صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

لنسأل أنفسنا بصراحة من لفلسطين اليوم؟
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لم يعد هناك شك بأننا دخلنا مرحلة الفصل بين من يدّعي تحرير فلسطين وهو مطبّع مع محتلّها، وبين من وضعوا نُصْب أعينهم مظلومية أشقائه وقضيتهم العادلة، وليس بينهما موقف وسط، منذ أسابيع سقطت جميع الحجج التي تعذّر بها الأعداء، وبالأمس برهن الصهاينة على أنّهم ماضون في تدمير غزّة وقتل وتهجير من بقي من أهلها، والعالم يشهد صلافة هؤلاء المعتدين المتحصنين بقوى الغرب التي لم تتخلص إلى اليوم من غريزتها الاستعمارية العدوانية، وعلى ذلك الأساس تتعامل مع إسرائيل على أنّها كيان يشبهها في طباعه الحضارية الرخيصة.

الحملة التي شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية هي الأشد عنفا من قبل، فقيام أكثر من 120 طائرة فانتوم متطورة بشن غارات جوية على ما تبقى من قطاع غزة، مخلفة أكثر من 300 شهيد، وما يتجاوزهم من الجرحى، بما فيهم بقية الأسرى الذي تخلى عنهم رئيس الحكومة الإسرائيلي، لهدف يريد تحقيقه، وهو الاطباق على باقي القطاع، وتدميره كليا، وانهاء وجود المقاومة فيه، وبذلك تتخلص إسرائيل من عقبة حماس والجهاد، وتُنهي حقبة من التهديدات الأمنية لمستوطناتها في غلاف غزة وحتى في عمق  فلسطين المحتلة بعدما أثبتت الحركتان أنها أصبحتا قادرتين على بلوغ تلّ الربيع بصواريخها.

وفيما أثبتت إسرائيل مرة أخرى بعد مرّات سابقة عدم وفائها بما التزمت به سابقا ولاحقا - ولا عجب فيما صدر عنها فهي سليلة قوم نقاضي عهود في التاريخ –  ولا يمكن أن يُعطى لها ميثاق، ولا أن يُقبل منها عهد، بينما يؤكّد العرب جميعا حكومات وشعوبا، بمرور الأيام وتعاقب السنين أنّهم أصبحوا خارج قضية فلسطين، ولم يعد لهم فيها شأن، سوى قلقة قليلة من أهل الإيمان، وهؤلاء انحصروا فقط في خط نهج مقاوم راسخ في التاريخ القديم والمعاصر، أغلبه من أتباع أهل البيت، ممن رفعوا ألوية الثورة في وجه الطغاة عاليا، معلنين رفضهم للظلم مهما كان مصدره.

عدا هؤلاء توضّحت الساحة العربية والإسلامية، فأغلبها منبطح لأمريكا كتركيا وباكستان والأردن ومصر ودول الخليج برمّتها، والسودان والمغرب، هؤلاء حكومات وشعوبا أصحاب وجهين، وجه مطبّع مع إسرائيل، ويأمل خيرا في مسعاه الخبيث، بالتقرب من قتلة الشعب الفلسطيني، كأنّما يريد أن يبرهن على أنّ أصوله صهيونية، وعليه أن يكون في صفّ أبناء عِرْقه، ووجوه متردّدة كما فضحتها الآية الكريمة: (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) (1) هي الأغلبية العظمى من الحكام والشعوب المخذولة، وموقفهم هذا يرون فيه مصلحة دنيوية، لدولهم في بقاء المساعدات الأمريكية الممنوحة لهم، ولا آسف على شيء بقدر أسفي على هذه الشعوب التي صدقت قادتها واعتبرت موقفهم لا يزال في صف الشعب الفلسطيني.

اليوم انكشف الغطاء وتميّزت الحقيقة من الدعوى، حيث لن ينفع شجب وتنديد في ظل من أي طرف كان ليس له تأثير على ساحة المواجهة والحرب، وتصريحات هؤلاء الحكام المغفّلين، هي مجرّد ذر رماد على العيون شعوبهم، أو هي عادة اعتادوا عليها ليلوذوا بكراسيهم خشية غضب المنظومة الصهيو أمريكية عليهم، فيفقدون سلطاتهم بمجرد أمر يصدر من واشنطن، يتهافت عملاءها المنتشرون في بلداننا على تنفيذه بأي طريق كان، عبر انقلاب أو اغتيال أو تآمر بتحريك المغفلين الشعوب، العدوان على غزة حصحص به الحق، بين من هم واقفون حقيقة مع غزة، وبين خاذلي شعبها وقضيته العادلة في التحرر، وهو عدوان همجي وحشي فاق جميع التصروات، وعلى مرأى ومسمع من العالم بأسره حكومات ومنظمات وشعوب، يراه نهج المقاومة جرائم بحق الإنسانية، يجب فيها نصرة الفلسطينيين المظلومين، المهددين بالإبادة في عقر دورهم، بينما يره النهج الاستعماري الغربي دفاعا عن إسرائيل، ومن يهاجمها ارهابيون يجب تصفيتهم، مع ادراكهم في قرارة أنفسهم بأنهم مخطئون في تصنيفهم، لذلك نرى بعض دول الغرب ترفضه ولا تلتزم به، مثل اسبانيا متجلّية في مواقف وزير الخارجية الإسباني، (خوسيه مانويل ألباريس)، الذي اعلنه منذ سنة و45 يوما، مثلا ضمير من الضمائر الحية من نخب الشعوب الغربية، الذي لم يعبر فقط عن موقف شخصي، بقدر ما اتخذ إجراءات عملية محاولة منه في ردع ما يحصل من جرائم في غزة،

الوزير الاسباني أعلن سابقا إن بلاده ستفرض من جانب واحدـ عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين، الذين يمارسون العنف في الضفة الغربية، إذا لم تتوصل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق حول هذا الأمر. وأضاف أن إسبانيا، التي تنتقد أيضا الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، ستضغط من أجل الموافقة على مثل هذه العقوبات، خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذي سيعقد في بروكسل(2). وقد مرّ انقضى الاجتماع دون أن تتمكن اسبانيا من اقناع قطيع غربي رفض الخروج من تحت الهيمنة الأمريكية.

حتى الإحتجاجات الشعبية العربية، التي تقام هنا وهناك بجهود طلائعها بهتت، ولم يعد لها بريق الثمانينات، كأنّما انقطع حبها البسرّي فلم يعد لها تواصل بين زخم شعبي هادر، وبين بضع عشرات من الأفياء، ينفذون وقفات احتجاجية بشأن قضية فلسطينية، هي واقعا مصيرية وتخص جميع شعوبنا، إذا لم يبقى سوى حل واحد يتعدي الفرضيات الشكلية، وهو التعبئة الشعبية التي لا بد منها، لإنقاذ فلسطين من براثن أمريكا وطابورها الخبيث، والمتابع للأحداث الجارية تفصيلا، يدرك بنفسه دون عناء، من بقي لفلسطين ممن باعها وتخلى عنها، غدا سيدرك المتخاذلون حجم ما فرّطوا فيه بحق اشقائهم، الذين أمر الله سبحانه بنصرتهم.

 

المصادر

1 – سورة النساء الآية 143

2 – عكس التيار الأوروبي.. كيف دعمت إسبانيا الموقف الفلسطيني خلال العدوان على غزة؟

https://www.alghad.tv/


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/03/18



كتابة تعليق لموضوع : لنسأل أنفسنا بصراحة من لفلسطين اليوم؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net