مشتقات كلمة العدوان في القرآن الكريم (عاد، العادون)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

قال الله تعالى عن عادون ومشتقاتها "فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ" ﴿المؤمنون 7﴾ الْعَادُونَ: الْ اداة تعريف، عَادُونَ اسم، العادون: المتجاوزون للحلال و الحرام، العَادُونَ: المعتدون على حدود الشرع، فمن طلب التمتع بغير زوجته أو أمَتِه فهو من المجاوزين الحلال إلى الحرام، وقد عرَّض نفسه لعقاب الله وسخطه، و "فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ" ﴿المعارج 31﴾ العَادُونَ: المتجاوزون الحلال إلى الحرام، من طلب لقضاء شهوته غير الزوجات والمملوكات، فأولئك هم المتجاوزون الحلال إلى الحرام. والذين هم حافظون لأمانات الله، وأمانات العباد، وحافظون لعهودهم مع الله تعالى ومع العباد، والذين يؤدُّون شهاداتهم بالحق دون تغيير أو كتمان، والذين يحافظون على أداء الصلاة ولا يخلُّون بشيء من واجباتها. أولئك المتصفون بتلك الأوصاف الجليلة مستقرُّون في جنات النعيم، مكرمون فيها بكل أنواع التكريم، و "إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ﴿البقرة 173﴾ عاد اسم، و لا عادٍ: و لا مُتجاوز ما يسدّ الرّمق، إنما حرم الله عليكم ما يضركم كالميتة التي لم تذبح بطريقة شرعية، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، والذبائح التي ذبحت لغير الله. ومِنْ فَضْلِ الله عليكم وتيسيره أنه أباح لكم أكل هذه المحرمات عند الضرورة، فمن ألجأته الضرورة إلى أكل شيء منها، غير ظالم في أكله فوق حاجته، ولا متجاوز حدود الله فيما أُبيح له، فلا ذنب عليه في ذلك. إن الله غفور لعباده، رحيم بهم.، و "قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ﴿الأنعام 145) عاد اسم، وَ لا عادٍ: و لا مجاوز الحد الذي يسد به رمقه، قل أيها الرسول: إني لا أجد فيما أوحى الله إليَّ شيئًا محرمًا على من يأكله مما تذكرون أنه حُرِّم من الأنعام، إلا أن يكون قد مات بغير تذكية، أو يكون دمًا مراقًا، أو يكون لحم خنزير فإنه نجس، أو الذي كانت ذكاته خروجًا عن طاعة الله تعالى؛ كما إذا كان المذبوح قد ذكر عليه اسم غير الله عند الذبح. فمن اضطر إلى الأكل من هذه المحرمات بسبب الجوع الشديد غير طالب بأكله منها تلذذًا، ولا متجاوز حد الضرورة، فإن الله تعالى غفور له، رحيم به. وقد ثبت فيما بعد بالسنة تحريم كل ذي ناب من السباع، ومخلب من الطير، والحمر الأهلية، والكلاب، و "وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ" ﴿الشعراء 166﴾ عادون اسم، أتنكحون الذكور مِن بني آدم، وتتركون ما خلق الله لاستمتاعكم وتناسلكم مِن أزواجكم؟ بل أنتم قوم بهذه المعصية متجاوزون ما أباحه الله لكم من الحلال إلى الحرام، و "إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ﴿النحل 115﴾ و لا عاد: و لا مُجاوز ما يسدّ الرّمق، وَ لا عادٍ: و لا متجاوز لحد الضرورة، إنما حرَّم الله عليكم الميتة من الحيوان، والدم المسفوح من الذبيح عند ذبحه، ولحم الخنزير، وما ذبح لغير الله، لكن مَن ألجأته ضرورة الخوف من الموت إلى أَكْلِ شيء مِن هذه المحرمات وهو غير ظالم، ولا متجاوزٍ حدَّ الضرورة، فإن الله غفور له، رحيم به، لا يعاقبه على ما فعل.
عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (عدا) "عاد" (الانعام 145) في قوله: "غير باغ ولا عاد" (الانعام 145) أي لا يعدوا شبعه، وعن ابن عرفة: غير متعمد ما حد له "فأولئك هم العادون" (المؤمنون 7) (المعارج 31) أي هم الكاملون في العدوان، والمتناهون فيه، قوله تعالى "فأولئك هم العادون" (المؤمنون 7) الكاملون في العدوان. جاء في المعاجم: قوله تعالى "بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ" (الشعراء 166). العَادِي: العَدُوُّ. والجمع: عُداةٌ. العَادِيَةُ: مؤنث العادِي. و العَادِيَةُ الخيلُ المغيرَة. وفي التنزيل العزيز: العاديات آية 1 "وَالعَاديَاتِ ضَبْحًا" (العاديات 1). السابقة من مصداق الأزواج الرجل والمرأة كما قال الله في محكم كتابه العزيز "وتذرون ما خلق لكم ربكم من ازواجكم بل انتم قوم عادون" (الشعراء 166).
عن تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: وقوله تعالى "بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ" (الشعراء 166) أي متجاوزون خارجون عن الحد الذي خطته لكم الفطرة والخلقة فهو في معنى قوله "إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيل" (العنكبوت 29). من الآيات الناهية عن الزنا في كتاب الله تعالى هي قوله "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ" (المؤمنون 7) (المعارج 31) المتجاوزون ما أحل الله لهم إلى ما حرمه عليهم. كأن الإنسان ولى وجهه إلى جهة تخالف جهته قال تعالى "فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ" (المؤمنون 7)، وقال "وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ" (الشورى 51)، وقال "وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ" (البروج 20). قوله تعالى "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ" (المائدة 3) هذه الأربعة مذكورة فيما نزل من القرآن قبل هذه السورة كسورتي الأنعام والنحل وهما مكيتان ، وسورة البقرة وهي أول سورة مفصلة نازلة بالمدينة قال تعالى "قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (الانعام 145) وقال تعالى "إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (البقرة 173).
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: الانحراف الجنسي انحراف مخجل: أشار القرآن في سور متعددة منه كالأعراف و هود و الحجر و الأنبياء و النمل و العنكبوت، إلى ما كان عليه قوم لوط من الوزر الشنيع. إلّا أن تعابيره في السور المذكورة آنفا يختلف بعضها عن بعض. و في الحقيقة إن كل تعبير من هذه التعابير يشير إلى بعد من أبعاد عملهم الشنيع: ففي (الأعراف) نقرأ مخاطبة لوط إيّاهم "بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ" (الاعراف 81) و في الآية (74) سورة الأنبياء يتحدث القرآن عن لوط فيقول: "وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ" (الانبياء 74). أمّا في الآية محل البحث فقد قرأنا مخاطبة لوط إياهم بقوله: "بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ" (الشعراء 166). و هكذا فقد ذكر هذا العمل القبيح بعناوين (إسراف)، (خبيث)، (فسق)، (تجاوز)، (جهل)، و (قطع السبيل). (الإسراف) من جهة أنّهم نسوا نظام الخلق في هذا الأمر، و تجاوزوا عن الحد، و (التعدّي) ذكر أيضا لهذا السبب. جاء في موقع الألوكة الشرعية عن العدوان في ضوء الكتاب والسنة للدكتور طه فارس: صرف شهوة الفرج فيما لا يحل: ومن ذلك قوله تعالى:"فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ" (المؤمنون 7) (المعارج 31) أي: الكاملون في العدوان المتناهون فيه، المتجاوزون من الحلال إلى الحرام، فسمَّى من نكح ما لا يحل عاديًا، وأوجب عليه الحد لعدوانه، واللائط عاد قرآنًا ولغة، بدليل قوله تعالى: "أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ" (الشعراء 165-166). تجاوز الحدود المشروعة: ومن ذلك قوله تعالى: "إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (البقرة 173)، وقوله تعالى: "قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (الانعام 145)، وقوله تعالى: "إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (النحل 115) أي: من اضطر إلى أكلِ ما حرَّم الله من أكل الميتة والدم المسفوح أو لحم الخنزير، أو ما أهل لغير الله به، غير باغ في أكله إيّاه تلذذًا، لا لضرورة حالة من الجوع، ولا عادٍ في أكله بتجاوزه ما حدَّه الله وأباحه له من أكله، وذلك أن يأكل منه ما يدفع عنه الخوف على نفسه بترك أكله من الهلاك، لم يتجاوز ذلك إلى أكثر منه، فلا حرج عليه في أكله ما أكل من ذلك.
يقول الامام الجواد عليه السلام عن "وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه" (البقرة 173) ما ذُبح لصنم أو وثن أو شجر، حرّم الله ذلك كما حرّم الميتة والدم ولحم الخنزير "فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ" (البقرة 173) أن يأكل الميت. وقال عليه السلام بما تحلّ للمضطر الميتة: (حدّثني أبي عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله سُئل فقيل له: يا رسول الله إنّا نكون بأرض فتصيبنا المخمصة، فمتى تحلُّ لنا الميتة؟ قال: ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا، أو تحتفوا بقلاً، فشأنكم بهذا ). وعن "فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ" (البقرة 173) قال عليه السلام (العادي: السارق، والباغي: الذي يبغي الصيد بطراً ولهواً، ليعود به على عياله، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا، هي حرام عليهما في حال الاضطرار، كما هي حرام عليهما في حال الاختيار، وليس لهما أن يقصّرا في صوم ولا صلاة في سفر). وسئل الإمام الجواد عليه السلام عن " وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ " (البقرة 173) فقال (ما ذبح لصنم أو وثن او شجر) وعن " فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عليه" (البقرة 173) فقال عن الاضطرار (ان يأكل الميت). وعن كتاب الأسس المنهجية في تفسير النص القرآني للمؤلف عدي جواد علي الحجار: في الحديث الشريف (من دخل حائطاً فليأكل ولا يتخذ خبنة) حيث أفاد المفسرون حد أكل المضطر في تفسير قوله تعالى: "فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ" (البقرة 173). وذلك بعد استيضاح معنى لفظة (الخبنة) وهي (ما تحمله في حضنك) (يقال أخبن الرجل إذا خبأ شيئا في خبنة ثوبه أو سراويله).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat