صفحة الكاتب : د . عبد الخالق حسين

من وراء رفع صور خامنئي في العراق؟
د . عبد الخالق حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تفشت في العراق في الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة وهي ظاهرة انتشار صور رجال الدين الإيرانيين، السيد الخميني، قائد الثورة الإسلامية في إيران، والسيد علي خامنئي، مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، في مناطق عديدة من بغداد والعراق، وخاصة في تلك التي تسكنها أغلبية شيعية. وقد أثارت هذه الظاهرة استغراب واشمئزاز العراقيين من كل الأديان والمذاهب، وكذلك إزاء سكوت المسؤولين الحكوميين عنها وعدم مواجهتها بحزم.

فما هي الجهات التي تقوم بطبع ونشر هذه البوسترات الكبيرة بكثرة ودفع تكاليفها الباهظة وفي هذه الفترة بالذات؟

لحد كتابة هذه السطور، ولحد علمي، لم تعلن أية جماعة مسؤوليتها عن هذه الحملة، لذلك، ولمعرفة القائمين بها، علينا إخضاع هذه العملية لمناقشة منطقية وعقلانية، والرجوع إلى تاريخنا الحديث والتجارب السابقة. وفي هذه الحالة يجب أن نبحث عن المستفيد، والمتضرر من هذه الظاهرة.

المستفيدون هم أعداء العملية السياسية والديمقراطية في العراق، وهم معروفون لدينا: المليشيات التي تدعمها إيران، وفلول البعث.

والمتضررون هم الشعب العراقي والحكومة العراقية.

 

الاحتمال الأول، وهو تورط المليشيات التي تدعمها إيران بالمال والسلاح والتدريب، وخاصة تلك التي تفرعت من التيار الصدري وجيش المهدي، والتي عاثت بأمن المواطنين قبل سنوات مما اضطر رئيس الحكومة، السيد نوري المالكي شن حملة (صولة الفرسان) عليهم ودحرهم. والجدير بالذكر أن معظم المنتسبين لهذه العصابات هم من البعثيين الشيعة الذين وجدوا في التيار الصدري ملاذاً آمناً لهم. لذلك فهم يريدون الانتقام من الحكومة ورئيسها بمختلف الوسائل. وهؤلاء يتلقون أوامرهم من أولياء نعمتهم في إيران وعن غباء وقصر نظر. نقول عن غباء، لأن رفع صور قادة إيرانيين في العراق له مردود معاكس لما يريدون، فهكذا عمل يستفز مشاعر العراقيين، ويعتبر تجاوزاً على السيادة الوطنية، إضافة إلى ما يسببه من إحراج للحكومة العراقية التي رفضت معاداة إيران، وحرصت على إقامة علاقة حسن الجوار، مبنية على المصالح المتبادلة وعدم التدخل في شأن الآخر. 

الاحتمال الثاني، هو قيام فلول البعث بنشر هذه الصور. وقد يتساءل القارئ الكريم،  لماذا البعث، وهم من ألد أعداء إيران ورجال الدين الشيعة، وبالأخص الإيرانيين منهم؟

والجواب هو: أننا نعرف أساليب البعثيين الخبيثة في توظيف جميع الوسائل بما فيها استخدام المشاعر الدينية والطائفية والسياسية وغيرها في إثارة المشاكل ضد خصومهم، وتشويه سمعتهم، منذ ان سمعنا بالبعث أيام ثورة 14 تموز 1958 ولحد الآن. فخلال ثورة تموز، وعند نشوب الصراع الدموي بين التيار القومي العروبي، والتيار الوطني الديمقراطي اليساري، مارس البعثيون مختلف الوسائل الخبيثة لتشويه سمعة الشيوعيين، وحكومة الزعيم عبدالكريم قاسم، فاندسوا في صفوف الشيوعيين خلال المظاهرات، وأطلقوا هتافات غوغائية كانت موضع إدانة واستهجان سُجِّلتْ على الشيوعيين. ويذكر حسن العلوي (وهو بعثي سابق) في هذا الخصوص، أن البعثيين ساهموا مساهمة فعالة في بث الإشاعات، ونشر شعارات، وهتافات غوغائية، بل وحتى قاموا بتمزيق القرآن وإلصاق التهمة بخصومهم الشيوعيين، وحبسهم من قبل محكمة شمس الدين عبد الله. (حسن العلوي، عبد الكريم قاسم.. رؤية بعد العشرين، ص57.)

كما ويذكر العلوي مثالاً آخر على خبث البعثيين في هذا المجال، فيقول: "البعثيون يتقمصون سلوك الشيوعيين في تشويه سمعة الشيوعيين، كبة حلب أم كبة موسكو!! حدث في تلك الفترة، وكانت مجاميع من أنصار الحكومة تحكم سيطرتها على الشارع. فدخلنا مطعم تاجران في الباب الشرقي، بعد أن تسلحنا بوضع حمامات السلام على صدورنا، والتي كانت تباع على قارعة الطريق، حتى إذا أخذنا مكاننا على مائدة وسط الصالة، وحضر العامل لإستطلاع رغباتنا، بادره أحدنا، حميد رجب الحمداني.. جيب كبة موسكو… فاعتدل العامل بدهشة.. متأسفين لا توجد مثل هذه الكبة. فاصطنع حميد الانفعال وعلا صوته.. لماذا يا ناس، كبة موسكو لا توجد؟ ماذا عندكم يا متآمرين. هنا حضر صاحب المطعم وقد تدلى كرشه إلى الأمام، وهو يعتذر بخوف وانتهازية عن التقصير قائلاً: هل تسمحون بوصف هذه الكبة حتى أحضرها لكم غداً؟ قال حميد.. هات قائمة المأكولات .. وأشار بإصبعه إليها قائلاً هل فهمتم؟ هذه التي كان أعداء الجمهورية والزعيم يسمونها كبة حلب. ولم يكن من صاحب المطعم إلا أن يبادر على الفور لشطب حلب وكتابة الاسم الجديد." (نفس المصدر).

وكذلك نعرف دور البعث إثناء حكمهم، في الحط من مكونات الشعب العراقي، وبالأخص سكان الوسط والجنوب. فنظام البعث المقبور شن حملة تسقيطية ضد الشيعة بعد انتفاضة آذار الشعبانية عام 1991، ووصفهم بعملاء "الفرس المجوس"، وأبشع النعوت البذيئة في سلسلة مقالات في صحيفة الثورة، بعنوان (لماذا حصل ما حصل). كذلك ساهم بعض الحكام العرب في هذه الحملة التسقيطية ضد العرب الشيعة والعراق الجديد، إذ صرح الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، أن ولاء العرب الشيعة ليس لأوطانهم العربية بل لإيران. وكذلك الملك الأردني عبدالله الثاني صاحب مقولة (الهلال الشيعي).

إذنْ، الغاية من رفع هذه الصور ليؤكد البعثيون، ومن يساندهم من المشاركين في السلطة، للرأي العام، ولأمريكا بالذات، أن ولاء الشيعة وحكومة المالكي هو لإيران وليس للعراق، وأنه منذ سقوط حكم البعث بفضل أمريكا، صار العراق مستعمرة إيرانية، وأن الحكومة العراقية التي يرأسها رجل شيعي، هي تابعة لحكومة ولاية الفقيه، والامتثال لأوامرها وتعليماتها!!

كذلك لرفع هذه الصور في المناطق الشيعية من العراق وفي هذه المرحلة بالذات، علاقة بتصاعد الأزمة بين الغرب بقيادة أمريكا وإيران حول برنامج الأخيرة النووي، واحتمال اندلاع حرب تحرق المنطقة كلها. لذا، فالقائمون بنشر هذه الصور يريدون أن يقولوا لأمريكا أن حكومة المالكي هي متعاونة مع إيران ضدكم وهذا هو الدليل!

مثال آخر في حملة نشر الصور بأساليب خبيثة ولغايات بعثية معروفة، نشرت صحيفة أمريكية قبل أشهر، تقريراً جاء فيه أن خصوم المالكي يقومون بالليل بلصق صوره على الجدران في شوارع بغداد، ليقولوا للعراقيين أن المالكي دكتاتور نرجسي مثل صدام حسين. وأضافت الصحيفة أن أنصار المالكي كانوا يقومون بإزالة هذه الصور من الشوارع في النهار.

وفي عام 2009، قامت مجموعة عسكرية في الموصل بحمل بوستر كبير للمالكي على الأكتاف، تتقدم مسيرة عسكرية تشبه تماماً ما كان يجري لصدام حسين في عهده البائد، في محاولة متعمدة ومخططة مسبقاً لأغراض كيدية، لمنح خصوم المالكي ذريعة للهجوم عليه وتشبيهه بصدام. قارن رجاءً بين الصورتين في هذا الرابط:

http://akhbaar.org/home/2012/10/136434.html

وفعلاً نشرت صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية في اليوم التالي (2/7/2009) تقريراً يضم تلك الصورة لتشبيه المالكي بصدام، واعتبرت المالكي معادياً لأمريكا. وقد حذرنا في وقتها المسؤولين من هذه اللعبة بمقال لنا بعنوان: (هذه الصورة ليست في صالح المالكي).

ونفس العملية تتكرر اليوم، فيتهم البعثيون الشيعة وقادتهم بالعمالة لإيران، و يقومون برفع صور الخميني وخامنئي في بغداد والنماطق الجنوبية، ومع الأسف وقع بعض السياسيين الشيعة في الفخ البعثي فراحوا يدافعون عن تلك الظاهرة بدلاً من إدانتها، رغم صدور أوامر من رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بإزالتها.

خلاصة القول، نستنتج من كل ما تقدم، أن الغرض الرئيسي من نشر صور الخميني وخامنئي في المدن العراقية هو لإثارة بلبلة فكرية، وإشعال فتنة طائفية، وتشويه سمعة الحكومة العراقية وإرباكها، وكذلك له علاقة بالصراع بين الكتل السياسية حول المناصب، والصراع الإيراني - الأمريكي، ولتحريض أمريكا ضد المالكي وإظهاره بأنه متعاون مع إيران ضد أمريكا، وها هي الصور تشهد بذلك!

لذا نطالب الحكومة، وكافة المسؤوليين في المحافظات، وكل الخيرين الحريصين على مصلحة العراق وشعبه عدم السقوط في الفخ البعثي وأنصار البعث، بل مواجهة هذه الظاهرة بحزم، وذلك بإزالة جميع صور الزعماء الأجانب فوراً، والبحث عن القائمين بهذه اللعبة القذرة، ومعاقبتهم والتشهير بهم، ليكونوا عبرة لمن اعتبر.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي

أرشيف الكاتب على موقع الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org/m.asp?i=26


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الخالق حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/10/07



كتابة تعليق لموضوع : من وراء رفع صور خامنئي في العراق؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : ابو الحسن ، في 2012/10/08 .

لست مدافعا عن السيد الخميني او السيد الخامنئي وارفض رفع صورهما ليس لكونهما ايرانيين ولكن ارفض رفع اي صوره لكي نحرر العقل العراقي من عباده الاصنام على طريقه ان العرب تعبد رموزها كما الثورات تاكل رجالها
ان مما يؤسف له حقا ان يتحول العراق بعد الاحتلال الى ساحه لعرض الصور وبكافه الاشكال والاحجام والالوان والعبارات التي ما انزل الله بها من سلطان
لقد حرم سماحه السيد السيستناني رفع صوره بالاماكن العامه وفي استفتاء موجود بعد الاحتلال مباشره
كنت اتمنى على السيد كاتب الموضوع ان ينتقد حاله انتشار صور كل الرموز الدينيه والسياسيه والعشائريه التي انتشرت انتشارا واسعا في العراق عامه وابغداد خاصه بحيث صرنا نرى العجب العجاب للمبالغ الطائله التي صرفت على هذه الصور والجداريات التي لا مهنى لها سوى عباده الرموز وهدر الاموال الطائله
هذه صور وجداريات الشهيد الصدر الثاني تملاء العراق عرضا وطولا
هذه صور السيد حسين الصدر تملاء الكاظميه طولا وعرضا
هه صور السيد مقتدى تملاء العراق عرضا وطولا
هذه صور السيد رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحه تملاء العراق عرضا وطولا
تصورو تم ايقاف تطوير احد شوارع بغداد خشيه رفع جداريه المولى المقدس والمحصله الجداريه بقت والشارع توقف تطويره
لقد تحولت وزاراتنا وجامعاتنا ومدارسنا الى معرض صور مجاني
لا يتسع المجال لذكر العبارات الرنانه والطنانه المكتوب اسفل الجدرايات على طريقه انا حررتكم فلا تجعلوا اي احد يستعبدكم وكئننا كنا عبيد وجاء المولى ليحرننا
او على شاكله جداريه مقتدى المسمى بالصدر الثالث وهو يقول اطمئنوا ما دمت موجود يعني جايب السبع من ذيله
تعالوا الى وقفه شجاعه لرفع هذه الصور كافه وبدون استثناء والاستفاده من مبالغها الطائله في اعانه الفقراء والمتضعفين
والله من وراء القصد هو حسبي عليه اتوكل واليه انيب




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net