مرجعيات النجف بين النكبة والنكسة و التطبيع
د . شامل محسن هادي مباركه
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . شامل محسن هادي مباركه

القِبلةِ الأولى - المسجد الاقصى - أغتُصِبت على حين غفلة، من كيان لقيط، سليلُ مُسخٍ، وقتلة الانبياء وأبناء الأنبياء.
منذ النكبة الأولى في ١٩٤٨، تحول أسم بلدة دير طريف الى بيت عريف، و بلدة بئر السبع الى بير شيفع، و قرية أم الميس الى مستوطنة موشاف رامات، وبلدة الساقية إلى اوريهودا، و بلدة بيت عطاب الى مستوطنتي نيس حاريم وبارجيوريا، و القدس الى اورشليم، وغيرها المئات من البلدات.
شُرِّد مئات الالاف الفلسطينيين في عام النكبة وما تلاها، والحكام العرب بين خائف على عرشه، وعميل لصالح سيده الأكبر، امريكا، و متخاذل في نصرة فلسطين. فتحولت قضية تحرير القدس الى تخدير الاحرار، والشعوب كُبِّلت في "حظيرة" بيانات استنكار حكام وأمراء الدول العربية، يسترقون السمع من طرْفٍ خفي، هل ستستيقظ شعوبهم من التخدير.
ثم جاء عام النكسة في ٥ حزيران ١٩٦٧، بعد أن هُزِمت الجيوش العربية (مصر والاردن وسوريا)، في ظل تواطؤ خفي، عندما أعلن نائب القائد الأعلى للقوات المصرية عبد الحكيم عامر أمراً بالانسحاب لجميع القوات العسكرية في سيناء، وهو القرار الذي أثر سلبا على مسار الحرب. فلم يشفع قصف الطيران العراقي على بلدة نتانيا على ساحل البحر المتوسط في تغيير كفة النصر.
حتى وصلنا الى اتفاقية سلام و تطبيع بين دول عربية والكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة:
١- معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وقعت في ٢٦ آذار ١٩٧٩.
٢- معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية، والتي تُسمى معاهدة وادي عربة، في ٢٦ تشرين الأول ١٩٩٤.
٣- لحقتها اتفاقيات "إبراهام"، فوقّعت كل من الامارات والبحرين على تطبيع علاقاتها مع العدو الاسرائيلي في ١٥ أيلول ٢٠٢٠. ثم لحقتها السودان بالتوقيع في ٢٣ تشرين الأول لعام ٢٠٢٣، والمغرب في ١٠ كانون الأول من نفس العام.
علاوة على أقام السعودية و سلطنة عُمان علاقات شبه رسمية مع إسرائيل، فاكتظت السلسلة بحلقات مليئة بالخيانة والألم، لا نعلم الى أين سينتهي قطار التطبيع.
لم يكن من الاحرار في فلسطين سوى غرس العصى في عجلة التطبيع، فكان هجوم ٧ تشرين الأول أنموذجاً لتلك العصى.
صرّح رسول الحروب، بايدن، في ٢٠ تشرين الاول، بإن حركة حماس شنت هجوما على إسرائيل بسبب الجهود الأمريكية لتطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية. وأضاف: أن السعوديين أرادوا الاعتراف بإسرائيل، وتابع: كانوا على وشك الاعتراف بإسرائيل.
ما بين النكبة والنكسة و إبراهام، كانت لمرجعية النجف مواقف سجّلها التاريخ بأحرفٍ من نور، فنرى المرجع الأعلى الفقيه الورع السيد محسن الحكيم (قُدِّس سره) في أستفتاء له في القضية الفلسطينة جاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد
إذا كان الإنسانُ يعرف من نفسه القدرة على الاضرار بالعدو وكانت القيادة حكيمة ولا يلزم من عمله ضررٌ على المسلمين وجب عليه الاضرار بالعدو المجرم خذله الله تعالى وفق الله سبحانه الجميع لنصرة دينه القويم أنه الرحمن الرحيم.
أما زعيم الحوزة العلمية السيد الخوئي (قُدِّس سره) فكانت له مواقف عديدة كما جاء في بحث نُشِرَ في جامعة بابل في أيلول 2014 تحت عنوان "شذرات من حياة السيد ابو القاسم الخوئي". يذكر البحث مواقف الخوئي في القضية الفلسطينية إحداها:
ان النكبة التي اصابتنا في صراع المسلمين مع اليهود والقوى الكافرة المتعاونة معهم قد ادمت قلوبنا …، ينبغي ان نجاهد جميعاً بالمال والنفيس للدفاع عن كيان الاسلام والقضاء على اسرائيل الكافرة…، فليست للصهيونية رسالة الا الفساد في الارض كما قال تعالى "وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا".
لكن كان لأية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله العالي الحصة الأكبر في فلسطين، فكان له وقفات في القضية الفلسطينية نذكر بعضها.
١- مجزرة مخيم جنين في ٣ نيسان ٢٠٠٢، واجتياح للضفة الغربية، جاء بيان السيستاني: "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ". يواجه إخوتنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة في هذه الأيام عدواناً صهيونياً متواصلاً قلّ نظيره في التأريخ الحديث…، يجري كل ذلك بمرأى ومسمع العالم، بل إنه يحظى بدعم أمريكي واضح. إن الوضع المأساوي الذي يعيشه أبناء الشعب الفلسطيني المظلوم يقتضي أن لا يهنأ المسلمون في مطعم أو مشرب إلا أن يكفوا عن إخوانهم وأخواتهم أيدي الظالمين المعتدين…، من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ومن سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم، ولذلك نهيب بالمسلمين كافة أن يهبّوا لنجدة الشعب الفلسطيني المسلم.
٢- اغتيال مؤسس حركة حماس الفلسطينية الشيخ أحمد ياسين في ٢٢ آذار ٢٠٠٤، جاء بيان السيستاني: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ". في صباح هذا اليوم و في جريمة بشعة ارتكبها الكيان الصهيوني المحتل فقد الشعب الفلسطيني المظلوم احد رجاله الابطال العالم الشهيد الشيخ احمد ياسين تغمده الله بواسع رحمته الذي كرّس حياته لخدمة وطنه و دينه و اصبح مثالاً يحتذى به في الصبر و المقاومة.
٣- اعتراف امريكا بالقدس عاصمة العدو الاسرائيلي في ٦ أيار ٢٠١٧. فجاء بيان السيستاني على هذا الحدث: ان هذا القرار مدان ومستنكر، وقد اساء الى مشاعر مئات الملايين من العرب والمسلمين، ولكنه لن يغير من حقيقة ان القدس ارض محتلة يجب ان تعود الى سيادة اصحابها الفلسطينيين مهما طال الزمن ، ولا بد ان تتضافر جهود الامة وتتحد كلمتها في هذا السبيل والله ولي التوفيق.
٤- قضم أراضي فلسطينية جديدة في ٣١ كانون الثاني ٢٠٢١، جاء في بيان السيستاني: المرجعية الدينية تدين بشدة الخطة الظالمة التي كُشف عنها مؤخراً لإضفاء "الشرعية" على احتلال مزيد من الأراضي الفلسطينية المغتصبة، وهي تؤكد وقوفها مع الشعب الفلسطيني المظلوم في تمسكه بحقه في استعادة أراضيه المحتلة وإقامة دولته المستقلة.
٥- مواجهة دامية بين الفلسطينين والكيان الصهيوني في ١٢ آيار ٢٠٢١، فقد أصدر مكتب السيستاني بياناً جاء فيه: إن المرجعية الدينية تؤكد -مرة أخرى- مساندتها القاطعة للشعب الفلسطيني الأبيّ في مقاومته الباسلة للمحتلين، الذين يسعون إلى قضم المزيد من أراضيه وتهجيره من أجزاء أخرى من القدس الشريف، وتدعو الشعوب الحرة إلى دعمه ونصرته في استرجاع حقوقه المسلوبة.
٦- بيان المرجعية الاخير في ١١ تشرين الاول في الحرب القائمة: يتعرّض قطاع غزّة في هذه الأيام لقصف متواصل وهجمات مكثّفة قلّ نظيرها…، يجري هذا بمرأى ومسمع العالم كله ولا رادع ولا مانع، بل هناك من يساند هذه الأعمال الإجرامية…، العالم كله مدعوّ للوقوف في وجه هذا التوحش الفظيع ومنع تمادي قوات الاحتلال عن تنفيذ مخططاته لإلحاق مزيد من الأذى بالشعب الفلسطيني المظلوم.
قال تعالى في كتابه الكريم: "وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ".
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat