جمالية التناص القرآني في نص ابن حذلم
وفاء الطويل
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
وفاء الطويل

بشر بن (حذلم أو جذلم)
من شعراء صدر الإسلام ومن أصحاب الإمام زين العابدين (عليه السّلام)،
ليس هناك معلومات عن حياته، إلا أنه كان شاعرًا كأبيه، وقد اختلف في اسمه بين بشر بن جذلم، وبشير بن جذلم، وبشر بن حذلم، وبشير بن حذلم
وورد أنه أول من قال شعرًا في رثاء الإمام الحسين عليه السلام:
لمّا وصل الإمام زين العابدين (عليه السّلام) بالقرب من المدينة، نزل وضرب فسطاطه، وأنزل العلويّات، وكان معه بشر بن حذلم فقال له: يا بِشْرُ، رَحِمَ اللهُ أَبَاكَ لَقَدْ كَانَ شَاعِرًا، فَهَلْ تَقْدِرُ عَلى شَيءٍ مِنْهُ؟
فأنشد:
(يا أهلَ يثربَ لا مُــقـــامَ لكمْ) بها قتلَ الحسينُ فأدمعي مدرارُ
بدأ الشاعر النص بتناص قرآني، والتناص القرآني يعطي للعمل الأدبي ثقلاً
إضافة الى تجميل الأسلوب بأسلوب البلاغة القرآنية لبيان المقاصد الدينية والاعتقادية.
"يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ"
والمُقام بضم الميم الإقامة، وقوله: لا مقام لكم أي لا وجه لإقامتكم فيها بعد
أن قتل أسيادها وخيارها، وأردف بالحادثة التي تروي مقتل الحسين عليه السلام.
والمدرار: أي غزير السيلان "دَمْعٌ مِدْرار"
الجسمُ منه بـ (كربلاءَ) مضرّجٌ والرأسُ منه على القناةِ يُدارُ
حقق هـٰذا البيت بلاغة الإدهاش من خلال المعنى المباغت
ببيان الحال الذي استشهد به الحسين عليه السلام ومكان الاستشهاد
وبإيجاز في صورة مكثفة ومعبرة، مما يؤكد على غنى التجربة الشعرية عند الشاعر بشر بن حذلم، والتي أسعفته لتحقيق الوصف البليغ لملحمة عجز الزمان عن وصفها.
استطاع من خلالها أن يأخذ المتلقي لعمق المصيبة، وخلق مشاعر الأسى والدهشة بومضة شعرية موجزة، قوية، غنية بالتفاصيل..
(يا أهل يثربَ) شيـخـكـمْ وإمامكمْ مـا مـنــكــــمُ أحدٌ عليه يغارُ
نجح الشاعر في توظيف النص القرآني، بما يتلاءم تماما وسياق الأبيات، فساهم ذلك التركيب القرآني في تشكيل رؤية الأبيات، وفتح آفاقٍ ممتدة عند المتلقي
على أثر هـٰذه الومضة الشعرية يقول بشر أنه لم تبق (في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن، مكشوفة شعورهن مخمشة وجوههن، ضاربات خدودهن، يدعون بالويل والثبور، فلم أر باكيًا ولا باكيةً أكثر من ذلك اليوم، ولا يومًا أمر على المسلمين منه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.
نص ارتجالي يضج بالأسى، من بحر الكامل، القافية المتواترة
حرف الروي الراء المرفوعة
تميز بجرس الميم حيث تكرر ثلاث عشرة مرة بالأبيات الثلاثة
نقل عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ما من أحد قال في الحسين (عليه السلام) شعرًا فبكى وأبكى به، إلا أوجب الله له الجنة وغفر له.
فطوبى لبشر بن حذلم هـٰذه الأبيات الخالدة، وقد أمسى أول من رثى الإمام الحسين عليه السلام فأبكى منذ ذاك العهد حتى عصرنا الحاضر وللعصور القادمة..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat