بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{71}
تخاطب الاية الكريمة اهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) خطابا مباشرا على نحو السؤال , في منحنيين :
1- ( تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ) : اكساء الباطل صبغة الحق , واكساء الحق صبغة الباطل .
2- ( وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ ) : الحق واضح , معروف ومشخص , في كتب واخبار اهل الكتاب , في امر بعثة نبي اخر الزمان , محمد (ص) , حيث كانوا يعرفونه (ص) بأسمه ولقبه وكنيته , وحتى علامته (ص) .
الملفت للنظر , ان الاية الكريمة اختتمت بــ ( وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) , أي انهم يعلمون انهم على باطل , ويعلمون جيدا انهم يحرفون ويزورون اخبار و نصوص كتبهم , فتكون الاية الكريمة في محل فضحهم , والكشف عن كل ما يحجبونه ويسترونه عن عامة الناس .
وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{72}
تذكر الاية الكريمة طائفة من اهل الكتاب , ليس جميعهم , بل بعضا منهم , حيث ان حرف الجر ( من ) هنا للتبعيض , لابد ان في ذلك اشارة الى وجود جماعة متخلخلة بين اهل الكتاب من اليهود والنصارى , تمارس اعمالها بشكل سري وخفي , فلا يعلم الاعم الاغلب من اهل الكتاب بشأنهم وغاياتهم , بدلالة منطوق الاية الكريمة ! .
الملفت للنظر , ان الاية الكريمة تكشف وجود هذه الجماعة , ومساعيها للايقاع بين المسلمين واهل الكتاب ! .
وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{73}
الاية الكريمة بمثابة الرد وتحصين امة الاسلام من تلك الجماعة المذكورة في الاية السابقة , وهناك عدة وجوه ملفتة للنظر , نذكر منها :
1- ( قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ ) .
2- ( أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ) .
3- ( أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ ) .
4- ( قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ) .
5- ( وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) .
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{74}
الاية الكريمة تشير الى نوع خاص من ( الرحمة ) , لا ينالها الا الخواص من المؤمنين , ممن يشاء الله تعالى , بدلالة ( وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) ! .
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{75}
الاية الكريمة تصف حال اهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) , بصورة عادلة , حيث تضرب مثلين :
1- ان منهم من تأمنه على مال كثير , يحفظ الامانة , ويعيدها اليك كما هي , من غير زيادة ولا نقصان .
2- ومنهم من تأمنه على دينار او حتى قليلا من المال , ينكره ولا يعيده اليك , الا بعد الالحاح الشديد , او ربما استعمال شيئا من العنف ! .
كما وتبين الاية الكريمة سبب هذه العقيدة الفاسدة ( رقم 2 ) بأمرين :
1- ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ) : حيث يعتقدون ان الاستيلاء على اموال العرب حلال عليهم , بأي طريقة كانت , كونها اموالا غير محترمة , لاشخاص غير محترمون , حسب ما يزعمون ! .
2- ( وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ ) : يدعون ان الله عز وجل اباح لهم تلك التصرفات .
3- ( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) : تكشف الاية الكريمة عن انهم كانوا يعلمون ببطلان ادعاءاتهم تلك .
بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ{76}
تذكر الاية الكريمة في ختامها ( فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) , ومن لوازم تقوى الله جل وعلا الايفاء بالعهد , واداء الامانة .
من هذا المنطلق جاء عن الامام السجاد (ع) : عليكم بأداء الأمانة ، فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا ، لو أن قاتل أبي الحسين بن علي بن أبي طالب ائتمنني على السيف الذي قتل به ، لأديته إليه .
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{77}
يروى ان الاية الكريمة نزلت في اليهود الذين بدلوا نعت النبي محمد (ص) في التوراة ( تفسير الجلالين نسخة الكترونية ) , ويحلفون بالله كذبا , ابتغاء زخرف الحياة الدنيا , ومن اجل الحصول على بعضا من المال مقابل ذلك , فتوعدتهم الاية الكريمة بعدة امور :
1- ( أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ) : ليس لهم نصيب في الحياة الاخرة .
2- ( وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ ) : سوف يحرمون من هذه النعمة السابغة .
3- ( وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) : ويحرمون من هذه ايضا .
4- ( وَلاَ يُزَكِّيهِم ) : سوف لن يطهرهم الله تعالى , حيث يروى ان المؤمن المستحق للجنة , لا يمكنه الدخول فيها مباشرة , فلابد له من تطهير وتأهيل , بسبب ما اكتسب من الذنوب , مهما كانت صغيرة , فيلج في عذاب خاص , يدعوه الامام الخميني (رض) بــ ( عذاب الرحمة ) ! .
5- ( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) : النص واضح ! .
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{78}
تذكر الاية الكريمة صفة اخرى لليهود , وهي ايضا ليست عامة , بل خاصة لبعضهم وبدليل حرف الجر ( مِنْهُمْ ) ( هنا للتبعيض ) , وهي ( يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ ) , وهو اسلوب عمدوا اليه لتحريف وتغيير المعنى عن طريق تغيير اللفظ الصحيح بلّي اللسان ( اعوجاجه ) , فينتج معنى اخر , مثلا , كلمة ( بر) , اذا تم تحريك هذه الكلمة بواسطة علامات التحريك في اللغة العربية ( كسرة – فتحة – ضمة – شدة – سكون ) , فنحصل على معاني مختلفة لها , وهذه الحالة موجودة في اللغات السامية كالعربية والعبرية وغيرها .
كمثال على ذلك , كلمة ( محمد ) موجودة نصا في التوراة باللغة العبرية , ولا زالت , وتلفظ كما تلفظ باللغة العربية تماما , وهي (????? ) , فعند قراءة هذه الكلمة بصيغتها الاصلية وبدون اضافة حروف العلة تكون ( محمد ) , اما لو استعملنا اسلوب اعوجاج اللسان واضافة حروف علة , سوف تعطي لفظا اخر , معناه ( كله مشتهيات او جله لذة ) وهي موجودة في التوراة , الاصحاح الخامس العدد 16من سفر ( شيرها شيرين ) او كما يعرف بـ ( نشيد سليمان ) او ( نشيد الانشاد ) , والنص كما هو مترجم الى العربية ( حلقه حلاوة وكله مشتهيات , هذا حبيبي , وهذا خليلي ) , وفي ترجمة اخرى ( محمد كلامه شهد وهو حبيبي وخليلي ) , فيدعي اليهود ان المقصود به سليمان , ويعتقد النصارى ان المقصود به ( عيسى ) .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat