ويوم الشاهد والمشهود ، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود ، ويوم البيان عن حقائق الايمان ، ويوم دحر الشيطان ، ويوم البرهان ،ويوم الفصل الذي كنتم توعدون ، يوم الملأ الأعلى الذي أنتم عنه معرضون ، ويوم الإرشاد ، ويوم محنة العباد ، ويوم الدليل على الذواد ،ويوم إبداء أحقاد الصدور ومضمرات الأمور ،وغير ذلك
وفي آية السائل ،وهي قوله تعالى: ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِّنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِج﴾ لم يبقَ شك في بعض النفوس من خطورة الأمر وإطلاقه للجميع ووجوب عدم معارضته ولزوم الخضوع له، بمجيء جابر بن النضر أو الحارث بن النعمان أو النعمان بن الحارث الفهري وقال ما قال، وأجابه النبي (ص) بما أجاب، فاستكبر المرتد، فدعا وتحدّى، فقتله الله في الحال فالحمد لله رب العالمين على إكمال الدين وإتمام النعمة.. والشكر لله ولرسوله الكريم على التبليغ والنصيحة والإنذار.. والتهنئة له (ص) ولأخيه وابن عمه وحبيبه وربيبه وصهره وخليفته ووصيه، وأيضاً لأولاده المعصومين لاسيما إمامنا وولينا وأملنا صاحب الزمان المهدي بن الحسن (عجل الله فرجه) وأقرّ عيوننا برؤيته، على هذه النعمة الكبرى، إمامة الخلق أجمعين، رضي منهم من رضي وعاند منهم من عاند.. والتهنئة لإخواننا المؤمنين على ولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام جعلنا وإياهم من الشاكرين لنعمة الله بالتمسك بولايتهم وحسن إتّباعهم والبراءة من أعدائهم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat