صفحة الكاتب : رياض سعد

ظاهرة الرجل الملثم
رياض سعد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

اللثام لا يقصد منه تغطية الوجه فحسب ؛ بل تغطية أمر اخر معه , وقد يكون ذلك الامر سرا او جريمة او خيانة او غدرا او تضليلا … الخ ؛ وقد اقترنت بأصحاب اللثام ذكريات أليمة لا تمحى من ذاكرة الامة والاغلبية العراقية , فقد كان فدائيو صدام ملثمين بملابسهم السوداء ومظهرهم المرعب ، وتاريخهم الطويل مع الاجرام والارهاب ؛ فهم وليد لقيط للأجهزة القمعية البعثية الصدامية السابقة , ومن الواضح ان الحكومة التي يتلثم رجالها وعناصرها الامنية هي حكومة غارقة في الاجرام والارهاب وجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الانسان ومخالفة الاعراف والقوانين , وان ادعت غير ذلك … ؛ لذا نلاحظ ان ظاهرة الرجل الملثم او اصحاب اللثام لاسيما جلاوزة الامن و زبانية التعذيب وعملاء المخابرات لم تفارق الحكومات الطائفية الهجينة و العنصرية الدموية قط (1920- 2003 ) .

فالرجل الملثم شخص مجهول الهوية والاصل , ولا تعرف حقيقته الشخصية , لاختباه خلف اللثام , وما من انسان طبيعي الا ويحب ان يعرف , وان يفتخر بحسبه ونسبه او شكله وخلقه او شخصيته وشجاعته واقدامه ؛ الا ذلك الرجل الذي يختبئ خلف قطعة من القماش الاسود , فهو ذو شخصية ضعيفة بل أوهى من بيت العنكبوت وان ادعى القوة والجرأة والشجاعة .

منذ القدم والجريمة مقترنة بصاحب اللثام , فكان السارق لا يسرق الا وهو ملثم , وكذلك قاطع الطريق والغادر , فضلا عن الجلاد والسياف الذي يقطع رؤوس العباد , فعندما ترى الرجل الملثم يتبادر الى ذهنك فورا شخصية القاتل والجلاد والسارق والغدار والجاسوس والمخرب … الخ .

 

وعندما ترجع بذاكرتك الى الوراء وتراجع اخبار الصحف و وسائل الاعلام الاخرى , تلاحظ ان المجرم الملثم قد اغتصب امرأة هنا او ارتكب جريمة قتل هناك , او ان عناصر التنظيمات الارهابية والفصائل المسلحة كلهم من اصحاب اللثام , وكل الجرائم والمجازر لا يقترفونها وكل العمليات الارهابية لا ينفذوها الا وهم ملثمون كالغربان السود التي حيثما تحل يحل الدمار والخراب معها … ؛ لذلك منعت الحكومات الرشيدة والوطنية ارتداء اللثام على العسكريين والمدنيين كافة ومن دون استثناء ؛ نعم هنالك استثناءات محدودة ومعروفة غايتها ومعلومة عناصرها وتأتمر بأمر الحكومة فحسب وقد انشئت لإرهاب وتخويف الاعداء وبث الرعب في قلوبهم .

 

ومن عجائب وغرائب الحكومات الدكتاتورية الغاشمة والانظمة القمعية البوليسية ؛ ان عناصرها ومرتزقتها وجلاديها يرتدون اللثام ؛ بينما المعارضة والمواطنين العزل والمناضلين والمجاهدين الوطنيين يخوضون غمار التحديات والثورات والانتفاضات والمواجهات المسلحة مع هذه الحكومات والاجهزة القمعية وصدورهم عارية و وجوههم مكشوفة , كما حدث في الانتفاضة العراقية الخالدة عام 1991 والانتفاضة الصدرية عام 1999 وغيرهما ؛ وهذا الشيء ان دل على شيء فإنما يدل على خوف ورعب وضعف شخصية الملثمين ؛ فمهما طغت وتفرعنت تلك الحكومات والانظمة والجماعات والتنظيمات والحركات الدموية تبقى اضعف من ارادة الشعوب , واجبن من مواجهة الجماهير الثائرة وجه لوجه ومن دون قناع او دعم خارجي مشبوه .

 

الا ان هنالك ضغوط خارجية وداخلية واوضاع مضطربة قد تجبر بعض الحكومات الوطنية عندما تمر الدول بتحولات سياسية ومنعطفات اجتماعية وامنية خطيرة , وفوضى عارمة تضرب البلاد بطولها وعرضها , الى تأسيس اجهزة امنية خاصة ترتدي اللثام لمواجهة الفصائل المسلحة المنفلتة والعصابات المنتشرة في كل مكان من ارض الوطن وعملاء الخارج المرتبطين بأجهزة المخابرات المعادية , وذلك لحماية عناصرها ورجالاتها من الاغتيال او تهديد عوائلهم ؛ اذ ان كشف هوية من يعمل في ضبط هؤلاء المجرمين قد يعرض حياته وأهله وخاصته للخطر، وعليه يعتبر اللثام ضرورة امنية تقدر بقدرها وحسب الحاجة الوطنية والحالة السياسية , ولزرع الخوف في نفوس الخارجين عن القانون … ؛ واحيانا يلجأ المتظاهرون في بعض الدول التي تسيطر عليها انظمة دكتاتورية وقمعية الى ارتداء اللثام , اذ يقوم هؤلاء بإخفاء وجوههم اثناء خروجهم في المظاهرات ومشاركتهم في الاحتجاجات ؛ لكي لا تتعرف عناصر الامن وجلاوزة الاجهزة القمعية التابعة للنظام على شخصياتهم , وهذه الحالات تعتبر حالات استثنائية , وعليه عموم الناس والمواطنين يرعبهم تواجد اصحاب اللثام بينهم او في مناطقهم ومدنهم عندما يعم الامن والاستقرار او حتى في حالات الاضطراب التي يزيدها وجود الرجل الملثم سوءا وارهابا واجراما واضطرابا , لذلك تعرض الملثمون الى حملات انتقاد لاذعة من قبل الجماهير والمواطنين في اغلب الاحيان والمناطق , بل ان بعض الناشطين في سوريا وغيرها شنوا حملات اعلامية قوية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة ومنها حملة : (( لماذا انت ملثم )) و (( انزعوا اللثام )) و(( لا للثام )) و (( لثامكم يخيف أطفالنا ))ورفع البعض شعار : (( الملثم شخص أضمر شرًا فأراد أن يخفيه )) ولان اغلب حوادث الاغتيالات فضلا عن جرائم التخريب والعمليات الارهابية قام بها اشخاص ملثمون ؛ طالب الناس بضرورة تجريم من يرتدي اللثام , وكتب الناس في تلك المناطق المنكوبة عبارات شجب واستنكار لهذه الظاهرة على الجدران وفي كل مكان ومنها : (( انزع لثامك لنرى طلتك البهية *** لا يخفي وجهه من يدافع عن قضية !! )) و بالرغم من الدعوات المتكررة لناشطين ومدنيين، والحملات الشعبية لمحاربة ظاهرة اللثام، لم تلق تلك الدعوات استجابة، ما طرح تساؤلات حول كيفية محاربة الظاهرة ؟! .

 

مر عليكم ان الناس تنظر الى الرجل الملثم نظرة شك وريبة , وكأن النقاب الاسود واللثام سدا منيعا يفصل بين المواطنين واصحاب اللثام , بالإضافة الى ان الرجل الملثم عندما يغطي وجهه كاملًا ، لا يرى الدنيا بصورتها وألوانها الحقيقية، و يتخذ موقفا متعصبا من الناس ويتعامل معهم كالروبوت تعاملا جافا خاليا من المشاعر الانسانية او الرحمة او الشفقة ؛ فالبعض عندما يرتكب الجرائم او ينتهك حقوق الانسان لا يستطيع الكشف عن وجهه ؛ فهم مجرمون ملثمون وقتلة من دون ملامح … ؛ مخافة من ردة الفعل او من سطوة القانون او الثأر او للتظليل والتدليس … ؛ ومن هنا تعرف سر اخفاء جلاوزة صدام ومجرمي البعث وذباحي التنظيمات الطائفية والتكفيرية لأسمائهم والقابهم الحقيقية و وجوههم او عندما يقوموا بتغطية عيون المعتقل او الضحية بقطعة من القماش اثناء تعذيبه وقتله ؛ فقد كانوا يضعون اللثام لأنهم يدركون تمام الإدراك أن ما يقومون به هو خارج القانون والشرف والانسانية والشجاعة .

 

وكل المناطق التي سقطت بيد التنظيمات الارهابية والفصائل المسلحة الاجرامية والعصابات والحركات المرتبطة بالسفارات والمخابرات الخارجية ؛ او تلك التي انتشرت فيها الفصائل المسلحة والحركات السياسية , ارتدى عناصرها اللثام , اذ أصبح اللثام جزءًا أساسيًا من وجودهم إلى جانب السلاح والجعبة ، و لم يكن اللثام جديدًا بالنسبة لهم ؛ لكن الأمر الذي تغير هو طريقة استخدامه، ففي بادئ الأمر ارتبط بـ “التمويه” وخص العمليات العسكرية فقط ، أما اليوم فتحول إلى وسيلة للتخفي في أثناء تنفيذ الجرائم، سواء القتل أو السرقة او التخريب دون كشف الهوية... ؛ لذا لاحظ العراقيون ان اغلب جرائم الاغتيال والقتل والسرقة والتخريب ؛ قام بها الملثمون , والذين اعتمدوا بعملياتهم أيضًا على سيارات دون لوحات تظهر رقمها، إذ إنه ورغم معرفة لون السيارة ونوعها، يصعب تحديدها من بين السيارات والآليات المنتشرة في عموم العراق … ؛و الذي يتابع سلوك هذه التنظيمات يلاحظ اعتمادها على إخفاء شخصياتها الحقيقية، لأنها ارتكبت ولا تزال جرائم بحق ابناء الاغلبية والامة العراقية وغيرهم احيانا، وبالتالي اللثام كان بمثابة الحصن للمجرم، وكلما حاولت الاجهزة الامنية تتبع الجرائم والمجرمين تصل الى طريق مسدود وتسجل القضية ضد مجهول لأن الشخصيات التي قامت بالجرم غير معروفة، وبالتالي يسهل على التنظيمات والحركات والعصابات التنصل من الجريمة ؛ لذا يعتبر الهدف الرئيسي من وراء وضع اللثام , تسجيل الجرائم ضد مجهول ؛ وذلك لخلط الاوراق وتزوير الوقائع والاحداث وقلب الامور رأسا على عقب ؛ فضلا عن افلات المجرمين الملثمين من يد العدالة والقانون والعقوبة …؛ وقد حرصت بعض الجهات المشبوهة على ديمومة ظاهرة اصحاب اللثام بل واعطاء شرعية لبعض المجموعات التخريبية والإجرامية الملثمة للقيام بعمليات غادرة ضد أهداف وطنية وانسانية … ؛ بل وصل الامر بالملثمين الى الانتشار في كل مكان والتجوال بحريتهم من دون حسيب ولا رقيب .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رياض سعد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/06/06



كتابة تعليق لموضوع : ظاهرة الرجل الملثم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net