أيها السادة… أكتب لكم هذه السطور، من خلف قضبان السجن، الذي لا انتظر أن يفتح لي بابه يوماً، فزنازينهُ التي بلا أقفال، تمنحني مشاهدة زاوية ضيقة من الفضاء الفسيح، تجود عليَّ بنسمات تغير رائحة البيت النتنة، وتحمل عبق الحرية التي فقدتها.
كثيرةٌ هي المشاهد التي أود أن اصورها لكم، تزدحم عندما أمسك القلم، لكن أكثر ما يؤلمني هي وحدتي وغربتي في بيتي، وكذا الوجوه التي تغيرت كثيراً معي، حتى كلمات العطف والصبر بدأت تؤذيني شيئاً فشيئاً.
كنت أسمع بمسافات الأمان، وكنت أظنها خاصة بالسيارة، أو مع التعامل بالكهرباء ، لكن لم أتوقع ان تكون هنالك مسافات آمنة في الصحة ايضا، فلم أضع مسافة أمنة بيني وبين الأمراض، فقد كنت استجيب لكل غرائزي، وألبي متى ما رغبت به، أكل كل ما اشتهي، واسمع كل ما أحب، وانظر إلى كل ما يمر أمامي، واخلد للنوم مستجيباً لنداء الراحة.
صحتي التي كانت مجهولة عندي، لا اتذكر أنها رفضت يوماً رغبة لي، ولم يدر في خلدي يوماً إنها أشبه بالبطارية التي تفقد طاقتها مع مرور الزمن، ذلك الغادر الذي يتربص بنا في سكون حين يدبُ بأوصالنا التي اتعبتها السنين.
لم احسب لأعضائي حساب، فلم أعرف أنني أضغط على البنكرياس أكثر مما يتحمل، كذلك لم أدرك الترابط فيما بينهن، لقد تجاهلت ذلك تماماً، ولم أعلم إن تجاهلي المستمر لهن سوف يتجاهلني في المقابل أيضا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat