صفحة الكاتب : هيفاء الحسيني

احجار كريمة
هيفاء الحسيني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )). وعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم انه قال " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " .

فالصوم وان كان واجبا شرعيا لازما ، فانه في الوقت ذاته تمرين للبدن والروح لتحمّل مشاقّ الجوع والعطش وحرمان النفس من ملذات الدنيا ومفاتنها .

واذا كان شهر الصوم مناسبة لتنقية الروح من ادران الحياة ، ومراجعة للذات عمّا ارتكبت من اخطاء ، فانه في بلاد المسلمين فرصة لتلاقي الاحباب ، وتسوية الخلافات ، والصفح عن اخطاء الآخرين ، ماكان منها بقصد او بغير قصد .

ولأن لأيام الصيام في العراق طعم خاص ، يتجلى فيها كرم العراقيين وعطفهم ، ويتسابق فيها الصائمون لأداء الطاعات ، فان لأخوتهم وابناء جلدتهم في اراضي المهجر قصصا كثيرة في هذا الشهر الفضيل تنمّ عن المعدن الاصيل الذي انحدروا منه ، والارض الطيبة التي نبتوا فيها .

وربما يدور في خلد البعض ممن لم يجرّب حياة الغربة ووجع الارتحال الاجباري عن ارض الوطن ، ان البقاع الجديدة التي نزل فيها كثير من العراقيين ، بكل مافيها من مغريات ومفاتن ، قد تنسيهم اصولهم التي تربوا عليها ، وتقاليدهم التي عاشوها ، ومنها تجربة صيام رمضان ، وقيام لياليه ، ومزاولة الطاعات التي امر بها الرحمن في هذا الشهر الفضيل .

كما ان البعض يمكن له ان يتصور ( عن قصر نظر ) ان المكان هو الذي يمكن ان يحدد سلوك الناس ، فان كان فضيلا كان الناس فيه فضلاء ، وان كان عكس ذلك ، فأن مفاسده يمكن ان تنسحب عليهم .

ولهؤلاء واولئك نقول : ان المعدن الاصيل والحجر الكريم ، دائما مايخرج من جوف ارض جرداء ، يختلط فيها بالرديء من المعادن والرخيص من الاحجار .  

والعراقيون في المهجر رغم مرارة غربتهم ، والمسافات الشاسعة التي تفصلهم عن منبتهم الاصلي ، هم معادن ثمينة ، واحجار كريمة (( لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة ، يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار )) .

ففي اميركا ، تلك الارض التي يفصلها عن العراق بلدان ومحيطات ، يعيش العراقيون ايام الشهر الكريم ، بكل ما تحمله من نفحات ايمانية ، يمارسون تقاليدهم وطقوسهم الرمضانية ، كما لو انهم بين ظهراني احبتهم واخوانهم في الدين والمعتقد ، فموائد الرحمن عامرة بالأكلات العراقية التقليدية التي تبدأ بالتمر واللبن ، ولا تنتهي بالحلويات المطعّمة بالفستق والجوز ، تتحلّق حولها عوائل اكرمت بعضها بعضا ، وتناوبت على اقامتها في منازلها ، او في مساجد الله التي تكتظ بالمصلّين كل يوم ، حتى يظطر البعض الى الصلاة خارج قاعة المسجد . ويحرص الكثيرون على عدم تفويت فرصة الاستزادة من ثراء علم رجال وهبوا انفسهم لخدمة الاسلام والمسلمين عبر محاضرات تثقّف في الدين وتذكّر من نسي بالتزاماته تجاه ربه . وفي مشيغان وهي الولاية التي يعيش فيها اكبر عدد من العراقيين نجد ان التقاليد العراقية والاسلامية مازالت راسخة في نفوس الناس ، وانك حين تتجول في المراكز الاسلامية المنتشرة هناك ترى ذلك التلاحم الكبير الذي يجمع المسلمين سواء كانوا عراقيين او عرب او من جنسيات اخرى ، يجمعهم التسامح والحب الاخوي الذي دعا اليه الدين الاسلامي الحنيف .

والمجمع الاسلامي الثقافي هو واحد من المراكز الاسلامية التي تدعو للفخر والاعتزاز حيث يواظب الشيخ عبد اللطيف برّي على تقديم المحاضرات الدينية التي تلقى قبولا وترحيبا من الجالية العراقية هناك ، اضافة الى الجاليات العربية الاخرى من لبنانيين وتونسيين ومصريين وآخرين من دول عربية شتى .

والصورة الاكثر اشراقا انك ترى بين هؤلاء مجموعة من الاطفال برفقة آبائهم وهم يجلسون لينهلوا من نبع الاسلام وقيمه النبيلة ، على الرغم من ان بعض هؤلاء كانوا قد ولدوا خارج وطنهم ، حرصا من عوائلهم على ان يبقى الابناء قريبين من لغتهم ودينهم وتقاليدهم وقيمهم الروحية .

والصورة لا تختلف حين تصل الى واشنطن العاصمة التي تتوزع على ارضها المراكز الاسلامية والمدارس التي تعلّم اللغة العربية ، وحتى وان اتجهت الى اقصى غرب الولايات المتحدة الاميركية ، وبالذات في اريزونا وكالفورنيا فان نفحات رمضان المباركة تجدها جليّة في وجوه العراقيين ، اللذين لم يدّخروا جهدا في توفير الاجواء الايمانية لعوائلهم والسعي لاستنساخ كل مايمت بصلة لاجواء رمضان في وطنهم العراق .  

نعم هذه هي الصورة التي نراها تتكرر كل يوم من ايام الشهر الفضيل بين العراقيين هنا ، وهي صورة نعتقد جازمين ، نها تتطابق مع صور اخرى في اي ارض ينزلون فيها . وكلما بعد هؤلاء ، يزداد تشبثهم بارثهم وتقاليدهم ، وهم يعلّمون ابنائهم كل يوم ان الزمن مهما طال ، فلا بد من العودة الى الاصل ، واصل الاشياء عند العراقيين ، ان لا بديل مهما كان عن ارضهم ، واهلهم وناسهم الطيبين . 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هيفاء الحسيني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/14



كتابة تعليق لموضوع : احجار كريمة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net