صفحة الكاتب : محمد  عبد الجبار الشبوط

سقوط الصهيونية والرأسمالية الغربية في الامتحان الحضاري
محمد عبد الجبار الشبوط

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لست في وارد تقييم عملية طوفان الاقصى من الناحية العسكرية، فذلك امر يفوق قدراتي المعرفية، كما انني لست في وارد الاعلان عن سقوط الحضارة الغربية، لان في هذه الحضارة الكثير من العناصر التي يعود الينا الفضل في ايصالها الى الغرب قبل قرون.

وانا انتمي الى افضل الحضارات المعروفة طرا، وهي الحضارة العربية الاسلامية التي تمتد جذورها جغرافيا الى اول الحضارات واقدمها وهي الحضارة السومرية. وما الحضارة الغربية الحالية الا احدى ثمار البذور الحضارية التي وصلت الى اوروبا في البداية عن طريق اليونان، وفي النهاية عن طريق الاندلس.

كما ان شبنجلر (١٨٨٠-١٩٣٦) كفاني مؤنة الحديث عن هذا الموضوع في كتابه الفخم "تدهور الحضارة الغربية" (١٩١٧) والذي صدرت ترجمته العربية في عام ١٩٦٤.

لكني املك الجرأة الكافية والمعرفة اللازمة لكي اعلن ان الطبقة السياسية- المالية التي تتحكم بالغرب الان سقطت للاسف في الامتحان الحضاري الذي وضعتها فيه غزة. فعملية طوفان الاقصى عملية عسكرية محدودة مهما بالغ الشعراء العرب المتحمسون في الحديث عنها.

لكن موقف الطبقة السياسية- المالية الغربية (بما في ذلك رد الفعل الاسرائيلي) تجاوز حجم عملية طوفان الاقصى وفصلها عن سياقها التاريخي حتى لو قبلنا دعاوى الدفاع عن النفس التي يرددها سياسيو هذه الطبقة.

فعملية طوفان الاقصى لم تكن هجوما فلسطينيا على اسرائيل، لكنها دفاع فلسطيني عن النفس ضد عدوان صهيوني- غربي مستمر منذ ١٠٦ اعوام، اي منذ وعد بلفور في ٢ نوفمبر (تشرين الثاني) عام ١٩١٧، او منذ تأسيس الحركة الصهيونية عام 1897 او منذ قيام منظمات أحباء صهيون بإنشاء 20 مدينة يهودية جديدة في فلسطين بين عامي 1870 و1897.

نحن نتحدث عن عدوان على النفس الفلسطينية عمره اكثر من ١٥٠ عاما؛ وعليه فكل عمل يقوم به الفلسطينيون ضد الصهيونية وكيانها السياسي القائم منذ عام ١٩٤٨ بقرار الامم المتحدة واعتراف الدولة الكبرى انذاك بما فيها دولة ستالين، هو دفاع عن النفس، من الان حتى تحرير فلسطين كلها. فلسطين واهلها من العرب المسلمين وغيرهم واقعون تحت العدوان الصهيوني المدعوم من قبل الطبقة الرأسمالية الحاكمة في الغرب، ومن حقهم بموجب كل الاعراف والشرائع الدفاع عن انفسهم.

وهذا الحق، اعني حق الدفاع عن النفس، لا يسقط بالتقادم، ولا يسقط الا بازالة العدوان المتمثل بالعدوان الصهيوني على ارض فلسطين وشعبها، وهو عدوان لا يقتصر على غزة او الضفة الغربية وانما يشمل فلسطين كلها بحدودها المعروفة منذ فتحها المسلمون في زمن عمر بن الخطاب الذي سافر بنفسه الى القدس لاستلام مفاتيحها، واناب علي بن ابي طالب في حكم المدينة.

رد الفعل الاسرائيلي والدعم الغربي له اثبت ان الطبقة الرأسمالية الحاكمة في الغرب سقطت في الامتحان الحضاري الانساني الديمقراطي الذي وضعتها غزة فيه. فالقيم الحضارية على اطلاقها لا تقبل بالعدوان المستمر على الغير والقيم الانسانية لا تقبل بالمجازر الوحشية التي تركبها اسرائيل بحق الاطفال والنساء والمدنيين والمرضى، والديمقراطية ترفض موقف الطبقة الرأسمالية الحاكمة في الغرب بعد ان اعلن المواطنون الغربيون رفضهم لهذا الموقف.

لم تسقط قيم الحضارة والانسانية والديمقراطية في امتحان غزة، انما سقطت الرأسمالية الغربية والصهيونية العالمية في هذا الامتحان. هذه هي قيم الحضارة العربية الممتدة من اور وسومر وبابل الى غرناطة واشبيلية مرورا ببغداد ودمشق والقاهرة والقيروان. ولم تسقط هذه القيم حتى حينما غزاها الاسكندر المقدوني وهولاكو المغولي و الاستعمار الاسباني والبرتغالي والهولندي والفرنسي والايطالي والبريطاني والاميركي، واخيرا العدوان الصهيوني. لم تسقط هذه القيم العليا، انما سقط هؤلاء في امتحانها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد عبد الجبار الشبوط
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/11/03



كتابة تعليق لموضوع : سقوط الصهيونية والرأسمالية الغربية في الامتحان الحضاري
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net