بسم الله الرحمن الرحيم
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ{79}
هناك قولين او ربما اكثر في سبب نزول هذه الاية الكريمة , نكتفي بذكر اثنين:
1- يروى ان نصارى نجران زعموا ان عيسى (ع) امرهم ان يتخذوه الها , حاشا لله ! .
2- طلب بعض المسلمين ان يسجدوا للرسول الكريم محمد (ص) , وقد نهاهم (ص) عن ذلك .
فتكون الاية الكريمة في محل الرد على تلك الادعاءات , وتبين ان من يؤتيه الله عز وجل كتابا او حكما او نبوة , لا يمكن ان يدعوا الناس لنفسه , بل يدعوهم لعبادة لصاحب الدعوة جل وعلا .
وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ{80}
تكمل الاية الكريمة موضوع الاية الكريمة السابقة , وتصرح انه لا يمكن لنبي مرسل من قبله عز وجل ان يأمر بأتخاذ معبودا غيره جل وعلا , كما اتخذ الصابئة الملائكة , و اليهود عزيرا (ع) , والنصارى عيسى (ع) , والغريب , انهم جميعا يدعون ان أنبياءهم (ع) أمروهم بذلك , وشرعوا لهم تلك العبادة .
وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ{81}
تروي الاية الكريمة ان الله عز وجل قد اخذ ميثاقا وعهدا من جميع الانبياء والرسل بالايمان والتصديق بالرسول الكريم محمد (ص) , وقد اشهدهم على ذلك .
المستفاد من الاية الكريمة , ان الله عز وجل قد اخبر جميع الرسل والانبياء بأمر النبي الخاتم محمد (ص) , فآمنوا به جميعا , واعدوا له النصرة , وشهدوا عليه (ص) انه مرسل من قبل الله عز وجل , بما لا يترك مجالا للشك في شأنه (ص) , وبدورهم ( الانبياء والرسل ) اخبروا أممهم عنه (ص) , وامروا من شهد ظهوره , وعاين شخصه ان يتبعوه من غير لبس او تشكيك ! .
فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{82}
تشير الاية الكريمة الى ان اهل الكتاب كان لديهم العلم التام بأمره ونعته (ص) وكما اخبروهم به أنبيائهم , فمن يعرض بعد كل تلك الادلة , لا يكون الا فاسقا , خارجا عن دين الله تعالى وطاعته .
أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ{83}
احتوت الاية الكريمة على على تسائل يفتح الباب لكثير من الاحتمالات والتوقعات والاراء , ويحتمل تضمنها لامور مستقبلية , على عدة وجوه , نذكر منها :
1- ( وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ ) : قد يستدل بهذا النص على وجود كائنات عاقلة , تعيش في كوكب ما , كما ويحتمل ان يكون المقصود به الملائكة (ع) ! .
2- ( وَالأَرْضِ ) : يسكن في الارض صنفين من المخلوقات العاقلة , الجن والانس , لكنهم لم يسلموا جميعا , بل عدد العاصين منهم يفوق عدد المؤمنين , ويحتمل ان يكون المقصود يشمل المخلوقات الغير عاقلة ! .
3- ( طَوْعاً وَكَرْهاً ) : يشير النص الى ان هناك من آمن بالله تعالى طواعية كالمؤمنين , وهناك من آمن كرها ( المنافقين ) , وهناك من المخلوقات ( ربما عاقلة او الغير العاقلة ) كانت منقادة وخاضعة لامره تعالى بحكم الخلقة والفطرة ! .
4- ( وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) : يشير النص الى يوم القيامة , ويبدو انه لا يخص المخلوقات العاقلة فقط ( الجن والانس ) , بل ويشمل الغير عاقلة ايضا ( كالحيوانات والحشرات ... الخ ) .
والله اعلم .
قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{84}
الاية الكريمة توجه الخطاب للنبي محمد (ص) والمؤمنين , يأمر الخطاب بضرورة الايمان بعدة امور , يجب ان يؤمن يعتقد بها ويتبناها المسلم :
1- ( آمَنَّا بِاللّهِ ) .
2- ( وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا ) .
3- ( وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ ) .
4- ( وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ ) .
5- ( لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ ) .
6- ( وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) .
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{85}
صريح الاية الكريمة , لا يقبل الله تعالى دينا غير الاسلام , بظهور الاسلام يوقف العمل بكافة الديانات الاخرى , حتى وان كانت سماوية ! .
كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{86}
تعد هذه الاية الكريمة مكملة للاية التي سبقتها , وتطرح تسائلا ( كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) , فمن يبتغي دينا غير الاسلام , كيف له ان يهتدي وقد كفر ورفض رسالة خاتم الرسل والانبياء (ص) , خصوصا وانهم يعلمون بشأنه ومكان ظهوره , وقد عاهدوا وشهدوا امام انبياءهم بالايمان له , واتباع نهجه وسنته ! .
أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ{87} خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ{88}
تستكمل الايتين الكريمتين ما جاء في الايات الكريمة السابقة , وتذكران جزاء من اتخذ دينا غير الاسلام .
إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ{89}
تستثني الاية الكريمة من تاب واصلح , ( فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .
حيدر الحدراوي
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat