رمضانيات عراقية (الحلقة الثالثة)
د . رافد علاء الخزاعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في بلاد النهرين منبع الأديان والقوميات فيها ديانة الصابئة القديمة الممتدة عبر التاريخ في اهوار ميسان والناصرية والبصرة وكذلك الديانة اليهودية حيث كانوا يسكنون أعالي الفرات والحلة وفي كل أصقاع العراق والديانة المسيحية في مراكز المدن وفي سهل نينوى ودين الغالبية دين الإسلام كان العراق منصهر حقيقي للتعايش الإنساني في سبيل بناء البلد لولا التدخل الأجنبي والغزو المتكرر للعراق من قوميات متعددة كلها ساهمت في المنجز الثقافي والاجتماعي وتركت بصمات على أحوال المجتمع العراقي وساهمات بشكل وأخر في أغناء المطبخ العراقي بما لذ وطاب من خيرات بلاد مابين النهرين وبالتالي ان رمضان مميزا بالعراق في صوره المتعددة في بغداد والبصرة وميسان والناصرية والنجف وكربلاء والموصل واربيل والسليمانية وكركوك ودهوك صور جميلة رمضانية تركت بصمتها لتشكل اثر زاخرا في بغداد من خلال التعايش السلمي للقوميات والأديان ففي رمضان تحترم جميع الأديان الإمساك والصوم وعدم المجاهرة بالإفطار العلني إمام المسلمين وتساهم بعض الكنائس والمعابد بوضع الزينة والإنارة تماشيا مع احتفالات أهل بغداد في رمضان وكما تختلف الاماسي الرمضانية بين محلة وأخرى ومع حلول شهر رمضان المبارك من كل عام تنتشر لعبة المحيبس التراثية في الشارع العراقي الشعبي بشكل لافت للنظر وتستهوي هذه اللعبة آلاف العراقيين من لاعبين ومشجعين، وتمارس في الأحياء والمقاهي الشعبية منذ مئات السنين.
وقد اشتهرت في أقدم المحلات البغدادية القديمة كالكاظمية والاعظمية والجعيفر والرحمانية فتقام مباريات بين ابناء المنطقة الواحدة، وبين المناطق المتجاورة مثل المباريات التي تقام كل عام بين منطقة الكاظمية ومنطقة الاعظمية.
تتكون اللعبة من فريقين كل فريق يتكون من عدد من الأشخاص قد يتجاوز العشرين و يجلس الفريقان بصورة متقابلة وبشكل صفوف ويقوم أحد أشخاص الفريق الأول بوضع خاتم (محبس) بيد أحد أشخاص فريقة و يتم أختيار أحد الأشخاص من الفريق الثاني ليعرف (يحزر) مكان الخاتم، و يتم تسجيل النقاط لكلا الفريقين حسب عدد المرات التي تمكن خلالها من معرفة مكان الخاتم، والفريق الذي يحقق الحد الأعلى من النقاط (21 نقطة) هو الفائز.
ومن طقوس هذه اللعبة أن يتناول الفريقان والجمهور بعد انتهائها بعض الحلويـات العراقيـة المعروفـة (بالزلابية والبقلاوة) التي يتحمل ثمنها الفريق الخاسر. مع اغاني المربع والمقام والمواويل والاهازيج الشعبية التي تشجع اللاعبين
تهدف لعبة المحيبس الى تقوية أواصر المحبة والصداقة بين أبناء الحي الواحد، والتعارف وتوطيد المحبة والألفة بين ابناء المناطق المختلفة واعتقد ان وفرة الحلويات في بغداد خلال شهر رمضان ساهم في توثيق اللعبة الجميلة اما هذه الايام فقد برمجت لعبة المحيبس على الاي باد والاي فون والكومبيوتر لتضاهي لعبة المحيبس الحقيقية اما الأولاد والصبيان فيلعبون مع اقرأنهم من أولاد المحلة مختلف الألعاب الشعبية فكنا نعلب العظم الضائع وهي نحتفظ بعظم إحدى الخراف ويقوم احد اللاعبين بدقه على احد الأعمدة ورميه لمسافة بعيدة ويقوم أعضاء الفريقين بالبحث عنه ومن يجده يعود به مهرولا الى العمود ليدقه ليلعن عن فوزه ولعبة سبع سيفونات :يأتي اللاعبون بسبع سيفونات خاف واحد ما يعرف(غطاء او سدادة بطل الببسي) ويجعلونهن واحدة فوق الأخرى ويبتعدون مسافة وبيد احد اللاعبين طوبه ولازم توقع السيفونات ومن توقعهن لازم تشرد وما تخلي الفريق الأخر يمسكون بك ولعبة يدة وحاح او (بلبل حاح) عند اهل بغداد:ويمكن اكو لها غير اسم ما ادري وهي عبارة عن قطعه صغيرة من الخشب وأخرى كبيرة(عودة قصيرة وعودة طويلة) وتضرب العودة الصغيرة وتطيرها ويركض الفريق الاخر للامساك بها وعند وصول اللاعب الرامي ايضا يضربها من جديد لمنطقة الرمي ولكن في رمضان تختفي العاب الدعبل(كرات زجاجية صغيرة ملونة) والجعب وهو عظم المفصل وبعضه نصب عليه مادة الرصاص ليكون ثقيلا ويقوم اللاعب بضرب الاجعاب ويصيح طنب عند إخراجهن من الدائرة تختفي هذه الألعاب في رمضان لارتباطها بالمراهنة ومن هنا نتعلم الالتزام في رمضان ونعود لها بعد رمضان لتترسم في ذهنيتنا الصغيرة الصورية الدينية الزائفة الموجدة في اغلب المجتمع العراقي وكما يطلق عليه ألان عبدة رمضان او عباد رمضان وكان في منطقتنا من الإخوة الصابئة الكثير وكان هنالك صديق عزيز علي اسمه يوسف كان يجارينا في الصوم ونحن نضحك ونقول له اشج ابك على الصوم هسه إحنا ابتلينا به ليختبر إيماننا وتقوية عزائمنا ولكن بعد تقدم العمر والفهم والإدراك المعرفي تعلمنا إن التطور التاريخي للصيام جاء مع تطور الحياتي والمعيشي للإنسان ومع التحديات التي يواجهها.
كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو اْكُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم ْلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،
من هذا السياق ألقرائني نتعلم ان الصيام موجود منذ بدء الخليقة فقد دلت الكتابات الفرعونية والبوذية والهندوسية وكتب ابقراط إن الصيام موجود. يقول علماء الانثروبولوجي «علم دراسة الإنسان» ان البشرية عرفت الصوم منذ فجر التاريخ. فقد اكتشفت وثائق تاريخية ثابتة عن صوم الفراعنة الذين سجلوا في نقوشهم على جدران معابدهم وعلى اوراق البردي الصوم كنوع من العبادة وتطهير الروح.
وكذلك الصينيون مارسوا الصوم خصوصا ايام الفتن والشدائد حسب ما تأمرهم شعائرهم الدينية.
وقد أثبتت الدراسات البحثية في مسألة الصوم وتاريخه أن الإنسان البدائي لجأ إلى الصوم عن الطعام والشراب كوسيلة لتداوي من الأمراض، وأكدت التجربة أن الصوم يمثل سلوكاً غريزياً لدى كُلٍّ من الإنسان والحيوان على حد سواء للتخلص من العلل أو تخفيف حدتها.فلذلك نرى إن الإنسان عندما يصاب بالإسهال أو الم في المعدة انه يصوم عن الطعام لبعض الوقت لإعطاء فترة راحة لجهازه الهضمي.
فالصابئة المندائيين أقدم الديانات الموحدة الموجدة على الارض فقد كتب عليهم الصيام .....ان الصيام في الدين الصابئ عـِبادة، وهي الركن الخامس الدين الصابئ القويم، لقد شـَـرّع الله الحي القيوم الصيام، ليهذّب النفس : (النشماثا) عند الإنسان الصابئ، فعلى الصابئ أن يحذر من الأعمال التي تخدش هذا الصوم من قبل نفسه، حتى يتحقق الغرض والهدف من الصيام. بسم الحي العظيم أيها المؤمنون بي
• صوموا الصوم الكبير، صوم القـلب والعـقـل والضمـيـر
* لِـتـَـصُم عـيونكم، وأفواهكم، وأيديكم.. لا تغـمز ولا تـَـلمز * لا تـنظـروا إلى الشّـر ولا تـَـفـعـلوه والباطل لا تسمعوه * ولا تنصتوا خلف الأبواب * ونزهوا أفواهكم عن الكذب * والزيف لا تقربوه * أمسكوا قلوبكم عن الضغينة والحسد والتفرقة * أمسكوا أيديكم عن القتل والسرقة * أمسكوا أجسادكم عن معاشرة أزواج غيركم، فـتلك هي النار المحرقة * أمسكوا ركبكم عن السجود للشيطان وللأصنام الزيف * أمسكوا أرجـلكم عن السير إلى ما ليس لكم * إنه الصوم الكبير فلا تكسروه حتى * تفارقوا هذه الدنيا.
أما الصوم أو الصيام (صوم ربـّـا) عن (تناول الأطعمة والأشربة) في الدين الصابئ الموحد، فهو مقصورا على عدم تناول اللحوم، والامتناع عن تناولها مقيـّدا بأيام محددة ومسماة، ومذكورة، وعددها ثلاثة وثلاثون يوما، موزعة على أيام السنة، وهي تسبق أعيادهم الدينية أو تكون بعـدها، وطلق عليها المبطلات، وهناك من يصنفها بمبطلات خفيفة، ومبطلات ثقيلة، وموزعـّـة بالشكل التالي :
1 ـ شهر شباط الصابئ : (أول ستوا) : خمسة عشرة يوما صيام، بعد العيد الكبير عيد رأس السنة الصابئة : (عيد الكراص)
2 ـ شهـر آدار الصابئ (ميصاي ستوا :( يوم واحـد صيام
3 ـ شهـر نيسـان الصابئ (اخـير ستوا) لا يوجد فيه يوم مبـَطـّـل
4 ـ شهـر أيـار الصابئ (أول بهار) : أربعة أيام صيام قبل العيد الصغير
5 ـ شهـر (ميصاي بهار : سيوان) : لا يـوجد فيه يوم مبطـّـل
6 ـ شهـر تـمـّـوز الصابئي : (آخـر بهـار) : ثلاثة أيـّـام صيام
7 ـ شهـر آب الصابئي : (أول گيطا) : لا يوجـد فيه يوم مبطـّـل
8 ـ شهـر أيلول الصابئي : (ميصاي گـيطا) خمسة أيام صيام، قـبل عيـد الخليقـة (بـَـنـجا)
9 ـ شهـر تشرين الصابئي (آخـر گيـطا) : يوم واحـد صيام بعـد الـعيد
10 ـ شـهر( مشروان : أوّل بـايز) : لا يـوجـد فيه يوم مبطـّـل
11 ـ شهـر كانون الصابئي (ميصاي بايز) يوم واحـد، بعد عيد (اد دهبا اد مانا : عيد صباغة النور)
12 ـ شـهـر (طابيت : أخير بايز) يومان صيام، قبل العيد الكبير
الصوم الكبير (صوما ربا) وهو الامتناع عن كل الفواحش والمحرمات وكل ما يسيء إلى علاقة الإنسان بربه ويدوم طوال حياة الإنسان. حيث جاء في كتابهم { صوموا الصوم العظيم ولا تقطعوه إلى أن تغادر أجسادكم، صوما صوما كثيرا لا عن مآكل ومشرب هذه الدنيا.. صوموا صوم العقل والقلب والضمير} وهنالك. وهناك تشابه بين ما تقدم في كتابهم المقدس جنزاربـّـا : الكنز العظيم مبارك اسمه، وبين ما جاء في القرآن الكريم حيث قال الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم إني نذرت للرحمن صوماً، أي إمساكاً عن الكلام، والمقصود به هنا، الإمساك عن المفطرّات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النيـّـة.
وفي كتاب الصابئة المقدس جنزا ربا : الكنز العظيم، الصوم إمساكاً عن القول والفعـل، قلباً وعقلا وضميراً : باسم الحي العظيم
• لِـتـَـصُم عـيونكم، وأفواهكم، وأيديكم.. لا تغـمز ولا تـَـلمز
• لا تـنظـروا إلى الشّـر ولا تـَـفـعـلوه
• الباطل لا تسمعوه
• لا تنصتوا خلف الأبواب
• نـزهوا أفواهكم عن الكذب
• الزيف لا تقربوه
• أمسكوا قلوبكم عن الضغينة والحسد والتفرقة
• أمسكوا أيديكم عن القتل والسرقة
• أمسكوا أجسادكم عن معاشرة أزواج غيركم، فـتلك هي النار المحرقة
• أمسكوا ركبكم عن السجود للشيطان وللأصنام الزيف
• أمسكوا أرجـلكم عن السير إلى ما ليس لكم.
من خلال ما تقدم تعلمنا إن الصيام مدرسة سلوكية أخلاقية لتهذيب النفس موجودة عند كل الأمم التي نتعايش معها أن الجهل في تفكير الأمم الأخرى يتيح مجالا خصبا لإيجاد الفرقة والتناحر والتحارب مع العلم إن كل الأديان السماوية هي من النهر الرباني والإله الأوحد الذي لا اله إلا هو الحي القيوم لتطهير الإنسان وتقويمه ليكون نافعا في بناء الأرض وفلاحها كما أراد الخالق يجب علينا معرفة فكر الآخرين والانفتاح عليه قبل ان نقع في بناء أسوار العزلة والتناحر ان الصيام في الأديان يجب ان نطلع عليه ليكون لنا منفذا لإيجاد مشتركات أولاها التوحيد والإيمان بعظمة الخالق في بناء الإنسان .