صفحة الكاتب : محسن عبود الجبوري

الصحابة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام للدكتور عبد الخالق الحمدي دراسة في معنى الصحبة وتراجم لأربعة عشر صحابيًّا
محسن عبود الجبوري

    يَهْتَمُّ كتابُ الدكتور عبد الخالق إسماعيل الحمدي "الصَّحابة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام"، ببيان نظريّة أهل البيت عليهم السلام في معنى الصحبة وموقفها من الصحابة، ويُترجِم لحياة أربعة عشر صحابيًّا، على سبيل المثال لا الحَصْر.

   وقد سَرَت، عَبْرَ القُرون، فكرة أنّ الشيعة يسبّون الصحابة، وسالت بسبب هذه التُّهمة دماء، وارتُكِبَت جرائم، إلى يومنا هذا، وسيستمرّ ارتكابها مستقبَلًا، بكل أسف؛ لأنّ التثقيف بأن الشيعة يسيئون للصحابة يتوغّل في نفوس الملايين من أهل السُّنَّة، إلّا من اطّلع على معنى الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ومن هُم الذين يستحقّون تسميتهم بالصحابة، وهذا هو جوهر كتاب الدكتور الحمدي؛ لأنّه يحاول إبراز الحقائق، وإضاءة ما أُعْتِم في تاريخنا المكتوب بأقلام ليست منصفة، وفي أحاديث ليست صحيحة، وفي مناقب غير مستحَقَّة.

   والكتاب، الصادر بجزأين عن منشورات العطّار ١٤٤٥ه-٢٠٢٣م، يُشْرِعُ، مُبكّرًا، ببيان مكانة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، عند أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وضَرورةً عند شيعتهم، حين اقتبس مؤلّفه، في التفاتة ذكيّة، دعاء الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام لأصحاب رسول الله:

  "اَللَّهُمَّ وَأَصْحَابُ مُحَمَّد خَاصَّةً الَّـذِينَ أَحْسَنُوا الصَّحَابَةَ، وَالَّذِينَ أَبْلَوْا الْبَلاَءَ الْحَسَنَ فِي نَصْرِهِ، وَكَانَفُوهُ وَأَسْرَعُوا إلَى وِفَادَتِهِ وَسَابَقُوا إلَى دَعْوَتِهِ واسْتَجَابُوا لَهُ حَيْثُ أَسْمَعَهُمْ حجَّةَ رِسَالاَتِهِ، وَفَارَقُوا الازْوَاجَ وَالاوْلادَ فِي إظْهَارِ كَلِمَتِهِ، وَقَاتَلُوا الاباءَ وَ الابناءَ فِي تَثْبِيتِ نبُوَّتِهِ، وَانْتَصَرُوا بهِ وَمَنْ كَانُوا مُنْطَوِينَ عَلَى مَحبَّتِهِ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ فِي مَوَدَّتِهِ، وَالّذينَ هَجَرَتْهُمُ العَشَائِرُ إذْ تَعَلَّقُوا بِعُرْوَتِهِ، وَانْتَفَتْ مِنْهُمُ الْقَرَاباتُ إذْ سَكَنُوا فِي ظلِّ قَرَابَتِهِ، فَلاَ تَنْسَ لَهُمُ الّهُمَّ مَا تَرَكُوا لَكَ وَفِيكَ، وَأَرْضِهِمْ مِنْ رضْوَانِكَ وَبِمَا حَاشُوا الْخَلْقَ عَلَيْكَ، وَكَانُوا مَعَ رَسُولِكَ دُعَاةً لَكَ إلَيْكَ، وَاشكُرْهُمْ عَلَى هَجْرِهِمْ فِيْكَ دِيَارَ قَوْمِهِمْ، وَخُرُوجِهِمْ مِنْ سَعَةِ الْمَعَاشِ إلَى ضِيْقِهِ، وَمَنْ كَثَّرْتَ فِي إعْزَازِ دِيْنِـكَ مِنْ مَظْلُومِهِمْ". (الصحيفة السجّادية، الدعاء الرابع). ويرى الكاتب أنّ هذه الوثيقة من أهم الوثائق التي ترسم مكانة الصحابة في التشريع الإسلامي، وترسم ملامح رؤية أهل البيت عليهم السلام إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله. (ج١، ص١٥-١٦).

   يُنوّه الحمدي إلى أنّ الهدف من بحثه هو تصحيح الفكرة القائلة بأنّ مدرسة أهل البيت وشيعتهم لهم موقف سلبي من أصحاب رسول الله، وكذلك الفكرة القائلة بأنّ أهل البيت للشيعة فقط، والصحابة لغير الشيعة، ويوضّح خطورة الفكرتين. (ج١، ص١٦-١٧).

   منهجيًّا، قسّم المؤلف بحثه الضخم (أكثر من ثمانمائة صفحة في جزأين) إلى مقدّمة وثلاثة مباحث، وعرض لتراجم أربعة عشر صحابيًّا. وهذا العرض احتل معظم الكتاب، كأنّ صاحبه يريد ترسيخ مكانة الصحابة في مدرسة أهل البيت وردّ التُّهم الباطلة بالأدلّة الواضحة، المستقاة من كتب السنّة قبل الشيعة، وهذا مصدر قوّة للبحث باعتماده الموضوعيّة والدليل العلمي.

   في المبحث الأول، تمّ استعراض رؤية أهل البيت عليهم السلام ومدرسة الخلفاء في مفهوم الصحابة، مع بيان معنى الصحبة لغةً، وأنّ الصحابة تعبير ليس قرآنيًّا، وذكْر نماذج في معنى الصحبة في القرآن الكريم، وصولًا إلى توضيح الاختلاف في معنى الصحبة بين مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت، ونقد نظرية عدالة الصحابة في ضوء ما تَقَدَّم من مقدّمات منهجية.

   في المبحثين الثاني والثالث، يتوسّع البحث في تَجْلِيَة موقف المدرستين من الصحابة، مُحيلًا، في المبحث الثاني، إلى كلمات الأئمّة عن الصحابة، ومناقِشًا، في المبحث الثالث، نظرية عدالة الصحابة في ضوء القرآن الكريم، ومن خلال سيرتهم، وأحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله عن ارتداد بعضهم، والاستدلال بأن من الحوادث المأساوية ما يناقض عدالة الصحابة، كمظلوميّة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، مستدلًّا على ذلك بما ذُكِر عن هذه المظلومية في مصادر مدرسة الخلفاء.

   وملخّص نظرية عدالة الصحابة عند مدرسة الخلفاء هو أن الصحابة كلهم عدول، وكلهم من أهل الجنّة. (ج١، ص ٤٥). ويقول بعض علماء هذه المدرسة إن من يناقش في عدالة الصحابة فهو زنديق كافر. ونُقِل عن أبي زرعة أنه قال: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق.

   ولعل لرأي أبي زرعة وغيره أصلًا قبل هذا، حيث رُسِّخت نظرية لأحد كبار الخط القرشي وهي مقولة "اختارت قريش وأصابت ووُفِّقَتْ"، وهو موقف مقابل أهل البيت، أو لنقل هو تعليل لماذا أقصيَ علي من الخلافة، واختير غيره، حتى إذا جاءت الدولة الأموية بدأ نشرُ الفضائل في فلان وفلان مقابل نشر الإساءات لأهل البيت عليهم السلام، وإخفاء فضائلهم.

   وبعد تفنيد نظرية عدالة الصحابة، من خلال الآيات القرآنية الواضحة، وأحاديث النبي وسيرة الشخصيات، يتضح مدى خلل هذه النظرية وأنها موضوعة بالضد من أهل بيت النبوّة.

   ويُضيء الكتاب مساحة واسعة من حياة عدد من الصحابة ومنجزاتهم وأدوارهم في الإسلام ومكانتهم عند النبي وأهل بيته وأصحابه المنتجبين وعند غيرهم أيضًا. وهذا على سبيل المثال لا القصر والحصر، لأنّه لا يمكن الإحاطة بجميع الصحابة الأجلّاء.

    فقد ترجم الكتاب، في الجزء الأول، لكل من: ١- سعد بن معاذ زعيم الأنصار، ٢- رُشيد الهجري، ٣- زيد بن صُوحان، ٤- جعفر بن أبي طالب، ٥- عمرو بن الحمِق الخزاعي، ٦- أبو رافع، ٧- خزيمة بن ثابت الأنصاري، ٨- حُذَيفة بن اليمان العبسي.

    وفي الجزء الثاني، استكمل المؤلف استعراض سيرة ستة من الصحابة: ١- المقداد بن عمرو البهراني، المعروف باسم المقداد بن الأسود الكندي، مشيرًا إلى أن هذا الاسم غير صحيح، ٢- سلمان المحمدي (سلمان الفارسي)، ٣- بلال بن رباح، ٤- فاطمة بنت أسد الهاشميّة (أُم الإمام علي عليه السلام)، ٥- حمزة بن عبد المطلب، ٦- عمّار بن ياسر.

     والكتاب بجزأيه يقع في أكثر من ثمانمائة صفحة،كما سبَق، استغرق منه الحديث عن تراجم الصحابة الأربعة عشر أكثر من سبعمائة صفحة، وهذه دلالة على اهتمام المؤلف بإبراز عظمة هذه الشخصيات وإسهاماتها في بناء الإسلام المحمّدي الأصيل.

     وما يلفت الانتباه حقًّا، هو الاستفاضة في نقل جُلّ ما يتعلّق ليس فقط بحياة كل صحابي وإنّما أيضًا بأبرز الأحداث التي عاشها هؤلاء الصحابة وتضحياتهم في سبيل الإسلام.

     ومن هنا، يمكن اعتبار هذا (السَّرْد المدهش) سيرة متكاملة لأهم مراحل بناء الإسلام، مع توافر معلومات في غاية الأهميّة عن هذه المراحل، ما يمنح مفاتيح ما استُغْلِقَ من فهم المواقف والأحداث، والوقوف على معنى الصحبة بحقيقته لا بوصفٍ خارجٍ عن سياقه.

    والمقام سيطول إنْ تمّ ذكر جميع الأمثلة على هذا المعنى، لكن من المهم الإشارة إلى بعضها.

ففي معرض الحديث عن الصحابيّة الجليلة فاطمة بنت أسد عليها السلام، تتضح معالم رعايتها لرسول الله صلى الله عليه وآله منذ انتقاله إلى بيت زوجها أبي طالب عمّ الرسول ووالد الإمام علي، وقد كان عمر الرسول نحو ثماني سنوات، وبقي في بيت فاطمة بنت أسد إلى أن صار عمره عشرين سنة تقريبًا أو أكثر. ويؤكّد الحمدي أنّ السيدة فاطمة بنت أسد وزوجها أبا طالب سلام الله عليهما كانا "محور المشروع الإلهي الذي تكفّل بحفظ ورعاية النبي صلى الله عليه وآله" (ج٢، ص١٩٤).

    لقد شاهدت السيدة فاطمة بنت أسد ما حصل للنبي من معجزات وكرامات، وقد تكفلت كتب المسلمين نقْل أغلبها، وإن كان هناك تقصير واضح في بيان عظمة هذه السيدة عند المسلمين، ويكفي في الدلالة على هذه المنزلة تشرُّفُها برعاية رسول الله، وولادتها علي بن أبي طالب في جوف الكعبة، مع تلفظها بكلمات تنمّ عن توحيدها ومعرفتها بقداسة مولودها وعلو شأنها بين النساء. أليس من الغريب أن يتم التكتّم على مناقب هذه الصحابية الجليلة؟!

    إنّ رعاية رسول الإسلام، وولادة بطل الإسلام، مثالان بليغان على دور السيدة فاطمة بنت أسد في الإسلام، مضافًا إلى ذلك تحمّلها معاناة الثبات على الإسلام سواء في مكة أو في هجرتها أو بعد وفاة أبي طالب والسيدة خديجة في عام الحزن، وتخفيفها معاناة النبي وابنته فاطمة الزهراء عليهما السلام.

    إنّ الاطلاع على سيرة الصحابة الأربعة عشر هو اطّلاع على أدوار كبيرة في الحياة الإسلامية، وكشفٌ عن حقائق تبعث على الفخر بصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله، وردٌّ للتُّهم الباطلة ضد الشيعة ومدرسة أهل البيت بأنهم لا يحترمون الصحابة.

    والدكتور عبد الخالق الحمدي مقيم في مدينة سدني بأستراليا، وهو متعدد الاهتمامات والملكات العلمية والأدبية والإعلامية؛ فهو صيدلاني وباحث وأديب، وإذاعي، وخطيب، وله باع في العمل في المؤسسات والجمعيات الإسلامية، وهو محاضِر باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة إلى عضويته في عدد من المؤسسات الإسلامية المهمة كالمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام، واتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية وغيرها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محسن عبود الجبوري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/11/14


  أحدث مشاركات الكاتب :



كتابة تعليق لموضوع : الصحابة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام للدكتور عبد الخالق الحمدي دراسة في معنى الصحبة وتراجم لأربعة عشر صحابيًّا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net