الفساد فتنة .. والفتنة فساد
معمر حبار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تلبية لرغبة أستاذنا: نوفل قاسم علي الشهوان nawfal057@yahoo.com من عراقنا الحبيب، الذي طلب مني أن أعقّب على مقال:
"صباح الخير أيها الفساد" للأستاذ المغربي: عبد العزيز كوكاس.
هناك بعض المظاهر لايمكن فهمها واستيعابها، إلا إذا كان المرء شاهد عيان، أو اكتوى بجمرها، أو ضحية من ضحاياها، متعرّضا في سبيل دفعها وكشفها إلى التهديد والوعيد، مبيّنا عبر حبره ومواقفه لمخاطرها وجُرم أصحابها.
والفساد أيّ كان نوعه وشكله، لايمكنه إلا أن يكون نقطة من هذه النقاط، مايعني أن المرء يعي جيّدا معنى الفساد، لأنه عنصر من عناصره، بصمته وقوله وفعله وإقراره وحياءه وميله وتفسيره وخوفه وحكمه، فهو لايعدو أن يكون أحد اللاّعبين. لاعب ممتاز في درء الفساد بما أوتي من مهارة وسرعة وقوة وبُعد نظر، تُمكّنُه من توجيه الضربة المناسبة في الوقت المناسب، بالطريقة التي يراها تناسب الفعل ورد الفعل، أو يكون لاعبا سيّئا تُمرّرُ عبره الكرات السيّئة، فيكون عبئا على فريقه ومشجّعيه.
والفساد لالون له، ولا وطن، ولا يُميّزُ بمظهر، بدليل أن بعض ألوان الفساد التي توجد في الدول الراعية للقطط والكلاب، هي نفسها وزيادة توجد في الدول الآكلة لها، والسّرقة التي تحدث أثناء الطواف بالكعبة والوقوف بعرفة وفي شتى المساجد، تدل على أن الفساد لاوطن له، وأن الفساد إذا استشرى عمّ المُقدّس وأخفاه إلى حين، ويكفي المرء أن يزور المحاكم يوما، وسيصاب بالفزع حينما يرى لأوّل مرة، سادة المجتمع يطأطئون الرؤوس حياءً وخجلاً مما ارتكبوه في حقّ أنفسهم والمجتمع وممن كُلّفوا بحمايتهم وصونهم والدفاع عنهم، فالطبيب والأستاذ والمحامي والقاضي والإمام والمهندس والأب والأم والأخ والجار، كلّهم مُتّهمُون بما تخرّ له الجبال هدّا.
فإذا كانت الفتنة، هي كلّ أمر يشغل ويلهي عن صالح الفرد والمجتمع، ويجعل صاحبها يُفرغُ طاقاته فيما يضر ويهلك، كذلك الفساد فهو فتنة لصاحبه والمتضرر معا، لأنه يُمسي في مجتمع قابل للفساد قدوة يُقتدى به، وتثبيطا لغيره من الذين لايرضونه لأنفسهم وأهليهم والمجتمع.
وحريّ بالمرء أن يقبر كل فساد في مهده ويقطع عنه الطريق، لأنه إذا شبّ وأمست له أنياب وأظافر، تحوّل إلى فتنة تأكل الجاني والضحية معا، ولم يعد ينفع معه من علاج غير البتر.
فإذا كان الفساد في فترات الحضارة والرقي، محصورا بين أسوار القصر والتاج،يمكن كبحه وإخماد ناره، فإن الفساد في عصرنا عمّ كل أرجاء المجتمع وأتى على البنيان كلّه، فانتقل الفساد خارج الأسوار ولم يعد أحد في منأى عنه.
إذا كان الأستاذ المغربي، عبد العزيز كوكاس يقول في مقاله:"صباح الخير أيها الفساد"، أن "الفساد في المغرب لا ينام"،فالقارئ لامحالة يدرك أن فتنة الفساد في أرجاء المعمورة لاتنام، فهي ليست حكرا على شبر دون آخر وإن تفاوتت في الحجم والضرر، فاستوجب من المجتمع أن لايهدأ له جفن ولا ينام.