هل خرج الإمام الحسين ع اعتمادا على كتب اهل الكوفة؟
الشيخ رائد الزركاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ رائد الزركاني

كثيراً ما نسمع من اصحاب الهوى الأموي هذه الكلمات التي تصور حركة الإمام الحسين عليه السلام من أنها كانت حركة انفعالية وأن الإمام عليه السلام أغتر بأهل العراق وكتبهم وأنه خرج اعتماداً على نصرتهم فلما جاءهم غدروا به.
أقول: هذا الفهم خاطئ جداً من زاويتين زاوية الغيب وزاوية التحليل:
أما من الزاوية الغيبية فقد كثرت الروايات عند جميع المسلمين بأخبار النبي صلى الله عليه وآله بما يجري على الحسين عليه السلام وأنه مقتول بكربلاء وكان الإمام الحسين عليه السلام عالما بذلك ولذا كثرت أقواله عليه السلام في بداية حركته التي يخبر بها عن مصيره مثل قوله عليه السلام
لما أراد الخروج من مكة إلى العراق، قام خطيبا فقال: الحمد لله وما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، [وصلى الله على رسوله]، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم، خط بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين…ثم قال: منْ كَانَ بَاذِلًا فِينَا مُهْجَتَهُ وَ مُوَطِّناً عَلَى لِقَاءِ اللَّهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ فَإِنِّي رَاحِلٌ مُصْبِحاً، إِنْ شَاءَ للَّهُ. /اللهوف وغيره.
فكربلاء ليست مكان طارئ على قضية الحسين وليس اختيارها صدفة بل لها مركزية في حركته عليه السلام .
ارض اهتمت بها السماء اهتمام خاص وتجد حضورها في نصوص النبي صلى الله عليه وآله وذكرها واضح فلا أعلم كيف يُغفل هؤلاء هذا جانب الغيب والنصوص تعج به؟
أما من الزاوية التحليلية التاريخية : فقد خرج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة المنورة في السابع والعشرين من شهري رجب سنة 60 للهجرة لأنه قبلها بيوم وصل خبر موت معاوية إلى الوالي على المدينة الوليد وهي أول مدينة في العالم الإسلامي يصلها خبر موت معاوية حيث أسرع البريد في الوصول إلى الوليد لأجل أخذ البيعة من أهم ثلاثة شخصيات كان معاوية يتخوف. منهم وهم عبدالله ابن الزبير وعبدالله بن عمر والإمام الحسين عليه السلام فارسل الوليد إلى الإمام الحسين الحسين في الليل وطلب منه البيعة والإمام رفض وقال له: إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد: أجل، فقال الحسين عليه السلام: فتصبح و ترى رأيك في ذلك.
كما في القصة المعروفة المشهورة وفي صبيح يوم السابع والعشرين من شهر رجب خرج الإمام الحسين عليه السلام وفي ذلك اليوم رسم الخارطة والأهداف لحركته من خلال كتب خطه بيده ليكون وثيقة حية ولم يكتف بالكلام
لذا دعا الحسين عليه السلام بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمد:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف يا بن الحنفية أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين، وهذه وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
قال: ثم طوى الحسين الكتاب وختمه بخاتمه، ودفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه وخرج في جوف الليل.
هذه اهدافه في أول يوم خرج فيه صلوات الله عليه في السابع والعشرين من رجب وفي هذا التاريخ لم يصل خبر موت معاوية إلى أي مدينة من مدن عالم الإسلامي ومنهم الكوفة لم تكن تعلم الكوفة أهل الكوفة بموت معاوية أصلا فكيف يكون خروج الإمام الحسين عليه السلام اعتمادا على كتب أهل الكوفة؟
وقد وصلت كتب أهل الكوفة إلى الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان اي بعد شهرين تقريبا من خروج الإمام سلام الله عليه
فكيف تكون هذه الكتب هي بنفسها السبب في خروج الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه كما ينظر إلى ذلك أصحاب النفس الأموي ؟!
مع أن إلقاء نظرة بسيطة على واقع العالم الإسلامي في ذلك الوقت وقوة الدولة الأموية التي تضمّ اليوم ما يقرب من سبعين دولة يعرف أنه لا يمكن إسقاطها اعتماداً على كم كتاب من مدينة واحدة ولذا كل الناصحين للإمام الحسين عليه السلام المشفقين عليه كانوا بين من يحذره من أهل الكوفة وبين من يقترح عليه الذهاب الى اليمن لوجود الأنصار والمنعة فيها مما يدلل على أن ابسط الناس يعرف الواقع فكيف بالحسين الذي خبر العالم الإسلامي وتشكلت لبنات بناء المجتمع الإسلامي أمام عينيه كيف ﻻ يعرف حقيقة المجتمع الإسلامي بكل تفاصيله؟
فحتى عند من ﻻ يقبل علم الإمام الخاص فهو يقر بأن الإمام الحسين ليس شخصا عاديا فكيف يكون أمثال ابن عباس وابن مطيع وابن الحنفية وغيرهم عرفوا واقع المجتمع الإسلامي ولم يعرفه الحسين عليه السلام؟
هذه الكلمات التي قد تنطلي على الناس السطحيين الذين لم يخبروا التاريخ ولا كلمات الإمام واحداث كربلاء.
هذا من جهة ومن جهة أخرى تجد بعض السذج يقول ان الإمام خرج على ضوء كتاب مسلم بن عقيل لما قال له ان الرائد لا يكذب أهله…
وحتى كتاب مسلم ابن عقيل إلى الإمام الحسين عليه السلام الذي يقول فيه : الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي، والسلام عليك ورحمة الله.
هذا الكتاب وصل إلى الإمام الحسين الحسين عليه السلام وهو في طريقه من مكة إلى إلى الكوفة للعراق في المحطة الثالثة أو الرابعة فكيف يكون الإمام الحسين عليه السلام تحرك على ضوء كتاب مسلم ابن عقيل؟
امر غريب من هؤلاء السطحيين الذين لا عمق لهم ولا دراية بأحداث .
في الحصيلة أن الإمام الحسين عليه السلام هو من صنع ملحمة كربلاء التي تحمل من الطاقة ما يحرك الأجيال دون أن تنضب تلك الطاقة وهو من وضع الأهداف وهو من حصد النتائج شخص غير مجرى التاريخ في ساعات قلائل شخص يكون تأثيره بكل الأجيال عبر قرون هل يعقل أن يكون متأثرا بغيره.!!؟
/٧/محرم/١٤٤٦
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat