قيام الكيان الصهيوني من حاييم وايزمان إلى ناتنياهو
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

منذ أن أجلِيَ اليهود من الحجاز بسبب مؤامراتهم التي كانوا يحيكونها ضدّ المسلمين، تفرقوا جنوبا الى اليمن وشمالا إلى فلسطين وباقي مناطق العالم، واعتقد أنهم القومية الوحيدة التي لا وطن لها، ولم يكن الوجود الصهيوني على أرض فلسطين مجردّ صدفة حصلت ذات يوم، ذلك أن تاريخ الحركة اليهودية مُخطط لها من طرف زعمائهم بشكل دقيق، هدفها ظاهرا استعادة أمجاد مملكة النبي سليمان عليه السلام، والتي كانت ممتدّة الأطراف، لم يحصل من قبل أن اجتمعت أرض لملك قبله بكل تلك المساحة، فإعادة بناء هيكل سليمان - الذي دمّره نبوخذ نصر الثاني ملك الإمبراطورية الكلدانية البابلية بعد حصار مدينة القدس سنة 587 قبل الميلاد - معناه في العقيدة اليهودية الهيمنة على باقي العالم دولا وشعوبا، وهذا المطمح لن يتحقّق لليهود، من دون استكمال السيطرة الكاملة على فلسطين والقدس.
هذه السّيطرة التي سعى إلى بنائها اليهود الصهاينة، لها جانبان: مالي واقتصادي، وقد عُرِف اليهود في العالم بالسيطرة في بلدانهم التي آووا إليها على هاذين الجانبين الحيويين، وهو ما دفع حكام الدول التي كانوا يعيشون تحت سلطانها إلى الانتقام منهم، بسبب دسائسهم التي كانوا يقومون بها من أجل السيطرة والتحكم في سياساتها، وبالتَالي الاستفادة أكثر من تلك القدرة واخضاعها لمشيئتهم.
مخطط السيطرة على فلسطين والقدس، لم يكن مطمح جميع اليهود، ذلك أننا نجد طائفة من اليهود ترفض الفكرة من أساسها، وتعتبرها جرّا إلى اقتراف أعمال غير إنسانية باسم اليهود، ووضع غيرهم من اليهود في مواجهة خطيرة، وغير محمودة العواقب على الجميع، وقد رأينا هؤلاء اليهود في مناسبات عديدة، قد نظموا مظاهرات عديدة، اعتراضا على المشروع الصهيوني المقام على أرض فلسطين، وتنديدا بجرائمه، وتبرّئا من كل الجرائم التي ارتكبها الصهاينة بعنوان اليهود، دليل واضح للعيان يقول إن ما ارتكبته ولا تزال تقترفه القوى الصهيونية على أرض فلسطين مرفوض عالميا عموما ومن اليهود الذين ينأون بأنفسهم عن التطرّف الصهيوني.
من الصعب تحديد التاريخ القديم لنشأة فكرة الصهيونية، لكنّه فيما أتصوره مرتبط أساسا بحركة السامري، على أساس تطرف الفكرة وبعدها عن التوراة كعقيدة، وما يهمنا اليوم التعرف على نشأة الصهيونية الحديثة، فأقول إن مؤسس هذه الحركة هو (تيودور هرتزل)(1) وهو يهودي نمساوي مجريّ (1860/1904 )، بدأ بتأسيس المنظمة اليهودية، وقام بتشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين، من أجل بناء كيان إسرائيل، وقد عرف هرتزل بالأب الأول لدولة إسرائيل.
من بين النصائح التي كان يدوّنها وينشرها بين اليهود الأوروبيين (ادفعوا السكان المعدمين إلى خارج الحدود بتكتّم من خلال منعهم من العمل... يجب أن تتم عمليتي المصادرة ونقل الفقراء بتكتم وبحذر) (ثيودور هرتزل) مؤسس المنظمة الصهيونية العالمية، يتحدث عن عرب فلسطين مجلة بتاريخ 12 يونيو 1895
التقى (آرثر جيمس بلفور)(2)، وهو سياسي تقلّد مناصب في الحكومة البريطانية آخرها وزير الخارجية بالصهيوني (حاييم وايزمان) ويعد أشهر شخصية الصهيونية في التراث الصهيوني بعد تيودور هرتزل. كان وايزمان رئيساً للمنظمة اليهودية العالمية بين عامي 1920 و1946، ثم انتخب كأول رئيس لدولة إسرائيل في عام 1949(3) فأعجب بفكره واعتبره قادرا على السيطرة على العالم، ومن ذلك التأثير كتب بلفور وعده بصفته وزير خارجية بريطانيا وفي مضمونه دعم بريطانيا اليهود لإنشاء وطن لهم في فلسطين.
(دافيد بن غوريون) (4)هو الأب المؤسس الفعلي للكيان الصهيوني، وقد عبّر بطريقته، على قيام كيان إسرائيل، بما دوّنه التاريخ عليه من تامّلات وأقوال: (نحن وهم [الفلسطينيون] نريد نفس الشيء، كلانا يريد فلسطين، وهذا هو الصراع الأساسي.) ديفيد بن غوريون عام 1936.
(إن الدولة اليهودية الجزئية ليست نهاية المطاف، بل مجرد بداية، أنا متأكد من أنه لا يمكن منعنا من استعمار أجزاء أخرى من البلاد والمنطقة). ديفيد بن غوريون، في رسالة إلى ابنه، 1937
(دعونا لا نروي لأنفسنا قصة... سياسياً، نحن المُعْتدون، وهم يدافعون عن أنفسهم... إنها بلادهم، لأنهم يعيشون هناك، بينما نريد أن نأتي إلى هنا ونستعمرها، و من وجهة نظرهم، نريد السيطرة على بلادهم) خطاب دافيد بن غوريون عام 1938، وفي تنفيذ تنفيذ المشروع الصهيوني يقول بن غوريون: (علينا أن نفعل كل شيء لضمان عدم عودتهم [الفلسطينيون] إلى ديارهم أبدًا.. الكبير سيموت، والصغير سينسى). ديفيد بن غوريون في مذكراته، 18 تموز (يوليو) 1948: (علينا أن نستعد للمضي قدماً في الهجوم. هدفنا هو سحق لبنان وشرق الأردن وسوريا، نقطة الضعف هي لبنان، لأن النظام الإسلامي مصطنع، ومن السهل علينا زعزعة استقراره، سنقيم دولة مسيحية هناك، وبعد ذلك سنضرب الفيلق العربي، ونقضي على شرق الأردن، سوريا ستعود إلينا. ثم سنقصف ونتقدم ونحتل بورسعيد والإسكندرية وسيناء). دافيد بن غوريون، مايو 1948،
( تطرف المشروع الصهيوني يجب أن يكون واضحاً بيننا أنه لا مكان لشعبين في هذا البلد… لا يوجد حل آخر، سوى نقل العرب إلى دول الجوار، نقلهم جميعاً، لا قرية ولا قبيلة يجب أن تبقى. يوسف فايتز (5)من الصندوق القومي اليهودي. مجلة، 1940 من أجل توفير الأموال لشراء الأراضي الفلسطينية أسس (هرمان شابيرا) سنة 1884 م (الصندوق القومي اليهودي) وعمل على توفير الأموال من تبرعات اليهود في العالم، وقد عرض مشروع الصندوق على المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد سنة 1897، ولم يقع الموافقة عليه واعتماده رسميا لدى الحركة الصهيونية، سوى في مؤتمرها السادس سنة 1904، وقد أسهم الصندوق بشكل فعال في شراء 933.000 دونم، من أصل 1.733.000 دونم يمتلكها اليهود حتى سنة 1947، بما يساوي 6.6% من أرض فلسطين البالغة مساحتها26.305.000 دونم (6)
عام 1910 هاجر يوسف فايتز، الشاب اليهوديّ الروسيّ ابن الـ 18 عاماً، أيّام الأتراك العثمانيين، قاصدا أرض فلسطين بهدف الاستيطان، وكان من ضمن الطلائع التي وصلت إلى جنوب سوريا بداية من عام 1882، وفق ترتيبات غربية صهيونية، فانخرط في للعمل مع «الصندوق القومي اليهودي»، لغاية تقاعده في أجواء حرب 1967، عندما ابتلعت الدولة العبريّة ما تبقى من أراضي فلسطين التاريخيّة.
لقد كانت خطّة الصندوق شراء أراض فلسطينية متجاورة الحدود، تساعد على بناء مستوطنات صهيونية، وكانت عملية إغراء المالكين الفلسطينيين كبيرة، بحيث تعرض عليهم أسعار العقارات أضعافا مضاعفة، تدفع بأصحابها إلى التفويت فيها، وشراء بدائل لها في مناطق أخرى من مناطق فلسطين، أخطاء ارتكبها عدد من الفلسطينيين لم يلتفتوا إلى طبيعة من اشترى منهم وما كان هدفه من ذلك، طبعا لم يكن الصندوق ليشتري تلك العقارات باسمه، وإنما كان يشتريها بواسطة صهاينة عمل معهم عقودا.
كان عيش اليهود قبل توطينهم في فلسطين، في شكل تجمعات معروفة داخل المدن التي كانوا يعيشون فيها، في أوروبا وأمريكا ودول أخرى عربية وغيرها، متجاورين مع الفئات الأخرى من المواطنين، منفتحين في كثير من الأحيان بسبب تجاراتهم في الذهب والمال، بالمراباة الفاحشة التي كانوا يتعاملون بها مع غير اليهود، وهذا التعامل أزعج (أدولف هتلر) وضاق بهم ذرعا بعد اكتشاف دسائسهم، فقرر التخلص منهم تطهير ألمانيا من وجودهم ، وكان ما كان بشأنهم من تصفية عنونها اليهود بالمحرقة استطاعوا بها أن يسبوا عواطف الغربيين ودولا أخرى من العالم صدّقت ادعاءهم، معتبرة إيّاهم ضحايا النازية.
وبانتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأ التحضير من جهة بريطانيا، لتنفيذ وعد بلفور، فدرّبت (الهاجاناه)(7) ككيان عسكري مسلح، ليقوم ظاهرا بحماية المستوطنين اليهود في فلسطين، لكنه ارتكب في الأثناء، من سنة 1921 إلى أن تشكّل الجيش الصهيوني سنة (1948) جرائم عديدة، افتتح بها العهد الصهيوني على أرض فلسطين، وبمساعدة بريطانيا نشأ كيان إسرائيل سنة 1948، فسارعت تركيا في عهد أتاتورك، وإيران في عهد الشاه بهلوي إلى الاعتراف بها بعد دول الغرب.
بعد انتصاب الكيان الصهيوني وخروج بريطانيا من أرض فلسطين وشعور الفلسطينيين والعرب بالخطر قامت الحرب العربية الصهيونية سنة 1948 وهي أولى الحروب بين الجانبين، شارك فيها الأردن ومصر والعراق وسوريا ولبنان والسعودية، ضدّ الميليشيات الصهيونية المسلحة في فلسطين، وانتهت بهزيمة العرب واصطلح عليها بالنكبة (8)، ثم جاءت حرب الأيام الستة في حزيران ( جوان) 1967 وانتهت بانتصار القوات الصهيونية على جيوش أربعة دول هي مصر وسوريا والأردن، وعوض أن تتحرر فلسطين أحتل الصهاينة سيناء (مصر) والضفة الغربية ( الأردن) والجولان ( سوريا).
ولم يسترجع العرب شيئا من كرامتهم الا بعد حرب التحرير وهي حرب أكتوبر 1973 التي عبر فيها الجيش المصري قناة السويس في يوم مشهود، ودخل سيناء محطما (خط بارليف)، وحرر فها الجيش العربي السوري القنيطرة، ومنذ ذلك الحين بقيت قضية فلسطين ألعوبة بيد حكام العرب يتاجرون بها ويتآمرون عليها، حتى وصل بهم الأمر إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، بعد أن أُسقِطت القضية الفلسطينية من الجانب الرسمي العربي دون الشعبي، وبانتصار الثورة الإسلامية في إيران بدأت مرحلة جديدة من النهوض بالقضية، وتقديم ما يلزمها من دعم مادي ولوجستي، ليضطلع الفلسطينيون بمسؤوليتهم الجهادية، من أجل تحرير الأرض وتخليصها من الكيان الصهيوني الغاصب، فتأسست حركات مقاومة إسلامية، أخذت على عهدتها هدف التحرير، بالتالي يمكن القول بأن القضية خرجت من إطارها العربي إلى إطارها الإسلامي الأوسع، والأقرب إلى تحقيق هدف التحرير، ونحن نشاهد على مدى نشأة هذه الحركات المقاومة، التحوّل والتطوّر النوعي لأساليب مواجهة الكيان المحتلّ، مما يبشّر بنهاية سعيدة للقضية الفلسطينية، طالما انتظرتها الشعوب العربية والإسلامية.
المراجع
1 – تيودور هرتزل https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – آرثر جيمس بلفور https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – حاييم وايزمانhttps://ar.wikipedia.org/wiki/
4 – دافيد بن غوريون https://ar.wikipedia.org/wiki/
5 – يوسف فايتز https://ar.wikipedia.org/wiki/
6 – الصندوق القومي اليهودي https://ar.wikipedia.org/wiki/
7 – هاجاناه https://ar.wikipedia.org/wiki/
8 – حرب 1948 https://ar.wikipedia.org/wiki/
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat