مَنقَذُنا (العملُ الصالحُ) أَمِ (النسَبُ الشريفُ) ؟
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود

رَوَى (طاووسٌ اليَمانيُّ) صاحبُ الإِمامِ زينِ العابدينَ السجَّادِ عليٍّ بنِ الحسينِ (عليهِ السلامُ):
أَنَّ الإِمامَ كان في بيتِ اللٰهِ الحرامِ يُناجي ، ويبكي ؛ فدنَوتُ منه ، وقلتُ: ((أَناْ طاوُوسٌ يا ابنَ رسولِ اللٰهِ. ما هذا الجزَعُ والفزَعُ ؟! ونحن يَلزَمُنا أَن نَّفعلَ مثلَ هذا ونحن عاصُون َجانُونَ. أَبوكَ الحسينُ بنُ عليٍّ ، وأُمُّكَ فاطمةُ الزهراءُ ، وجدُّكَ رسولُ اللٰهِ !)).
فالتفَتَ إِليَّ وقالَ: ((هيهاتَ هيهاتَ يا طاوُوسُ ، دَعْ عنكَ (أَو عنِّي) حديثَ أبَي وأُمي وجدِّي ؛ خَلقَ اللٰهُ الجَنةَ لِـمَن أَطاعَهُ وأَحسَنَ ولو كانَ عَبدًا حَبـَشِيًّا ، وخَلقَ الـنَّارَ لِـمَن عصاهُ ولو كانَ سَـيِّدًا قُرَشِيًّا ؛ أما سَمِعتَ قولَهُ تَـعالى: ﴿ فإِذا نُفِخَ في الصُّورِ فلا أَنسابَ بَينَهُم يَومَئذٍ ولا يَتَساءَلُون﴾ ؟ واللٰهِ لا يَنفعُكَ غدًا إِلَّا ما تُـقَدِّمُهُ مِن عَمَلٍ صالِحٍ)).
إِذًا ؛ لا فضلَ لأَحَدٍ على آخَرَ بنَسَبٍ يَجعلُه في قداسةٍ ، أَو مَهابةٍ ، أَو صدارةٍ ، أَو زعامةٍ ، أَو تسلُّطٍ ، أَوِ انميازٍ ، أَو حضورٍ ، أَو جلوسٍ ، أَو مَسيرٍ ، أَو ظهورٍ ؛ إِنَّما هو العمَلُ الصالحُ بالدِّينِ النَّجيعِ ، والعِلمِ الوَسيعِ ، والوَلاءِ الشفيعِ ، والخُلُقِ الرفيعِ ، والتواضعِ المَنيعِ ، والفَهمِ الجَميعِ ، والعَطاءِ النفيعِ ، والإِنجازِ البَديعِ الذي يُبارِكُه اللٰهُ تعالى ويُبارِكُ لصاحبِه ؛ فيرفَعُ صاحبَه إِلى مَراقي التوقيرِ والتبجيلِ وإِن لم يكُن ذا نَسَبٍ يُعتَدُّ به.
أَعمالُنا رِفعتُنا ومَنقَذُنا ومَحْيانا ومَرْقانا وإِن شانَنا النَّسَبُ. ونسَبُنا مَقتَلُنا إِن زانَنا وساءت أَعمالُنا وتعاظَم بنا الذنبُ.
كُن بدِينِكَ ، وعِلمِكَ ، وشرَفِكَ ، وعطائِكَ ، ونَفعِكَ ، وجاهِكًَ ، وعمَلِكَ الصالحِ تكُن في الطليعةِ تّطلُبُكَ وإِن لَّم تَطلُبْها.
ولا تَكُن بنَسَبِكَ ، وانتمائِك ، واتِّكالِكَ ، وكِبْرِكَ ، وخُيَلائِكَ ، وجاهِكَ الاستعراضيِّ ، ومالِكَ تكُن في المؤخِّرةِ تُزدَرَى وإِلَّـم تَقرُبْها.
وما أَكمَلَ الحياةَ وجودًا لمَن تحصَّل على المَنقَذَينِ بنسَبٍ كريمٍ ، وعمَلٍ صالحٍ !
أ.د. علي عبدالفتاح الحاج فرهود
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat