المقدمة
يجب حسم قضية أن الشعر الإسلامي، الذي ولد في صدر الإسلام، مستمر في العصور الأدبية كلها، وليس موقوفاً على عصر صدر الإسلام أو متوقفاً فيه كحال عصور الأدب كلها التي تحدها غالباً حدود سياسية-عسكرية كالعصر الأموي والعباسي والوسيط والحديث، وسوف يستمر الشعر الإسلامي في الزمان دون توقف إلى قيام الساعة.
ويعدّ شعر الثورات العلوية التي ناهضت الأمويين شعراً إسلامياً كتب في العصر الأموي، لأنه يحمل عين الهوية والماهية التي يحملها الشعر الإسلامي في تبنـِّيه قضية إسلامية خطيرة هي (الإمامة والخلافة)، وفي تجنبه الأغراض الجاهلية: المدح التكسبي، الهجاء، الفخر، الغزل المقصود، فضلا عن كون ألفاظه ومعانيه إسلامية. وقد ظلت لكلا الشعرين امتدادات وظلال في كل عصر وزمن؛ فالشعر الذي كتبه في مدح الرسول والقيم الإسلامية حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة هو نفسه الذي كتبه صفي الدين الحلي وأحمد شوقي، وقضية الطف التي وصف أحقيتها ورثى شهداءها سليمان بن قتة وعبيد الله بن الحر، ظلت القضية نفسها في شعر حيدر الحلي ومحمد مهدي الجواهري.
وقد رافق هذا الشعر الثورات العلوية التي فجرت في العصر الأموي، وهي ثورات: الحسين بن علي (u) والتوابين والمختار بن عبيد الثقفي وزيد بن علي بن السجاد وابنه يحيى بن زيد. وهو شعر كثير توزع على أغراض أوضحها: شعر مبدأ، شعر تأريخ، رجز معركة، رثاء الشهداء، كما شمل بقلة وتهذيب مديحا وهجاءً. وإذا كان هذا الشعر إسلامياً في موضوعاته فهو كذلك في آليته فقد سلست ألفاظه وتعمقت معانيه وعبَّر عن متبنَّاه (الثورات العلوية) وان كان في ذلك تضحية بالشعرية أحياناً. ولكنه بشكل عام شعر راق؛ فأكثر منشئيه شعراء مرموقون مثل: سليمان بن قتة وأعشى همدان وعبد الله بن همام، فضلا عن شعراء ثانويين: هواة وطلاب أجر كحال أكثر شعر صدر الإسلام، فقيمة هذا الشعر الفنية بقيمة ناظمه.
وللأسف أبعدَ هذا الشعر عند دراسة الشعر الإسلامي، كما أبعد عند دراسة الشعر الأموي فانسحب إلى الظل. وإنَّ دراسة هذا الشعر متممة لدراسة الشعر الإسلامي في العصر الأموي حتماً، لأنه نوع من أنواع الشعر التي كتبت فيه، وتركُ دراسته سيترك حتماً فراغاً تاريخيا وفنياً في أدب هذا العصر، مما يجعل من الواجب الضروري التصدي له ودراسته فكرا وفنا.
قسمت الدراسة على مقدمة، وثلاثة مباحث: تناولتُ في المبحث الأول الثورات العلوية الخمس التي فجرِّت في هذا العصر، وفق دراسة تأريخية أكاديمية. وقد أردنا بما طرحناه تأشير الطرح الأكاديمي بوصفه طرحاً وسطاً منصفاً ومتحرراً. وجعلت المبحث الثاني قراءة موضوعية في شعر الثورات العلوية، وقد أشرت أهم الموضوعات التي تناولها هذا الشعر، مستشهداً بنماذج مشرقة منه بما صح عندنا من روايته، مع تعريف بالشعراء المعروفين فقط. ودرست في المبحث الثالث هذا الشعر فنياً فأجليت أهم الجوانب الفنية بما يبين أهميته وقيمته بين الاشعار.
وقد رجعت إلى مصادر ومراجع متنوعة في التاريخ، والدين، والأدب لتستوفي الدراسة غرضها وتتكامل. ولا أدعي أني حققت الكمال المنشود، فإن الإنسان إذا أخطأ أبرز هويته، وأعلن إنسانيته، وحسبي أني درست موضوعاً لم يُنتبه عليه فأحققت الحق والعلم والبحث وهو حسبي، والله من وراء القصد.
المبحث الأول- قراءة أكاديمية في تاريخ الثورات العلوية
أولا- ثورة الحسين بن علي (u) (61هـ/680م)
ثورة الحسين بن علي أولى الثورات العلوية تجسيداً لمبدأ أحقية أهل البيت بالخلافة، وأقواها تأثيراً، لاتصالها بفاجعة قتل وسبي آل البيت النبوي. وليس من السهولة كتابة نص أصلي خال من الإضافات والتفرعات للمقتل؛ لأن المقاتل استندت إلى رواة لا يملكون الوعي الكافي بماهية الثورة الحسينية، ولا فلسفة القراءة التأريخية. إن فهم فلسفة ثورة الحسين ينطلق من أمرين: اعتقاد أهل البيت بحقهم في الخلافة اعتقاداً نهائياً كما في قول الحسين " نحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان"(1) وقول مسلم بن عقيل حين قال له ابن زياد:" كأنك تظن أن لكم في الأمر شيئاً؟ فقال:"والله ما هو بالظن ولكنه اليقين"(2)، وإلزام أنفسهم بإصلاح الفساد كقول الحسين" إنما خرجت اطلب الإصلاح في امة جدي محمد أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"(3) ، إلا إن ذلك مشروط بوجود (الناصر) ويسقط عنهم التكليف دون الحق بعدم وجود الناصر وهو ما أسسه قول الإمام علي: "(لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر وما اخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم وسغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها)"(4) أي "ان الغرض تعين ويوجب مع وجود من انتصر له على رفع المنكر ومنع الباطل"(5)، وعلى هذا الأساس كان على الحسين وجوب الذهاب إلى الكوفة لا استحبابه بعد ورود الرسائل التي تؤكد انتصارهم له إذا جاءهم.
ثمة تزيدات وأفكار خاطئة في المقاتل ممكن تأشير بعضها دون بعض، كالزعم بأن الحسين قال غداة الطف" إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني"(6)، فهذا القول هو بيت من الشعر للخطيب الشيخ محسن أبو الحب الحائري (ت1305هـ/1888م)(7). كما أضيف إلى دعاء الحسين على أهل الكوفة؛ فرواية أبي مخنف:"اللهم أمسك عنهم قطر السماء، وامنعهم بركات الأرض. اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضي عنهم الولاة أبداً"(8). وروي في مقاتل أخرى متأخرة بإضافة ".. وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبَّرة.. ينتقم لي (وفي أخرى ينتصر لي) ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم"(9). فهذا الكلام موضوع، لإشارته إلى أمور غيبية، وهو أيضاً مغلوط لأنه موزع بين المختار والحجاج فكلاهما ثقفي، فإذا كان المراد المختار فهو انتقم من أغلب وليس كل قتلة الحسين ولم ينتقم من باقي أهل الكوفة (مقاتليه وخاذليه)(10) بل استعان بهم، ودعاء الحسين موجه إلى الكوفيين بلا استثناء. وان كان المراد الحجاج، فهو انتقم من الكوفيين كلهم عدا قتلة الحسين، وبطريقة لا ترضي الله ولا الحسين، فضلا عن كون الحجاج مجرماً ولا يليق بالحسين انتظاره لأخذ حقه!!
ولم تحسم المقاتل موقف الحسين بعد علمه بمقتل مسلم بن عقيل؛ فهو بين إصرار على الاستمرار وتردد في الرجوع. وفي الحقيقة إن سلطة الكوفة لم تترك له الخيار، فقد كانت مهمة الحر حجزه عن الرجوع وحصره والإتيان به إلى حيث أرادوه أن يكون، أي انه علم بمقتل مسلم حين دخل في (الأرض الحرام).
ويكشف حديث الحسين مع أخته زينب في ليلة الانتظار انه لم يضع في نيته الحرب قبل هذه الليلة البتة، فبعد تأففه من الزمن وهو يعالج سيفه مع رجز قاله وكرره مرتين أو ثلاثا، سمعته زينب فأقبلت إليه باكية متفجعة فقالت: "بأبي أنت وأمي استقتلت! نفسي لنفسك الفدا"(11). فأجابها، مبيناً انه حمل بلا رغبة منه على ذلك بقوله متمثلا: "لو تُرك القطا ليلا لنام"(12)، فقالت:" إنما تغصب نفسك اغتصاباً فذاك أطول لحزني وأشجى لقلبي" فراح يعزيها بأقوال كثيرة. فهذا المشهد ممثلا بإعلانه الأسف واعترافه باضطراره إلى الحرب وظهور عويل النساء بعد معرفتهن بان الحرب واقعة لا محالة، ومكاشفة الإمام أصحابه وطلبه منهم المغادرة، كل هذا يدل على انه تفاجأ بتحول الأمور والوصول إلى خيار الحرب، وهو حتماً يفسر جلبه عائلته وما كان ليعرضها للهوان لو علم بالحرب.
وظهر في الأحداث اثر لحصان الحسين عند الخوارزمي ولكنه معقول "واقبل الفرس فوضع ناصيته في دم الحسين، وذهب يركض إلى خيمة النساء وهو يصهل ويضرب برأسه الأرض عند الخيمة، فلما نظرت أخوات الحسين وبناته وأهله إلى الفرس ليس عليه احد رفعن أصواتهن بالصراخ والعويل"(13)، ولكنه يصبح أسطوريا عند ابن شهر أشوب فهو يذبّ عن الإمام الحسين بعد سقوطه، ويحامي عنه، ويثب على الفارس فيخبطه عن سرجه ويدوسه حتى قتل أربعين رجلاً(14)، فإذا كان قتلى جيش الكوفة في أصح المقاتل ثمانية وثمانين(15)، فيكون الحصان قتل نصفهم تقريباً، وقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه النصف الآخر!!
وكان ارتباط مقتل الحسين بمظاهر العزاء والنياحة منذ أمر بها معز الدولة البويهي في عاشر المحرم من سنة (352هـ)(16) قد أسهمت في الإضافة إلى المقتل، وقد دعا العلماء ومنهم آية الله المطهري إلى رفع هذه الإضافات ومنها (عرس القاسم).
الرسائل المزورة
بعد قراءة النصوص بدقة مع مجاراة اختلافها ومحاولة إعادة ترتيب الحقيقة من خلالها، يتحقق أن يزيد كان يريد، بناء على وصية أبيه التحذيرية، أن يخرج الحسين من العراق ليقتله لصعوبة قتله في معقله وفي مجتمع يؤمن بأحقيته بالخلافة، فهو في (مكة) غير مدافع عنها (الخلافة) كما اعترف غريمه عبد الله بن الزبير(17). وهنا نقترح أن يكون يزيد هو من أرسل الرسائل المشددة للحسين، دون علم العراقيين، بتواقيع شرفاء الكوفة، ليجتذبه إلى العراق ويوقع به، أو انه دجّن بعض أشراف العراقيين لمصلحته فاستكتبهم، لان الحسين قبل المعركة صاح بأشراف الكوفة "يا شبث بن رِبعي ويا حجار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا لي في القدوم عليكم، قالوا: لم نفعل!"(18)، كما أنكر الرسائل الحر بن يزيد الرياحي قائلا للحسين:"والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر!"(19)، وقد عقد ابن زياد لواءً لشبث بن ربعي، وكان معه في القصر عشرون من الأشراف(20)، ووصفهم أبو مخنف كألعوبة بيد يزيد الذي راح يسخِّرهم لاقتياد العراقيين للحرب ضد الحسين كما في قوله:"اشرفوا على الناس فمنّوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة، وخوّفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة، وأعلموهم وصول الجنود من الشام إليهم"(21). والذي يؤكد أن العراقيين لم يراسلوا الحسين، هو أنهم لم يقاتلوا معه البتة، بينما قاتلوا مع الثوار الباقين وان نكصوا بعدها؛ فقد قاتلوا مع سليمان بن صرد والمختار وزيد وبقية الثوار، وذلك لأنهم حشدوا فاستعدوا.
أهل الكوفة
لم يلق مسلم بن عقيل في الكوفة شعباً ينتظره بحزم وعزم الرسائل المرسلة، بل تلقوه بالبكاء لا بالحماس(22)، وتعاملوا معه عاطفيا وهذا يؤشر عدم وجود تنظيم مسبق للثورة، ويؤكد تفاجئ الكوفيين بمسلم والحسين. ثم طرحت فكرة اغتيال أمير الكوفة التي لم يقتنع بها مسلم ربما لخيبة أمله بما آل إليه الحال، وفضَّل النهوض بمن وقّع على تأييده منهم فكان أن قاتل، بثلة لا ناصرة ولا منصورة، لان الكوفيين حشدتهم السلطة لقتال الحسين(23). والحقيقة أن الكوفة مثلت للتشيع حطب الثورة ومسعر الحرب، إلا أنها في طول تاريخها الثوري مثلت الخذلان السريع لكل ثائر ناصرته فهي كـ(نار القصب) تشتعل بشدة وسرعة مرعبة ثم تنطفئ فجأة. وقد أشار إلى هذه الحقيقة قواد الشيعة وثوارهم؛ فقال الإمام علي:" إنما أنتم كالمرأة الحامل حملت فلما أتمت أملصت"(24)، وقال الحسين " إنهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا"(25) وقال زيد لنصر بن خزيمة بعد انفضاض أهل الكوفة عنه: إن أهل الكوفة فعلوها حسينية"(26) ووصفهم أبو السرايا حين خطبهم شاتماً "إنما أنتم كفيء الظل"(27)، وقال البغدادي كان من أمثالهم قولهم: (اغدر من كوفي)(28).
قادة حرب يزيد
تولى قتال الحسين أربعة قياديين، هم كما وصفهم الجاحظ: يزيد (الملك)، وشمر بن ذي الجوشن (الرئيس)، وعبيد الله بن زياد (الأمير) وعمرو بن سعد (قائد الجيش)(29)، وهم بهذا التسلسل في القوة والأثر، فابن سعد أضعفهم وهو مفضوح التردد غير واضح الولاء لذا طرده يزيد أخيراً، وهو سطحي في الأحداث وأقربهم إلى السلم لذا التقاه الحسين على انفراد للتفاوض مرارا(30). وكان عبيد الله بن زياد أقوى كرهاً وحرباً ولكنه لا يمثل يزيد، لذلك قبل بالصلح: "هذا كتاب رجل ناصح لأميره، مشفق على قومه.. نعم قد قبلت"(31). أما الشمر فهو ممثل يزيد ومراقب سريان الخطة التي وضعها لقتل الحسين، لذا اعترض على قبول ابن زياد الصلح فانبرى قائلا بعنف:"أتقبل هذا وقد نزل بأرضك والى جنبك(32)"؟ ثم اقترح خطة تفاوض سلبية تنسخ وتمسخ الصلح، وقد لقنها الشمر لابن زياد فراح يتبناها لأنها رغبة يزيد وهي " لينزل على حكمك هو وأصحابه، فان عاقبت كنت وليّ العقوبة، وان عفوت كان ذلك لك"(33). لذلك وجدنا عمر يقول للشمر بعدما تلقى من ابن زياد رسالته التي تضمنت خطة الشمر البديلة "أفسدتَ علينا أمراً كنا رجونا أن يصلح، والله لا يستسلم الحسين أبداً"(34)، وهو ما كان فعلا فعندما عرضوا الأمر على الحسين عرف الأمر وتبينه فاستمهلهم إلى الغد ليستعد للقتال وينظر في أحوال عائلته، مردداً:" هيهات منا الذلة"(35). لقد أدرك الحسين في هذه النقطة ما خطط له يزيد، وتبينت الحقيقة كلها، لذا أراد تسريح كل من معه حتى أقاربه، وهو تفسير قوله لهم:" إنَّ القوم ليسوا يقصدون غيري"(36)، ولكن ما كان لهم تركه وما كان له إجبارهم على ذلك.
معدمة الطف
ليس من الدقة والصواب إطلاق اسم حرب أو معركة أو وقعة أو أي اسم عسكري على حادثة الطف، فهي بين فئتين مختلتي العدد جداً؛ أفراد (نحو مائة) مقابل آلاف (نحو عشرين ألفاً). وان استقراء النصوص بعمق، يظهر أنها شكل من الإعدام! فكان أصحاب الحسين يتقدمون إلى المبارزة أو القتل واحداً تلو الآخر. وكانت المبارزة الطريقة القتالية الوحيدة المفروضة، بدأت بها المعركة وانتهت، فكان الرجل يستأذن الحسين ويودعه ويتقدم، وقد جاء في مقاتل الحسين إن عبد الله بن عمير استأذن الحسين فإذن له(37)، وترد استئذانات من عمرو بن قرظة وحبيب بن مظاهر وآخرين. وجاء عن الصحابي الشيخ أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي "انه لما جاءت (نوبته) استأذن الحسين(38)، وفي تاريخ اليعقوبي: ثم تقدموا رجلا رجلا(39).. وذكر الخوارزمي أن أصحاب الحسين " كانوا يأتونه الرجل بعد الرجل للاستئذان ثم يحمل فيقتل حتى قتلوا عن آخرهم"(40).
وقد أدى إلى هذه الصورة من القتال أمران: الأول رغبة السلطة الكوفية في أسر الإمام (إن أمكن) أو قتله قتلا مشرفاً لها، فرأت من العار عليها أن تطبق بجيشها الكبير على أصحابه القلة، والثاني: عدم إيمان الكوفيين بشرعية قتل الحسين، وهذا جعل جيشهم غير مجمع على قتاله فلم يقاتلوا بروح الجميع. وقد جاء في المقاتل انه مكث طويلا من النهار، ولو شاء الناس أن يقتلوه لقتلوه ولكنهم كان يتقي بعضهم ببعض، ويحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء(41). لذلك ذهبت سدىً صيحة عمر بن سعد في بداية المعركة " احملوا بأجمعكم إنما هي أكلة واحدة(42)"، وانفرد ابن طاووس بذكر اشتباك للجيشين في البدء(43)، وهو مخالف للمنطق؛ إذ لو وقع هجوم شامل من الكوفيين على أصحاب الحسين لأفنوهم عن آخرهم وما كان بعده قتال.
وكانت خطة جيش الكوفة حمل الحسين على الاستسلام، متخذين إلى ذلك خطوات: الأولى قتل خيول الحسين رشقا بالنبال لشل حركة جماعته وتسهيل تطويقهم، وهكذا تحول أصحاب الحسين كلهم رجَّالة(44). والخطوة الثانية حرق الخيام لأنهم جعلوها خلفيتهم فلم يقدر جيش الكوفة على قتالهم إلا من جهة واحدة، فأرادوا بحرقها أن يحيطوا بهم(45). أما الخطوة الثالثة فكانت الحصار المائي لإضعافهم عطشا، ولو أرادوا إبادتهم لأطبقوا عليهم وأفنوهم دون الحاجة إلى هذه الخطوات، وحين يئسوا منه عملوا على قتله وقتل أصحابه بهذه الطريقة.
وإذا أضاف الكوفيون، بسبب تفوق أصحاب الحسين (فرسان المصر) في المبارزة، الرمي بالحجارة والرشق بالسهام والهجوم بعدد معقول، فهذا لم يخرج الحادثة عن شكل (البراز) وشكل من أشكال الإعدام.
ثانياً- ثورة التوابين (65هـ/684م)
في ظل الفراغ السياسي الذي صنعه موت يزيد بن معاوية وبروز عبد الله بن الزبير خليفة منافساً للأمويين، وتشجيع الظروف الجديدة بتحرر الكوفة، ظهر (التوابون)(46) على مسرح الأحداث معلنين ندمهم لخذلان الحسين، وشاهرين سيوفهم ضد الأمويين، وداعين إلى خلافة أهل البيت، وقبل هذه الأحداث منذ سنة (61هـ) كانوا "يتداعون ويستعدون ويرتؤون"(47).
قامت هذه الحركة على مبدأ قتل النفس لتبرئتها من دم الحسين " مالنا من توبة مما فعلنا إلا أن نقتل أنفسنا في الطلب بدمه"(48)، وكان زعيمهم (سليمان بن صرد)، الصحابي التقي(49)، أكثرهم مغالاة في طلب ذلك القتل، لأنه قعد عن نصرة الحسين، وقعد في بيته متخليا عن الطرفين؛ ربما بسبب ما عرف به من الشك(50). وكان عليه أن يتحصن بالكوفة ثم يقاتل جيش الشام كما فعل بعده المختار، لكنه ذهب يقاتل في العراء بـأربعة آلاف عشرين ألف أموي، فأكد، كما قال المختار بحقه، عدم أهليته للرئاسة في الحرب والسياسة(51).
لم يولِ سليمان بن صرد اهتماماً بأخذ ثأر الحسين لأنه علم أن كلَّ او جلَّ أهل الكوفة من لم يكن من (قتلته) الحسين وأصحابه فهو من (مقاتليه)، وهو في هذه المرحلة يريد كسب الكوفيين لضرب أعدائه: الأمويين ثم الزبيريين، لذا استهجن مشورة جماعته في ذلك بقوله:" والله لو قاتلتم غداً أهل مصركم ما عدم رجل أن يرى رجلا قتل أخاه وأباه وحميمه أو رجلاً لم يكن يريد قتله"(52)! ووجه قضية الثأر إلى الأمويين وقائد جيشهم عبيد الله بن زياد :" أنا أرى أنه هو الذي قتله"(53) لإدراكه أن عملية الثأر تنفر الكوفيين، وهذه عين الفكرة التي روج لها الزبيريون. وقد صفقوا لخروج سليمان من الكوفة لدفع المارد الشيعي المتحرر إلى الخارج لذا عرضوا عليه المساعدة والمدد(54).
لم يدعُ سليمان إلى علوي بعينه ولكنه كان يهدف إلى إرجاع الأمر إلى آل البيت، وهو ما أكده التفاوض مع قادة عبيد الله بن زياد في (عين الوردة) فقد دعاهم سليمان إلى خلع مروان وتسليم عبيد الله بن زياد، وتكفل هو بإخراج أصحاب عبد الله بن الزبير من العراق وتسليم الأمر إلى أهل بيت النبي(55). لقد كانت ثورة التوابين محاولة غير موفقة، ظروفا وقيادة، لإعادة الخلافة إلى أهل البيت فاستحال هدفاً بعيداً. وقد أصبح الثائرون بين ثلاثة فكوك: خذلان الكوفيين المزمن، وجيش الأمويين القادم، وقوة الزبيريين المستحوذة، فانحصر جهدهم بحل عقدة الذنب وأخذ الثأر "إنما أخرجتنا التوبة من ذنوبنا، والطلب بدم ابن بنت نبينا"(56).
ثالثا- ثورة المختار بن عبيد الثقفي (66- 67هـ/685- 686م)
كان انفلات الوضع في الكوفة الذي أفرز (التوابين)، قد أفرز ثائراً محنكاً هو (المختار بن أبي عبيد الثقفي)، وهو شخصية قيادية قوية. وعلى الرغم من بعده عن العلويين في النسب، واشتغاله بهدف سياسي بحت، إلا انه ارتبط بأهل البيت لأخذه بثأرهم، فنال حظاً من مشاعر الحب والاحترام عندهم وعند الشيعة قاطبة في الماضي والحاضر.
شخصيته
إن دراسة شخصية المختار ومعرفة أسرارها تكشف انه سياسي لا يعرف طموحه حداً، فالكوفة والثأر من (المحلِّين) خطوة أولى إلى هدف كبير. وكل شيء هو تكتيك وخدع لكسب المعركة، وقد اتهمته الأخبار بأشياء مشينة، وحتماً تزيدوا عليه، كتزويره الكتب عن ابن الحنفية(57)، وإيهامه بأسجاعه بأنه يوحى له(58)، واتخاذه كرسيا قديما بزعم انه للإمام علي وهو بمثابة التابوت لبني إسرائيل(59)، وإرساله الحمام فوق سماء المعركة وقوله لأصحابه: إنها الملائكة تنزل عليكم في صورة حمامات بيض(60)، وغير ذلك مما وصم به وحملهم على اتهامه بشتى الاتهامات كتلقيبه بالكذاب، وهو لقب يوصم به مدعي النبوة(61)، وقد ذهب النووي إلى أن العلماء أجمعوا على أن الرسول (r) بقوله (إن في ثقيف كذابا ومبيرا) كان يقصد بالكذاب المختار بن أبي عبيد(62).
الثأر للحسين
صار الثأر لشهداء الطف القضية الأولى لدى أهل البيت والشيعة، لذا تصدر أهداف الثورات؛ فرفع شعار الثأر سليمان بن صرد ولم يعمل به، ورفعه زيد بن علي وهو يطلب الإمامة والخلافة، ولهذا السبب تبناه المختار بجديَّة. وقد تخلى كثير من الشيعة عن ابن صرد حين رفض إطاعتهم في الثأر من الكوفيين فتقلص عدد أتباعه إلى الربع، مما اضطره إلى أن ينادي في الكوفة (يا لثارات الحسين)(63)، ولكن الكوفيين لم ينهضوا معه لأنه لم يرد الثأر الذي أرادوه. وللسبب نفسه انقادوا للمختار. وموضوع الثأر صعب وشائك؛ فكسب الشيعة يقتضي تصفية قتلة الحسين، وتصفيتهم، وهم رؤساء الأرباع وأشراف القبائل(64)، تجعل المنتقم واتراً للغالبية وتؤلب عليه الرأي العام، فضلا عن أن غالبية أهل الكوفة اشتركوا بدم الحسين قتلة أو مقاتلين.
قام المختار باستئجار نوائح على الحسين لكسب مشاعر الشيعة(65)، والبطش والتمثيل بمن اشترك في قتل الحسين وأصحابه بما يشفي صدور الشيعة ولم يكتف بقتلهم. ولكنه أعطى أماناً لنسيبه (عمر بن سعد)(66) قائد جيش ابن زياد ثم نقضه، وشفَّع في (حكيم بن الطفيل) الذي ضرب الحسين بسهم بمواربة(67). وهرب من قبضته مجرمون حقيقيون كمحمد بن الأشعث وشبث بن ربعي (من قادة حرب الحسين) ومرة بن منقذ (قاتل علي بن الحسين) وأسماء بن خارجة (الساعي في قتل مسلم) وعمرو بن الحجاج (مانع الماء عن الحسين). وهرب قاتلون ومقاتلون آخرون من الكوفة إلى البصرة قيل: بلغوا عشرة آلاف(68). وهو بهذا قتل عددا مهولا قيل: سبعين الفاً، من فرسان العرب وشجعانهم وساداتهم وكبرائهم(69)، وشرَّد الكثيرين، فكان أن انقلب الهاربون عليه وحاربوه، وتركه الباقون من أصحابه لما تركه في نفوسهم من الذحل على أقربائهم(70).
ويؤخذ عليه في أخذه الثأر اعتماده على أشخاص يذكرون له القتلة (71)، فوقع تحت أهوائهم، ولو انتهج نهج أبي مسلم الخراساني في اقتصاصه من قتلة يحيى بن زيد بمسكه ديوان الجيش(72)، لكان أدق، كما قتل على السعاية فأعتق من سعى بمولاه أو قتله فأجرأ العبيد على السادة(73).وكانت من مضاعفات الثأر وتخلي العرب عنه، تجنيده وتقريبه الموالي (الحمراء) لتعويض مناصريه فزاد السخط عليه(74). وهكذا انحصرت ظاهرة المختار بأخذه الثأر؛ فبه وجد وبه انتهى.
أثره
لم يحدد المختار علوياً ليدعو له سلفاً، بل رضي بمن يقبل أن يكون له غطاءً شرعياً فراسل السجاد وقيل أبى، ثم راسل محمد بن الحنفية الذي ارتضى المختار آخذا لثأر الحسين فقط(75)، ولكن المختار أراد من ابن الحنفية أبعد من قضية الثأر فروّج بأنه المهدي المنتظر(76)، ونجد (الكيسانية) وهم أصحاب المختار يقولون بإمامة ابن الحنفية دون علي السجاد (77). ولعله أراد القضاء على الزبيريين والأمويين تباعاً تحت هذا الغطاء. وقد بقيت الكيسانية بعد المختار منقسمة إلى ثلاث فرق مهدت إحداها للدولة العباسية. والكيسانية أولى الفرق التي شذت عن الإمامية.
وقد أجاد المختار استغلال أدواته المتاحة وتصرف بسرعة ممكِّنة لكسب الوضع لمصلحته، فحقق ما عجز سليمان بن صرد عن تحقيقه بحله العقد الثلاث: عقدة الكوفيين فكسبهم بثأره للحسين، وعقدة الزبيريين بطرد واليهم (ابن مطيع) واستحواذه على السلطة، وعقدة الأمويين وجيشهم القادم بالانتصار عليهم في (الخازر). غير انه لم يحسم أياً من هذه العقد بشكل نهائي؛ فالكوفيون عادوا إلى خذلانهم المزمن، واستعد له الزبيريون فكان قتله على يد مصعب بن الزبير، أما الأمويون فإذا لم ينتصر مصعب كانوا سينتصرون عليه، وقد كانت لهم الغلبة الأخيرة على الكوفة.
رابعاً- ثورة زيد بن علي (121هـ)
لم يكن زيد ثائرا علوياً ضد الأمويين حسب، بل كان ثائرا على الطرفين؛ فجاهد الأمويين على الخلافة، ونافس أخاه محمد الباقر على الإمامة. وقد رفع شعار الثأر للحسين(78) لكسب الشيعة. وقيل:انه كان يدعو إلى الرضا من آل محمد ولا يريد نفسه(79)، وقيل أيضاً: أوهم الشيعة بأنه قام بأمر أخيه الباقر(80). ويؤكد طلب زيد الخلافة قول هشام له:" أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها؟"(81)، وطلبه الإمامة قوله للباقر: " ليس الإمام من أرخى عليه ستره، إنما الإمام من أشهر سيفه"(82).
وكان طلبه الإمامة لجمع الشيعة والثورة على الأمويين لسلبهم الخلافة؛ لذا خطط للالتقاء بالكوفيين برغم جهود يوسف بن عمر أمير الكوفة في الحيلولة دون ذلك(83). ولكن أهمية زيد الروحية أكبر مما حققه على الأرض، فمائة الألف الذين وعدوه بالنهوض معه تناقصوا وقت الحرب إلى خمسمائة أو مائتين وثمانية عشر فقط! فردد في أسف: "سبحان الله فأين الناس؟"(84)، وفي الحقيقة لم يحجزهم يوسف بن عمر في الجامع منعاً من مساندة زيد بقدر ما هم انحجزوا مطاوعة، وتأكد زيد من أن أهل الكوفة فعلوها حسينية(85)!!
وأهمية زيد في انه فتح باب الثورة بعد الحسين بن علي. وتبنت (الزيدية)، الفرقة التي شكلها أتباعه، الأيدلوجية الثورية في بقية العصر الأموي ونصف العصر العباسي، وصار مفهوم الإمامة في الفقه الزيدي مرتبطاً بالثورة فكل: فاطمي، عالم، زاهد، شجاع، سخي، خرج بالإمامة يكون إماماً واجب الطاعة(86). وانقسمت الزيدية إلى ثلاث فرق: البترية والجارودية والسليمانية. والفرقة الزيدية تعد زيداً الإمام الخامس فهو بعد زين العابدين. وهي ثاني فرقت شذت عن الإمامية.
ثورة يحيى بن زيد (125هـ)
وكان يحيى بن زيد امتدادا لأبيه في منهجه واعتقاده بالإمامة والخلافة، وقد فرَّ من الكوفة إلى خراسان عقب مقتل أبيه، لأنه وجدها مكاناً مناسباً لثورته، وتتضح نيته الثورية في قوله لنصر بن سيار حين أمره بالتقوى وحذره الفتنة:" وهل في أمة محمد فتنة أعظم مما أنتم فيه من سفك الدماء وأخذ ما لستم له بأهل؟"(87) وما لبث أن ثار وقتل في الجوزجان مع أصحابه كلهم(88). وهو الإمام السادس عند الزيدية، ولم يعقب، وكان حلقة الوصل بين الفرعين الفاطميين: الحسيني والحسني؛ فأغلب الثورات العلوية الحسنية بعد يحيى في العصر العباسي أسست شرعيتها على النظرية الزيدية، وقد زعموا أن يحيى فوَّض الأمر بعده إلى محمد النفس الزكية وإبراهيم(89)، مع إن المصادر تؤكد عدم بقاء احد من أصحاب يحيى لينقل هذه الوصية! ولعلهم روجوا ذلك لمنح الثورات الحسنية الشرعية فالمعروف أن الإمامة مستمرة في ذرية الحسين.
المبحث الثاني: القراءة الموضوعية لشعر الثورات العلوية
شعر الثورات العلوية كثير مبثوث في كتب المقاتل والكتب التأريخية والأدبية وغيرها، وعانى من التزيد والاختلاف ما عانته الثورات نفسها، وقد قمنا بترجيح رواية واحدة للشعر المروي بروايات مختلفة، وكان اختيارنا للأشعار انتقائياً؛ إذ أن غرض الدراسة تسليط الضوء على شعر الثورات العلوية بكشف ماهيته وتحديد فنيته وإلحاقه بالشعر الإسلامي والأموي. وقد دار شعر الثورات العلوية في الموضوعات الآتية:
أولا- المبدئية
وهو الذي يشرح المبدأ الذي قامت عليه الثورات، ويرجع أولية هذا الشعر إلى زمن استشهاد الإمام علي، فقد أكد الشعر أحقية أهل البيت بالخلافة والإمامة، وانه حق مستمر فيهم كما في أبيات أبي الأسود الدؤلي(90) (وتنسب لغيره) في رثاء الإمام علي:
فلا تشمتْ معاوية بن صخرٍ |
|
فإنَّ بقية الخلفاءِ فينا |
وأجمعنا الإمارة عن تراضٍ |
|
إلى ابن نبينا والى أخينا |
ولا نعطي زمامَ الأمر فينا |
|
سواه الدهرَ آخر ما بقينا |
وانَّ سراتنا وذوي حجانا |
|
تواصوا أن نجيبَ إذا دعينا(91) |
ويتوضح هذا الشعر في ثورة الحسين الذي نهض لتصحيح مسار الخلافة، فقد ذكر علي بن الحسين (الأكبر) حق أهل البيت بالخلافة وادعاء الأمويين لها وهو يرتجز في الحومة:
أنا عليُّ بنُ الحسين بن علي |
نحنُ، وربِّ البيت، أولى بالنبي |
تاللهِ لا يحكمُ فينا ابنُ الدَّعي(92) |
فإنما نهض الحسين لأنه أولى بالخلافة من الدعي والغاصب يزيد بن معاوية. وجعل خالد بن عفران(93) الحسين بمنزلة رسول لأنه امتداده في الهداية والرشاد، وهو معادل للتهليل والتكبير:
جاؤوا برأسك يا ابن بنتِ محمَّدٍ |
|
متزملا بدمائه تزميلا |
وكأنما بك يا ابنَ بنتِ محمدٍ |
|
قتلوا جهاراً عامدينَ رسولا |
قتلوكَ عطشاناً ولم يترقبوا |
|
في قتلك التنزيلَ والتأويلا |
ويكبِّرونَ بأن قتلتَ وإنَّما |
|
قتلوا بك التكبيرَ والتهليلا(94) |
وشرح الشعر مبدأ التوابين المتلخص بالتوبة من الذنب والثأر من قتلة الحسين في قول الشاعر عبد الله بن عوف بن الأحمر(95):
صحوتُ وودَّعتُ الصِّبا والغوانيا |
|
وقلت لأصحابي: أجيبوا المناديا |
وقولوا له إذ قامَ يدعو إلى الهدى |
|
وقتلِ العدى: لبيكَ لبيك داعيا |
وسيروا إلى القوم (المحلِّين) جنة |
|
وهزوا حراباً نحوهم وعواليا |
ألا وانعَ خير الناس جَداً ووالداً |
|
حسيناً لأهل الدين إن كنتَ ناعيا |
وأضحى حسينٌ للرماح دريئة |
|
وغودِرَ مسلوباً لدى الطفِّ ثاويا |
فيا ليتني غودرتُ فيمن أجابَهُ |
|
وكنتُ له من مقطع القتل واديا |
فيا أمة ضلَّتْ وتاهتْ سفاهة |
|
أنيبوا وأرضوا الواحِدَ المتعاليا |
وفتيانِ صدق صرعوا حول بيته |
|
كراماً وهم كانوا الولاة الأكابيا |
أصابهُمُ أهلُ الشقاوة والأذى |
|
فحتى متى لا تبعث الخيل شاميا |
وحتى متى لا أعتلي بمهند |
|
قذالَ ابن وقاص وأدركُ ثاريا |
وإنِّي ابن عوفٍ إنَّ راحة منيتِي |
|
بيوم لهم منَّا يشيبُ النواصيا(96) |
فقد استوعبت الأبيات فكرة التوابين كلها وهي: الندم على ترك نصرة الحسين، والتفجع عليه واستذكار الطف، والدعوة إلى التوبة من فعل الخذلان، والثأر من قتلة الحسين (المحلِّين).
ويستوعب الشعر ظاهرة المختار بن عبيد الثقفي، فيتناول شعاره الكبير الذي رفعه وهو (يا لثارات الحسين) في قول الشاعر:
ولما دعا المختارُ جئنا لنصرهِ |
|
على الخيل تردي من كميتٍ وأشقرا |
دعا (يا لثارات الحسين) فأقبلتْ |
|
تعادى بفرسانِ الصباحِ لتثأرا(97) |
كما تناول الدعوة إلى إمامة محمد بن الحنفية التي رفعتها (الكيسانية)، قال عبد الله بن همام السلولي(98):
فمنَّ وزيرُ ابن الوصيِّ عليهمُ |
|
وكان لهم في الناس خيرَ شفيعِ |
وآب الهدى حقا إلى مستقره |
|
بخير إيابٍ آبه ورجوعِ |
إلى الهاشميِّ المهتدي المهتدى به |
|
فنحنُ له من سامعٍ ومطيعِ(99) |
فقد أراد بوزير ابن الوصي: المختار الثقفي، وابن الوصي الذي به رجع الحق إلى مستقره وأهله: محمد بن الحنفية، الهاشمي المهتدي والمهتدى به، لأنه الإمام الذي يجب سماعه وطاعته.
ثانياً- التأريخية
لابدَّ من الاعتراف بأن شعر الثورات العلوية في العصر الأموي تحمّل التأريخية فضلا عن الفنية، فهو أدب تأريخ وأدب فن، لأنه كتبه الشاعر بتأريخية، وغير الشاعر ممن حركه الموقف أو ترجى في الكتابة الأجر والثواب، كحال كثير من شعر الفتوح والغزوات. وقد أشَّر هذا الشعر حقائق يستفيد منها المؤرخ أكثر من رواية الخبر؛ لأنه اغتنى فكرا وروحاً وتخطى جهد المؤرخ الذي لا ينقل إلا الخبر السطحي ولا يستطيع أن يتوغل إلى التفاصيل النفسية لتلك الثورات ومن ذلك قصيدة عبد الله بن الزبير(100):
إن كنتِ لا تدرينَ ما الموت فانظري |
|
إلى هانئ في السوق وابن عقيلِ |
إلى بطلٍ قد هشَّمَ السيفُ وجهَهُ |
|
وآخرَ يهوي في طمار قتيلِ |
أصابهما أمرُ الإمام فأصبحا |
|
أحاديثَ من يسري بكلِّ سبيلِ |
ترى جسداً قد غير الموت لونه |
|
ونضحَ دم قد سالَ كلَّ مسيلِ |
فتى هو أحيى من فتاةٍ حييَّةٍ |
|
واقطعُ من ذي شفرتين صقيلِ |
أيركبُ أسماءُ الهماليجَ آمناً |
|
وقد طلبتهُ مذحَجٌ بذحولِ |
تطيفُ حواليهِ مرادٌ وكلّهُمْ |
|
على رقبةٍ من سائلٍ ومسُولِ
|
فإنْ انتُمُ لم تثأروا بأخيكُمُ |
|
فكونوا بغايا أرضيتْ بقليلِ(101) |
فهي تصف حال هانئ بن عروة ومسلم بن عقيل بعد قتلهما وعرضهما في السوق، وقد هشم وجه هانئ والقي مسلم من فوق القصر، ويذكر الشاعر أسماء بن خارجة الذي سعى بمسلم، وذحل مذحج قبيلة هانئ بن عروة بقتل زعيمها، فكان هذا الشعر تأكيداً وعرضاً أدبياً لحقائق عرضتها كتب التاريخ بشكل مسهب.
وقال أعشى همدان(102) في عين الوردة حيث خاض (التوابون) بقيادة سليمان بن صرد معركة ضارية مع الأمويين بقيادة عبيد الله بن زياد أتت عليهم:
فاني وان لمْ انسهنَّ لذاكرٌ |
|
رزيئة مخباتٍ كريم المناصبِ |
توسَّلَ بالتقوى إلى الله صادقاً |
|
وتقوى الإلهِ خيرُ تكساب كاسبِ |
وخلَّى عن الدنيا فلم يلتبسْ بها |
|
وتابَ إلى الله الرفيع المراتبِ |
تخلَّى عن الدنيا وقال اطرحتُها |
|
فلستُ إليها ما حييتُ بآيبِ |
وما أنا فيما يُكبِرُ الناسُ فقدَه |
|
ويسعى له الساعون فيها براغبِ |
فوجَّههُ نحوَ الثويَّة سائراً |
|
إلى ابن زيادٍ في الجموع الكَباكِبِ |
بقومٍ همُ أهلُ التقية والنهى |
|
مصاليت أنجادٍ سراة مناجبِ |
مضوا تاركي رأى ابن طلحة حسبةً |
|
ولم يستجيبوا للأمير المخاطبِ |
فساروا وهم من بين ملتمس التقى |
|
وآخرَ مما جرَّ بالأمس تائبِ |
فلاقوا بعين الوردة الجيشَ فاصلاً |
|
إليهم فحسُّوهم ببيضٍ قواضبِ |
يمانية تذري الأكفَّ وتارة |
|
بخيلٍ عتاق مقرباتٍ سلاهبِ |
فجاءَهُمُ جمعٌ من الشام بعدَهُ |
|
جموعٌ كموج البحر من كلِّ جانبِ |
فما برحوا حتى أبيدت سراتهم |
|
فلم ينجُ منهم ثمَّ غيرُ عصائبِ |
وغودِرَ أهلُ الصبر صرعى فأصبحوا |
|
تعاورُهُمْ ريحُ الصَّبا والجنائِبِ |
وأضحى الخزاعيُّ الرئيسُ مجدَّلاً |
|
كأنْ لم يقاتلْ مرَّة ويحاربِ |
ورأسُ بني شمخ وفارس قومِهِ |
|
شنوءة والتيمي هادي الكتائبِ |
وعمرو بن بشرٍ والوليدِ وخالدٍ |
|
وزيدِ بن بكر والحليس بن غالبِ |
وضاربَ من همدانَ كلِّ مشيَّعٍ
|
|
إذا شدَّ لم ينكلْ كريم المكاسبِ |
ومن كلِّ قوم قد أصيبَ زعيمُهُم
|
|
وذو حسبٍ في ذروةِ المجدِ ثاقبِ(103) |
فالأبيات تفصِّل في قائد التوابين (سليمان بن صرد) ومنزلته، ثم نهوضه ومسيره من (الثوية) في الكوفة إلى قتال ابن زياد في (عين الوردة)، وعدم استجابته وأصحابه لرأي (عبد الله بن يزيد) أمير الكوفة لعبد الله بن الزبير بترك المسير أو تأجيله، ثم يصف اشتداد وطيس المعركة وكثافة الجيش الشامي الذي يأتي أفواجا بعد أفواج، فأبيد جيش التوابين إلا (عصائب)، ثم يسمي الشهداء: الخزاعي الرئيس (سلمان بن صرد)، ورأس بني شمخ (المسيب بن نجبة)، والتيمي (عبد الله بن وأل)(104)، ثم يذكر رؤساء آخرين فمن كل قوم أصيب زعيمهم؛ وهذا يؤكد أن المعركة وقع ثقلها على الأشراف لتبرئة ذممهم أمام الله.
ثالثاً- رجز المعركة
يحتل رجز المعركة مساحة واسعة في شعر الثورات العلوية، وذلك لأنها ثورات مسلحة مكانها حومة الوغى، وطبيعي أن يرتجز المقاتلون فالرجز إرث عربي استعمله الجاهليون في معاركهم لأنه يحدث فيهم تهيجاً للقتال وتبعهم فيه المسلمون. إلا أن رجز الثورات العلوية حمل معاني مختلفة تماما تجعله لا يشبه رجز المعركة العربي المألوف لأنه مبدئي بطولي فدائي بدرجة صارخة.
تميز رجز ثورة الحسين بوجود الشخصية المركزية (الإمام الحسين) مما يؤشر ثقلها وصدق الإيمان بها كرجز عمرو بن قرظة:
قد علمت كتيبة الأنصار |
|
أني سأحمي حوزة الذمار |
ضربَ غلام غير نكسٍ شاري |
|
دون حسين مهجتي وداري(105) |
أما زهير بن القين فقد جعل رجزه خالصاً للحسين حين نزل للقتال فقال ملتفتاً (إليه):
أقدِمْ هُديتَ هاديا مهديَّا |
|
فاليومَ تلقى جدَّك النبيا |
||
وَحَسَنَاً والمرتضى عليَّا |
|
وذا الجناحين الفتى الكميَّا |
||
|
وَأسَدَ اللهِ الشهيد الحيَّا(106) |
|
||
وجعل حبيب بن مظاهر رجزه احتجاجا ومناظرة:
أنا حبيبٌ وأبي مُظاهِرُ |
|
فارسُ هيجاءٍ وحربٍ تُسعَرُ |
انتم أعدُّ عدَّة وأكثرُ |
|
ونحن أوفى منكم واصبرُ |
ونحن أعلى حجةً واظهرُ |
|
حقاً واتقى منكم واعذرُ(107) |
وارتجز مسلم بن عقيل وهو يقاتل حتى الموت رافضا الاستسلام:
أقسمتُ لا أقتل إلا حرا |
|
وان رأيت الموت شيئاً نكرا |
كل امرئ يوما ملاق شرا |
|
ويخلط البارد سخنا مرا |
ردَّ شعاع الشمس فاستقرا |
|
أخافُ أن اكذبَ أو اغرا(108) |
وضرب العباس بن علي المثل الأكبر في البطولة والفداء والطاعة، فارتجز عند تمكنه من الماء متذكراً أخاه ومولاه الحسين:
يا نفسُ من بعد الحسين هوني
|
|
وبعدَه لا كنتِ أن تكوني |
هذا الحسينُ واردُ المنونِ
|
|
وتشربين باردَ المعين؟ (109) |
ثم جعل يضربهم بسيفه وهو يقول:
لا أرهبُ الموتَ إذ الموتُ زقا
|
|
حتى أدارى في المصاليت لقى
|
إني أنا العباسُ أغدو بالسِّقا
|
|
ولا أهابُ الموتَ يومَ الملتقى |
فضربه حكيم بن طفيل الطائي السنبسي على يمينه فبراها فاخذ اللواء بشماله وهو يقول:
والله ان قطعتموا يميني
|
|
إني أحامي أبداً عن ديني |
فضربه زيد بن ورقاء على شماله فبراها، فضم اللواء إلى صدره (كعمه جعفر بمؤتة) وقال:
ألا ترونَ معشرَ الفجَّار
|
|
قد قطعوا ببغيهم يساري(110) |
واتجه رجز التوابين في خطابيته إلى الله (Y)، معلنين توبتهم إليه مما سلف منهم، ولم يدر حول شخصية مركزية أو يعلن عن غاية أخرى. كقول سليمان بن صرد مرتجزاً:
إليك ربِّي تبتُ من ذنوبي |
|
فقد أحاطتْ بي من الجنوب |
وقد علا في هامتي مشيبي |
|
فاغفر ذنوبي سيِّدي وحُوبي(111) |
ومثله رجز عبد الله بن سعد بن نفيل الازدي:
ارحمْ إلهي عبدك التوَّابا |
|
ولا تؤاخذه فقد أنابا |
وفارقَ الاهلين والاحبابا |
|
يرجو بذاك الأجرَ والثوابا(112) |
وإذا خلا رجز ثورة المختار من الشخصية المركزية أيضاً، فانه عبر عن أهدافه الثورية المتمثلة بالثأر للحسين من الأمويين ورؤساء أهل الكوفة. كقول إبراهيم بن ملك الأشتر في رجزه وهو يهجم على حشود أهل الشام في معركة (الخازر):
أما ورب المرسلات عرفا |
|
حقاً وربّ العاصفات عصفا |
لتعسفنّ بالعدوِّ عسفا |
|
حتى نسومَ القاسطين خسفا |
زحفاً اليهم لا نملُّ الزحفا |
|
حتى نلاقي بعد صفٍّ صفَّا |
وبعد ألفٍ في النزال ألفا |
|
فنكشف الظالم عنا كشفا(113) |
وأعلن المختار عن أخذه بالثأر من قتلة الحسين وخذلته، وهو يهجم مستميتاً خارجا من حصاره في القصر بعدما أيقن بالموت مرتجزاً:
إن يقتلوني يجدوني جَزَرَا
|
|
محمداً قتلته وعُمَرَا |
||
|
والأبرص الكلبي لما أدبَرَا(114)
|
|
||
رابعاً- رثاء الشهداء
من الأغراض التي طرقها شعراء الثورات العلوية رثاء الشهداء، وقد استحوذ رثاء الحسين وآل بيته على النصيب الأوفر، كقول سليمان بن قتة(115) يرثي الحسين بعد ثلاث سنوات من الفاجعة(116):
وإنَّ قتيلَ الطفِّ من الآل هاشم |
|
أذلَّ رقاباً من قريشٍ فذلَّتِ |
مررتُ على أبياتِ آلِ محمَّدٍ |
|
فألفيتها أمثالها حيثُ حلَّتِ |
وكانوا لنا غنماً فعِادوا رزية |
|
لقد عظمتْ تلك الرزايا وجلتِ |
فلا يبعدِ اللهُ الديارَ وأهلَهَا |
|
وإنْ أصبحتْ منهم برغمي تخلتِ |
إذا افتقرتْ قيسٌ جبرنا فقيرَهَا |
|
وتقتلنا قيسٌ إذا النَّعلُ زلتِ |
وعند غنيٍّ قطرةٌ من دمائنا |
|
سنجزيهم يوماً بها حيثُ حلتِ |
ألم ترَ أنَّ الأرضَ أضحت مريضة |
|
لفقد حسينٍ والبلادُ اقشعرَّتِ(117) |
وقالت أم البنين تنوح على العباس:
لا تدعُوَنِّي ويكِ أم البنينْ
|
|
تذكِّريني بليوثِ العرينْ |
كانت بنونٌ ليَ ادعى بهم
|
|
واليومَ أصبحتُ ولا من بنينْ |
أربعة مثلُ نسور الربى
|
|
قد واصلوا الموتَ بقطع الوتينْ |
تنازعَ الخرصانُ أشلاءَهم |
|
فكلهم أمسى صريعا طعينْ |
يا ليتَ شعري أكما أخبروا |
|
بأنَّ عباساً قطيعُ اليمينْ(118) |
وقال احد الشعراء يرثي سليمان ابن صرد:
يا عينُ بكِّي ابنَ صردْ
|
|
بكّي إذا الليلُ خمدْ |
كان إذا البأس نكدْ
|
|
تخاله فيه أسدْ |
مضى حميداً قد رشدْ
|
|
في طاعة الأعلى الصمدْ(119) |
ورثى فضل بن العباس(120) زيد بن علي قائلاً:
ألا يا عينُ لا ترقي وجودي
|
|
بدمعكِ ليس ذا حينَ الجمودِ |
غداة ابن النبي أبو حسينٍ
|
|
صليبٌ في الكناسةِ فوقَ عودِ |
يظلُّ على عمودهم ويمسي
|
|
بنفسي أعظمٌ فوقَ العمودِ |
تعدّى الكافرُ الجبارُ فيه
|
|
فأخرجه من القبرِ اللحيدِ |
فظلوا ينبشون أبا حسينٍ
|
|
خضيباً بينهم بدمٍ جسيدِ |
فطال به تلعّبهم عتوَّاً
|
|
وما قدروا على الرُّوحِ الصعيدِ |
فكم من والدٍ لأبي حسينٍ
|
|
من الشهداءِ أو عمٍّ شهيدِ |
ومن أبناءِ عمٍّ سوف يلقى
|
|
همُ أولى به عندَ الورودِ |
دعاه معاشرٌ نكثوا أباه
|
|
حسيناً بعد توكيد العهودِ |
وكيفَ تضنُّ بالعبراتِ عيني
|
|
وتطمعُ بعدَ زيدٍ بالهجودِ |
وكيفَ لها الرقادُ ولم تراءى
|
|
جيادُ الخيل تعدو بالأسودِ |
تجمَّعُ للقبائل من معدٍّ
|
|
ومن قحطان في حلق الحديدِ(121) |
وممن رثاه حبيب بن جدرة الهلالي(122) بقوله:
يا با حسين والحوادث جمة
|
|
أولاد درزة أسلموك وطاروا |
يا با حسين لو شراة عصابة
|
|
علقتك كان لوردهم إصدار(123) |
وقال أبو نضلة الأبَّار يرثي يحيى بن زيد ويهجو ليثاً قبيلة نَصْرِ بن سيَّار والي الأمويين:
ألم تر لَيثاً ما الذي خَتَمتْ بهِ
|
|
لها الوَيْلُ في سُلطانِها المتخاذلِ |
كلابٌ تعاوَتْ لاهَدَى اللَّه سُبْلَها
|
|
فجاءتْ بصَيدٍ لا يحلُّ لآكل |
بنفسي وأهلي فاطميٌّ تقنَّصوا
|
|
زَمانَ عمًى مِنْ أمَّةٍ وتخاذل |
لقد كشفت للنّاس ليثٌُ عن استهِا
|
|
وغابَ قَبيِلُ الحقِّ دُونَ القبائِل(124) |
رابعاً- الندم على القعود:
رافق الثورات العلوية خذلان وتراجع انعكس في الشعر، ولاسيما بعد ثورة الحسين بن علي، فثمة شعر كثير من كثيرين أعلنوا ندمهم وأسفهم على خذلانه، ومن أمثلته قول عبيد الله بن الحر(125) نادماً على عدم نصرة الحسين:
يقول أميرٌ غادرٌ حق غادر
|
|
ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمَهْ |
ونفسي على خذلانِهِ واعتزاله
|
|
وبيعة هذا الناكثِ العهد لائمَهْ |
فيا ندمي ألا أكون نصرته
|
|
ألا كلُّ نفسٍ لا تسدِّدُ نادمَهْ |
وإنِّي لأنِّي لم أكنْ من حماتِهِ
|
|
لذو حسرة ما إن تفارقُ لازمَهْ(126) |
خامساً- المدح:
وسجل شعر الثورات ظاهرة المدح في ثورة المختار الثقفي فقط، ولكنه مدح وان جزي عليه فهو غير تكسبي بالمعنى الجاهلي، فقد مدح عبد الله بن همام المختار بقصيدته العينية فقال المختار لأصحابه: أحسنوا جائزته فصلوه(127)، وأتى عبد الله بن الزبير إبراهيم بن الأشتر النخعي فقال له: إني قد مدحتك بأبيات فاسمعهن، فقال: إني لست أعطي الشعراء، فقال: اسمعها مني وترى رأيك، فقال: هات إذاً فقرأ:
الله أعطاك المهابة والتقى
|
|
واحل بيتك في العديد الأكثرِ |
واقر عينك يوم وقعة خازر
|
|
والخيل تعثر بالقنا المتكسر |
إني مدحتك إذ نبا بي منزلي |
|
وذممت إخوان الغنى من معشري |
وعرفت أنك لا تخيب مدحتي |
|
ومتى اكن بسبيل خير أشكر |
فهلم نحوي، من يمينك نفحة |
|
ان الزمان ألحَّ يا ابن الاشتر |
فقال له إبراهيم : كم ترجو أن أعطيك؟ فقال: ألف درهم أصلح بها أمر نفسي وعيالي، فأمر له بعشرين ألف درهم(128).
سادساً- الهجاء:
وحفل شعر الثورات العلوية بالهجاء دون الإقذاع، وهو أمر بديهي فالمساحة الواسعة التي أخذها الصراع بين القوى المتحاربة حتى الموت تجعل الهجاء والتشفي منطقياً، ومن الأمثلة على ذلك قول ابن مفرغ الحميري(129) يهجو عبيد الله بن زياد بعد قتله:
إنّ المنايا إذا حاولن طاغية
|
|
هتكن عنه ستوراً بعد أبوابِ |
إنّ الذي عاش غدَّاراً بذمته
|
|
ومات هزلاً، قتيل اللّه بالزابِ |
ما شقّ جيب ولا ناحتك نائحة
|
|
ولا بكتك جيادٌ عند أسلاب |
هلا جموع نزار إذ لقيتهم
|
|
كنت امرءاً من نزار غيرَ مرتابِ |
أو حمير كنت قبلاً من ذوي يمن |
|
إنَّ المقاويل في ملكٍ وأحبابِ(130) |
وقال سراقة بن مرداس البارقي(131) يهجو المختار وينسب اليه خزعبلات:
ألا أبلغْ أبا إسحاق إني
|
|
رأيتُ البلق دهماً مصمتات |
كفرتُ بوحيكم وجعلتُ نذراً
|
|
عليَّ قتالكم حتى المماتِ |
أري عينيَّ ما لم تبصراه
|
|
كلانا عالمٌ بالترهاتِ |
إذا قالوا أقولُ لهم كذبتم
|
|
وان خرجوا لبستُ لهم أداتي(132) |
المبحث الثالث: القراءة الفنية لشعر الثورات العلوية
يمكننا تسجيل ظواهر فنية مهمة في شعر الثورات العلوية هي:
1- الاختلاف في الرواية:
وهو أمر لافت للنظر، وسمة مميزة في هذا الشعر، ويشمل القصائد الطويلة، والمقطوعات القصيرة، والرجز. ويكون الاختلاف في رواية الأبيات وعددها وترتيبها. وقد يكون الاختلاف كبيراً؛ فقصيدة سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت(133) في رثاء عمرة بنت بشير مروية بروايتين لا يكادان يتفقان إلا في الوزن والقافية(134)، وأوردت المصادر قصيدة عبد الله بن عوف بن الأحمر في التوابين باختلاف في كل الأبيات تقريباً فضلا عن الزيادة والنقص والترتيب في الأبيات. ولا نعدم شعراً منحولا كأن يكون قصائد أو مقطوعات أو أبياتاً، ودليلنا هذا البيت من قصيدة تنسب للحسين بن علي:
مَن له عمٌّ كعمِّي جعفرٍ |
|
وهبَ الله له (أجنحتين)(135) |
فـ(أجنحتين) على صيغتي التثنية والجمع معاً، ولا يقول ذلك عربي مطلقاً، فكيف الحسين وهو من أمراء البلاغة؟ وربما رجح الكاتب الرواية التي تلائم وجهة نظره؛ فرواية الخوارزمي لهذا البيت:
فيسعَد فينا في القيام محبنا |
|
ومبغضنا يومَ القيامة يخسرُ(136) |
تقابلها رواية المجلسي:
فشيعتنا في الناس أكرمُ شيعةٍ |
|
ومبغضنا يومَ القيامة يخسرُ(137) |
فالأول سني عمّم في الحسين، والثني شيعي خصّص فيه. وجاء رجز المختار ثلاثة أشطار في رواية (البرصان والعرجان) كما مرَّ، وأورده الخوارزمي في ثلاث روايات بثلاثة أبيات وخمسة وستة وهي:
لما رأيتُ الأمر قد تعسَّرا |
|
وشرطة الله قياماً حسَّرا |
شددتُ في الحرب عليَّ مغفرا
|
|
وصارماً مهنَّداً مذكَّرا |
معتقداً أني سألقى القدرا |
|
إن يقتلوني ويروني المنكرا |
فقد قتلتُ قبل هذا عمَرَا |
|
ونجلَه حفص الذي تنمَّرا |
وابن زيادٍ إذ أقام العثيرا |
|
والأبرصَ القيسيَّ لمَّا أدبرا |
وقد قتلتُ قبل هذا المنذرا |
|
من كلِّ حيٍّ قد قضيتُ وطرا(138) |
والتزيد واضح، والمرجح رواية الجاحظ؛ فان الراجز يكفيه لتحفيز نفسه وإلقاء الرعب في عدوه أبيات قليلة قوية المعنى صارمة القافية، وأفضل له أن لا يطيل فتضعف القافية وترتبك الفكرة فيقل تأثيرها في نفسه وفي الآخر ومن ثم ينتفي الهدف منها.
وممكن ردّ هذه الظاهرة إلى سببين: الأول إن أغلب هذا الشعر ظلّ مكتوماً طيلة العصر الأموي مقتصرا حفظه على القلة المخلصين؛ وقد جاء في تقديم قصيدة أعشى همدان العينية "وهي إحدى المكتَّمات كنَّ يكتمن في ذلك الزمان"(139)، فكان عدم إشاعة وتدوين هذا الشعر جعل أكثره يتفلت من الذاكرة وما سقط منه عوِّض عنه، فجاءت روايات مختلفة، وهذا السبب الأقوى والأقرب إلى الحقيقة. والثاني: لم يكن أغلب هذا الشعر ذا خصوصية فنية عالية كالشعر الراقي الذي يكتبه الفحول كزهير والمتنبي والمعري، حيث تكون للكلمة مركزها الفني الذي تتزحزح الشعرية بإبدالها بغيرها، لعظم الانسجام بين اللفظة والفكرة، وهذا جعل شعر المتقدم غير قابل للتبديل والتعديل؛ فكلما أتقن الشعر صعب أو استحال إبدال ألفاظه أو أفكاره أو زحزحة أبياته، وهذه القضية أشَّرها المعري في شعر المتنبي(140).
2- التنوع:
جاء شعر الثورات العلوية متنوعاً؛ فهناك القصائد الطويلة التي جارت القصيدة العربية كقصيدة ابن عبد الحر وأعشى همدان، إذ ابتدأت بالغزل المعتاد ثم تخلصت إلى الغرض وهو نصرة الثورة العلوية، وثمة قصائد قصيرة تناولت غرضاً واحداً بلا مقدمات كالقصائد التي نسبت إلى الحسين ومنها قوله:
فَإِن تَكُنِ الدُنيا تُعَدُّ نَفيسَةً |
|
فدار ثَوابَ اللَهِ أَعلى وَأَنبلُ |
وَإِن تَكُنِ الأَبدانُ لِلمَوتِ أُنشِئَت |
|
فَقَتلُ اِمرئ في الِلّهِ بِالسَيفِ أَفضَلُ |
وَإِن تَكُنِ الأَرزاقُ قسماً مقدَّراً |
|
فَقِلَّةُ حِرصِ المَرءِ في الكَسبِ أَجمَلُ |
وَإِن تَكُنِ الأَموالُ لِلتَركِ جَمعُها |
|
فَما بالُ مَتروكٍ بهِ المرءُ يَبخَلُ |
سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى |
|
إذا في سبيل الله يمضي ويقتلُ(141) |
وهي في الزهد وفلسفة الشهادة. وتوجد مقطوعات شعرية كثيرة، هي كالقصائد القصيرة ذات الموضوع الواحد كقول بعض الشعراء في المختار وإبراهيم ابن الأشتر:
فجزى إبراهيمَ ثمّ أبا إسحاق عنَّا الإلهُ خيْرَ الجَزاءِ
|
||
وجزى اللهُ (شرطة الله) خيراً |
|
عن بني هاشمٍ بحسن البلاءِ |
إذ تعشَّوا منهم بسبعين ألفاً |
|
أو يزيدون قبل وقت العشاءِ |
قتلوا الفاسقَ اللعينَ جهاراً |
|
في فريقٍ من سائر الأحياءِ |
وشفوا منهمُ غليلَ صدورٍ |
|
وعلى ربِّنا تمامُ الشفاءِ(142) |
فضلا عن رجز المعركة الذي تناول معاني مختلفة كما مثلنا.
3- ملاءمة الشكل للمضمون:
إن قراءة هذا الشعر بتأنٍّ يفصح عن انسجام واضح بين الآلية والأداء أي: غرض الشعر والأسلوب الشعري؛ ففي قصائد الحماس لجأ الشاعر إلى وزن طويل وقافية مشبعة النغم ممتدة النفس وألفظ ومعان رصينة كقصيدة أعشى همدان وعبد الله بن عوف بن الأحمر وغيرهما. وجاءت قصائد الرثاء مؤثرة، دالة ألفاظاً ومعاني على الحزن مع ضبط النفس، بينما جاء شعر النواح بقافية ساكنة ووزن منسجم مع فعل النواح كمجزوء الرجز أو السريع، مصحوبا بحزن عظيم وانهيار نفس، مؤكدا أنه شعر نيح به نواحاً ولم يرث به رثاءً كقول أم العباس تنوح عليه:
يا من رأى العبَّاسَ كرْ |
|
على جماهير النقدْ |
ووراه من أبناء حيدر كلُّ ليثٍ ذي لبدْ |
||
أنبئتُ أنَّ ابني أصيب برأسه مقطوعَ يدْ |
||
ويلي على شبلي أمالَ برأسه ضربُ العمدْ |
||
لو كان سيفك في يديك لما دنا منه أحدْ |
وقد ذكر أبو مخنف أنها كانت تذهب كل يوم إلى البقيع وتحمل معها ولد العباس عبيد الله وترثيه فيجتمع لسماعها أهل المدينة فيبكون لشجو الندبة(143)، وهذا يدل على النواح وليس الرثاء الاعتيادي. ولاءم رجز المعركة في ألفاظه وأفكاره حالة الثورة العلوية، فهو يختلف عن رجز الجاهليين بدلالته على الثورة العلوية ومبدئيته وفدائيته ونفسه الإسلامي الواضح كما مثلنا لذلك.
4- الألفاظ والمعاني:
جاءت ألفاظ شعر الثورات العلوية في الغالب سمحة غير متكلفة، فكانت إسلامية في السهولة والانتماء بعيدة عن خشونة الألفاظ الجاهلية وانغلاقها؛ فهي قادرة على حمل الأفكار الإسلامية والفكرة الثورية الدينية التي أرادت إيصالها. وقد اشتهرت ألفاظ بعينها من هذه الأشعار مثل: (المحلِّين) قتلة الحسين، (التوابين) جماعة سليمان بن صرد، (شرطة الله) جيش ابن الأشتر، فضلا عما نعت به الحسين وآل بيته من ألفاظ ومصطلحات كثيرة تناقلها الشعراء بعدهم مثل: (ثارات الحسين)، (آل محمد)، و(قتيل الطف) وغيرها. ويكثر في هذا الشعر التكرار التوكيدي كقول الفضل ابن عبد الرحمن بن العباس مكررا كلمتي (أرجعوا) و(ردوا) في قصيدته التي قالها بعد استشهاد زيد بن علي:
أين قتلى منا بغيتم عليهم |
|
ثم قتَّلتموهمُ ظالمينا |
(ارجعوا) هاشماً و(ردُّوا) أبا اليقظان وابن البديل في آخرينا |
||
و(ارجعوا) ذا الشهادتين وقتلى |
|
أنتمُ في قتالهمْ فاجرونا |
ثمَّ (ردوا) حجراً وأصحاب حجرٍ |
|
يومَ أنتم في قتلهمْ معتدونا |
ثمَّ (ردوا) أبا عميرٍ وردوا |
|
لي رشيداً وميثماً والذينا: |
قتلوا بالطفِّ يوم حسينٍ |
|
من بني هاشمٍ، و(ردوا) حسينا |
أين عمرو وأين بشر وقتلى |
|
معهم بالعراء ما يدفنونا |
(ارجعوا) عامراً و(ردوا) زهيراً |
|
ثمَّ عثمان، فارجعوا عازمينا |
و(ارجعوا) الحرَّ وابن قينٍ وقوماً |
|
قتلوا حين جاوزوا صفِّينا |
و(ارجعوا) هانئاً و(ردُّوا) الينا |
|
مسلماً والرواع في آخرينا |
ثم (ردُّوا) زيداً إلينا و(ردُّوا) |
|
كلَّ من قد قتلتمُ أجمعينا |
لن تردوهمُ إلينا ولسنا |
|
منكمُ غير ذلكمْ قابلينا(144) |
وقد جاء سس هنا لتعداد الشهداء وتأكيد الإصرار على طلبهم من قاتليهم كما لخًّص ذلك البيت الأخير. وقد يذكر الشاعر الكلمة ويكررها بمرادفها وهو كثير كقول أعشى همدان:
وأضحى الخزاعي الرئيس مجدلا |
|
كان لم يقاتلْ مرة ويحاربِ(145) |
فكرر كلمة (يقاتل) بمرادفها (يحارب) لتوكيد حالة القتال التي تركها الشهيد.
وجاءت المعاني إسلامية أيضاً وغير مغلقة، وقد أكدت الأخلاق الإسلامية التي سعت إلى تحقيقها الثورات العلوية، كما انها شهَّرت معاني سامية كالتضحية والبطولة والصبر كما في قول سليمان بن قتة الذي استشهد به مصعب بن الزبير مسليا نفسه ومستقوياً على الثبات:
وإن الألى بالطف من آل هاشمٍ |
|
تأسَّوا فسنّوا للكرام التأسِّيا(146) |
وقد عبر الشعراء بالمعنى ومعنى المعنى (الكناية) كقول حبيب بن خدرة الهلالي يرثي زيداً:
(أَولادُ دَرزَةَ) أَسلَموكَ مُكَبَّلاً
|
|
يَومَ الخَميسِ لِغَيرِ وِردِ الصادِرِ(147) |
فأولاد درزة كناية عن السفلة(148)، وأصل (درزة) من الدرز وهو الخياطة في اللغة الفارسية والكردية؛ فأولاد درزة هم الخياطون، أراد أنهم من أصحاب المهن وليسوا من أصحاب السيف، فتخلوا عنه هرباً.
5- الصور الشعرية:
تقل الصور الشعرية في هذا الشعر وذلك لطبيعة ثوراته الحربية التي لا تترك مجالاً كبيراً للتأمل الشعري، ألا أنها موجودة وحيوية بشكل لافت، ولاسيما عند الشعراء المبرزين لعلمهم أن الصور هدف الشعر وضرورة فيه. وقد جاءت الصور مختلفة الموارد فهي في قول أعشى همدان:
فجاءَهُمُ جمعٌ من الشام بعدَهُ
|
|
جموعٌ كموج البحر من كلِّ جانبِ(149) |
صورة تشبيهية مكملة، وجاء توظيف كاف التشبيه موفقاً أفاد المسارعة والحدة.
وفي قول عبد الرحمن بن الحكم:
أبلغ أميرَ المؤمنين فلا تكن
|
|
كمُوترٍ أقواسٍ وليس لها نبلُ(150) |
نجد صورة كنائية عن الوهن والضعف.
وفي قول سكينة بنت الحسين:
إن الحسين غداة الطف يرشقـُهُ
|
|
ريب المنون فما إن يخطئ الحدقَهْ(151) |
استعارية مكنية ومتصاعدة في تخييلها. وقد أدت الصورة الشعرية وظيفتها التعبيرية، كما أنها سمت بشعر الثورات العلوية وميزته بالفنية والشعرية على غيره من الشعر الذي تبنى أيدلوجية دينية أو كان سانداً ثورياً.
6- قيمته:
شعر الثورات العلوية إيجابي في ثوريته؛ لأنه جسَّد إيمان أبطاله بالحياة والتفاعل معها لتحقيق الدين، فهو على الضد من شعر الخوارج، نظيره، الذي كان سلبياً في ثوريته؛ لأنه جسَّد إيمان أصحابه بأنَّ الموت هو الدين الحقيقي(152) فصاروا خارج دائرة الفعل.
وهو شعر راق رائق وافر الأدب والفن؛ فقد كتب جزءَه الأكبر شعراء مرموقون فأعشى همدان عده الأصمعي من الفحول(153)، وعبد الله بن همام جعله ابن سلام في الطبقة الخامسة من الشعراء الإسلاميين(154)، وكان الكميت شاعرا بارزا دافع عن أحقية أهل البيت بالخلافة ورثى الثوار دون أن يشاركهم في الثورة . بينما تميز أكثر شعر الخوارج باعتيادية اللفظ وسطحية المعنى، ولم يكن شعراؤه مبرَّزين في المشهد الشعري والنقدي؛ فقطري بن الفجاءة زعيم سياسي أكثر منه شاعراً، وعمران بن حطان لم يفكر بالتحليق في أشعاره، أما الطرماح فمشكوك في خارجيته(155)، وقد تفرغ للأدب فهو كما وصفه صديقه الكميت: شاعر وخطيب وراوية(156).
وشعر الثورات العلوية يمثل الظهير والساند الفكري والأدبي للثورات العلوية، فقد حمل بأمانة قضية الإمامة والخلافة ودافع عنها، ونجح في تجسيدها، وأبقاها في ضمير الزمن؛ فللآن يرثى وينعى ويمدح الحسين وأصحابه ويقتدى بثورته، وتذكر في المحافل الشعرية والفكرية ثورة التوابين، ويثنى على آخذ الثأر المختار(157)، ويدافع عن ثورة زيد بن علي وابنه يحيى، وهذا دليل خلود هذا الشعر وإسلاميته.
النتائج والتوصيات
بعد البحث والاستقصاء في موضوع شعر الثورات العلوية، تم التوصل إلى نتائج وتوصيات مهمة وهي:
1- شعر الثورات العلوية شعر إسلامي؛ لتبنيه قضية إسلامية بحتة هي (الإمامة والخلافة)، وأموي لانتمائه إليه عصراً، وهذا يعني أنه شعر (إسلامي أموي). ونستطيع من خلال هذا الشعر أن نعطي هوية الشعر الإسلامي وان نعْرفه من أغراضه وألفاظه ومعانيه وغايته. ونحن نوصي بأن يؤشر هذا الشعر وكل شعر إسلامي ويدرس ضمن عصره الأدبي المتعارف عليه؛ لان الشعر الإسلامي شعر مستمر لا ينتهي.
2- تبنت الثورات العلوية كافة نظرية (النص) في اعتقادها ومطالبتها بحق الخلافة، ولكنها قدمت تفسيرات عملية مختلفة لها، وكان في الشعر انعكاس ونصيب من ذلك.
3- كان شعر الثورات العلوية لسان حال الثورات التي فجِّرت في العصر الأموي مطالبة بحق أهل البيت بالخلافة، فاكتسب هذا الشعر الصيغة والصبغة الدينية السياسية. لذا نوصي بإيلاء هذه الأشعار العناية التي تستحقها بجعلها إضاءات فكرية وأدبية لثوراتها وليست هوامش ثانوية وغير فنية متعلقة بمتون الثورات التاريخية.
4- درس البحث خلفية الثورات العلوية فحصل على قدر واضح من الأرخنة الفلسفية المعمقة طارحاً بذلك (المنهج الأكاديمي) العلمي الوسطي المتحرر في قراءة التاريخ، نأى به عن مجرد السرد، وخلصه من مثقلات التزيد والخطأ والوهم. ونحن نوصي من خلال طرح هذا المنهج وتطبيقه على الثورات العلوية، بكتابة (مقتل جديد) مشذب للإمام الحسين ، فضلا عن كتابة تاريخ الثوار الآخرين، بتوخي فلسفة التاريخ وليس التاريخ السردي الحكائي للأحداث، وبشكل يربط الماضي المغلق بالمستقبلي المفتوح فيعطي الواقعة حياة تستجلى في الواقع.
5- تناول البحث شعر الثورات العلوية في قراءتين: موضوعية وفنية. أشرت القراءة الموضوعية أهم أغراضه الشعرية وهي: المبدئية، التأريخية، رجز المعركة، رثاء الشهداء، المدح، والهجاء. وفي القراءة الفنية أشرنا أهم الميزات الفنية لهذا الشعر، بما أكَّد نضوجه ورقيه وأهميته الشعرية، وأفضليته على كثير من الشعر الإسلامي في صدر الإسلام والعصر الأموي كشعر الخوارج الذي عملنا مقارنة معه. وقد قدمنا نماذج مشرقة من هذا الشعر للعرض والاستشهاد بما صح عندنا من روايته، مع بيان أن شعراءه مرموقون محكوم بإبداعهم كأعشى همدان الذي عده الأصمعي من الفحول، وعبد الله بن همام الذي جعله ابن سلام في الطبقة الخامسة من الشعراء الإسلاميين. ولم نورد جمع شعر الثورات العلوية فاكتفينا بما ذكرناه. ونوصي بأن يتوسع الدارسون في هذا الشعر بجمعه وتحقيقه ودراسته فنياً.
الهوامش
(1) تاريخ الطبري، ج4، ص303.
(2) المصدر نفسه، ج4، ص283.
(3) مقتل الحسين للخوارزمي، ج1، ص273.
(4) شرح نهج البلاغة، ج1، ص36.
(5) رسائل المرتضى، ج2، ص113.
(6) ينظر: الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص)، ج3، ص112؛ الروائع المختارة من خطب الإمام الحسن (ع)، ص6.
(7) تراث كربلاء، ص86.
(8) الكامل، ج4، ص77.
(9) ينظر في ذلك: تيسير المطالب، يحيى بن الحسين بن هارون، ص95- 97؛ بحار الأنوار، ج45، ص10؛ لواعج الأشجان، السيد محسن الأمين، ص132؛ مستدرك سفينة البحار، ص241.
(10) وعظ الحسين الكوفيين فما أجابوه، ووعظهم زهير بن القين فسبوه ودعوا لابن زياد. (ينظر: نهاية الارب، ج20، ص277- 278).
(11) في لسان العرب: استقتل: هو أن يطرح نفسه في الحرب، يريد أن يَقتل أو يُقتل لا محالة. (لسان العرب، ج11، ص54).
(12) جاء في مجمع الأمثال: أن عمرو بن مامة نزل على قوم من مراد فطرقوه ليلاً، فأثاروا القطا من أماكنها، فرأتها امرأته طائرة، فنبهت المرأة زوجها فقال: إنما هي القطا؛ فقالت: لو ترك القطا ليلاً لنام. يضرب لمن حمل على مكروه من غير إرادته (ينظر: مجمع الأمثال، ج3، صص82).
(13) مقتل الحسين للخوارزمي، ج2، ص42- 43.
(14) مناقب آل أبي طالب، ج3، ص215.
(15) تاريخ الطبري، ج4، ص348؛ الكامل في التاريخ، ج4، ص80؛ البداية والنهاية، ج8، ص206؛ مقتل الحسين لأبي مخنف، ص202.
(16) جاء في الكامل "في هذه السنة (أي 352هـ) عاشر المحرم أمر معز الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء وأن يظهروا النياحة ويلبسوا قباباً عملوها بالمسوح وأن يخرج النساء منشرات الشعور مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن يدرن في البلد بالنوائح ويلطمن وجوههن على الحسين بن علي رضي الله عنهما، ففعل الناس ذلك ولم يكن للسنية قدرة على المنع منه لكثرة الشيعة ولأن السلطان معهم" (ينظر الكامل في التاريخ، ج8، ص549).
(17) ينظر: مقتل الحسين لأبي مخنف، ص14.
(18) الكامل في التاريخ، ج4، ص562.
(19) الأخبار الطوال، ص249.
(20) مقتل الحسين لابي مخنف ص43.
(21) المصدر نفسه، ص45.
(22) ينظر: المصدر نفسه، ص20.
(23) ينظر: مقتل الحسين لأبي مخنف، 89.
(24) نهج البلاغة، تحقيق: الشيخ محمد عبده ص119.
(25) تاريخ الطبري، ج4، ص344؛ الكامل في التاريخ، ج4، ص77.
(26) ينظر: مقاتل الطالبيين، ص135.
(27) المصدر نفسه، ص444.
(28) الفرق بين الفرق، ص45.
(29) كتاب البرصان والعرجان والعميان والحولان، ص129.
(30) ينظر: الكامل في التاريخ، ج4، ص557.
(31) المصدر نفسه، ج4، ص557.
(32) المصدر نفسه ، ج4، ص557.
(33) المصدر نفسه ، ج4، ص557.
(34) المصدر نفسه ، ج4، ص558.
(35) كتاب الاحتجاج، ج2، ص24.
(36) تاريخ اليعقوبي، ج2، ص244.
(37) البداية والنهاية، ج8، ص196.
(38) إبصار العين في انصار الحسين، ص100.
(39) تاريخ اليعقوبي، ج2، ص245.
(40) مقتل الحسين للخوارزمي، ج2، ص29.
(41) الكامل في التاريخ، ج4، ص572.
(42) مقتل الحسين للخوارزمي، ج2، ص11.
(43) ينظر: اللهوف في قتلى الطفوف، ص60.
(44) تاريخ الطبري،ج4، ص333.
(45) المصدر نفسه.
(46) هم أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم أخذا من قوله تعالى (ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (البقرة: 222))، وسموا أميرهم سليمان بن صرد (أمير التوابين) (ينظر: أسد الغابة، ج2، ص351).
(47) نهاية الأرب، ج6، ص366.
(48) الاستيعاب، ص650.
(49) تاريخ بغداد، ج1، ص215.
(50) ينظر: الطبقات الكبرى، ص292.
(51) ينظر: انساب الأشراف، ج5، ص207- 208.
(52) تاريخ الطبري، ج4، ص 454.
(53) تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج6، ص367.
(54) ينظر: تاريخ الإسلام، ج5، ص47.
(55) ينظر: نهاية الأرب في فنون الأدب، ج20، ص337.
(56) تاريخ الإسلام، ج5، ص46.
(57) ينظر: مقتل الحسين للخوارزمي، 214.
(58) ينظر: الكامل للمبرد، ج3، ص264.
(59) ينظر: تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج34، ص486.
(60) ينظر: فوات الوفيات، ج2، ص502.
(61) جاء في مسند أحمد " أكثر الناس في مسيلمة قبل أن يقول رسول الله (r) فيه شيئاً، فقام رسول الله (r) خطيباً فقال:" أما بعد ففي شأن هذا الرجل الذي أكثرتم فيه انه كذاب من ثلاثين كذاباً يخرجون بين يدي الساعة". (مسند الإمام احمد، ج5، ص41).
(62) شرح مسلم، ج16، ص100.
(63) إكمال الكمال، ج7، ص27.
(64) تاريخ الطبري، ج4، ص454.
(65) المختار الثقفي- دراسة وتحليل، ص221.
(66) ينظر: مقتل الحسين للخوارزمي، ص253.
(67) ينظر: اصدق الأخبار، ص91- 92.
(68) الأخبار الطوال، ص304.
(69) ينظر مقتل الحسين للخوارزمي، ص257،280؛ اصدق الأخبار في قصة الأخذ بالثار، ص107.
(70) ينظر: مقتل الحسين للخوارزمي،ج2، ص280.
(71) المصدر نفسه، ج2، ص250.
(72) مقاتل الطالبيين، ص150.
(73) ينظر: ذوب النضار في شرح الثار، ص124.
(74) ينظر: الأخبار الطوال، ص299.
(75) ينظر: الخوارزمي، ص235.
(76) ينظر: رسالة ابن الحنفية لإبراهيم بن مالك الاشتر في مقتل الحسين لأبي مخنف، س324.
(77) ينظر: الفصول المختارة، ص296.
(78) الإرشاد، ج2، ص172.
(79) الإرشاد، ج2، ص171.
(80) شرح الأخبار، ج3، ص284.
(81) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج2، ص172.
(82) مناقب ابن شهرآشوب ج1، ص223.
(83) ينظر: مقاتل الطالبيين، ص131.
(84) المصدر نفسه، ص134.
(85) ينظر: المصدر نفسه، ص135.
(86) المسائل الجارودية، ص12.
(87) مقاتل الطالبيين، ص148.
(88) الدر النظيم، ص600.
(89) ينظر: الملل والنحل، ج1، ص186.
(90) هو ظالم بن عمرو بن سفيان. من التابعين والفقهاء والشعراء والأمراء، نسب إليه وضع النحو، وصار أمير البصرة للإمام علي وعزل عنها بموته. توفي سنة 69 هـ. (ينظر:معجم الشعراء،ص18؛ الأعلام:ج3، ص236؛ الفهرست: ص62-65).
(91) مقاتل الطالبيين، ص56.
(92) تاريخ الطبري، ج4، ص340؛ الكامل في التاريخ، ج4، ص74؛ مقتل الحسين لابي مخنف، ص163.
(93) خالد بن عفران (ويروى خالد بن عبد الله) من أفضل التابعين، له أشعار حسنة في مصيبة الحسين (مستدركات علم رجال الحديث، ج3، ص312.
(94) تاريخ مدينة دمشق، ج16، ص181.
(95) شاعر وفارس ناصر الإمام علي في صفين، ورثا الحسين وخرج مع التوابين وكان في طليعة الفرسان وشاعرهم المفوه (ينظر: مستدركات علم رجال الحديث، ج5، ص66؛ مقتل الحسين لأبي مخنف، ص289).
(96) كتاب الفتوح، ج6، ص211- 213.
(97) الأمالي، للشيخ الطوسي، ص240. ولم تنسب المصادر البيتين لأحد.
(98) شاعر كوفي كان مقرباً من الأمويين، انضم إلى حركة المختار، عاش حتى خلافة سليمان بن عبد الملك (ينظر: معجم الشعراء من العصر الجاهلي حتى نهاية العصر الأموي، ص153؛ الأعلام، ج4، ص288).
(99) مقتل الحسين لأبي مخنف، ص347.
(100) ويسمى ابن الأشيَم من بني أسد بن خزيمة مدح الثلاثة الأول من خلفاء بني أمية ومدح ولاتهم ثم سخر منهم. خصص له أسماء بن خارجة عطاء يعيش منه. توفي في الري حيث أرسله الحجاج.(معجم الشعراء، ص20؛ الأعلام، ج4، ص318).
(101) تاريخ الطبري، ج4، ص285. وقد دخل المطلع الخرم وهو: إسقاط حرف من أول كلمة.
(102) هو عبد الرحمن بن عبد الله ويكنى أبا المصبح. ولد في الكوفة نحو سنة 30هـ. كان متعبداً فاضلاً ثم صار شاعراً فمدح النعمان بن بشير فاعتنى به. خرج مع القراء في ثورة ابن الأشعث فامسكه الحجاج فشنقه سنة 82هـ (معجم الشعراء، ص25؛ الأعلام، ج4، ص84؛ سير أعلام النبلاء، ج4، ص185).
(103) مقتل الحسين لأبي مخنف، ص312- 313.
(104) ينظر في أسمائهم كتاب الفتوح، ج6، ص203؛ ومقتل الحسين للخوارزمي، ج2، ص214.
(105) مقتل الحسين لأبي مخنف، ص131؛ تاريخ الطبري، ج4، ص330.
(106) مقتل الحسين لأبي مخنف، ص149؛ تاريخ الطبري، ج4، ص336.
(107) مقتل الحسين لأبي مخنف، ص145؛ تاريخ الطبري، ج4، ص335.
(108) تاريخ الطبري، ج4، ص280.
(109) مقتل الحسين لأبي مخنف، ص179.
(110) المصدر نفسه.
(111) مقتل الحسين للخوارزمي، ج2، ص226.
(112) المصدر نفسه، ج2، ص227.
(113) المصدر نفسه.
(114) كتاب البرصان والعرجان والعميان والحولان، ص128. والمذكورون: محمد بن الاشعث، وعمر بن سعد، والشمر بن ذي الجوشن.
(115) مقرئ وتابعي وراوية حديث، ومن كبار الشعراء. له أشعار كثيرة في رثاء الحسين وأهل البيت. مولى تيم قريش وقتة اسم أمه(سير أعلام النبلاء، ج4، ص596؛ تاريخ ابن معين، ج2، ص166).
(116) العوالم، الشيخ عبد الله البحراني، (قم، مطبعة أمير، 1407هـ)، ص544.
(117) ترجمة الإمام الحسين، ص450.
(118) مقتل الحسين لأبي مخنف، ص181.
(119) مروج الذهب، ج2، ص85.
(120) هو فضل بن العباس بن عبد الرحمن بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب، ويرد أيضاً فضل بن عبد الرحمن بن العباس، ويكنى أبا عبد الله. سليل عائلة عرفت بالشعر. عاصر الثورات العلوية وله مراث في أهل البيت وفي زيد خاصة لأنه عاصره فقد مات عام 128 وقيل: 129هـ (طبقات خليفة، ص369؛ الغدير للشيخ الاميني، ج3، ص72.
(121) مقاتل الطالبيين، ص143.
(122) هو حبيب بن جدرة أو خدرة الهلالي. من شعراء الخوارج وخطبائهم، وهو مولى لبني هلال بن عامر. له مراث في الخوارج وفي زيد بن علي (معجم الشعراء، ص66؛ تاريخ الطبري، ج5، ص621).
(123) الحور العين، ص187.
(124) الحيوان، ج2، ص291.
(125) هو جعفي من سعد العشيرة، ومن الشجعان الشعراء. قاتل في صفين مع معاوية، وبعد موت الامام علي سكن الكوفة، فلما كانت فاجعة الطف تغيب عنها ثم ندم على قعوده عن نصرة الحسين. له وقائع مع ابن زياد وابن الاشتر ومصعب بن الزبير. مات منتحراً غرقاً من خوف أسر مصعب اياه، (الأعلام، ج4، ص192؛ كتاب المحبر، ص230).
(126) تاريخ مدينة دمشق، ج37، ص420.
(127) مقتل الحسين للخوارزمي، ج2، ص257.
(128) الأغاني، ج14، ص165- 166.
(129) هو يزيد بن زياد الشاعر البصري. كان احد الشعراء الاسلاميين، هجا زياد وابن عبيد الله والامويين. مات في طاعون الجارف زمن مصعب. (تاريخ الإسلام، الذهبي، ج5، ص269؛ فوات الوفيات، ج1، ص219).
(130) ذوب النضار، ص140- 141.
(131) شاعر عراقي يماني الأصل من الازد. قاتل المختار وهجاه، فأسره المختار وأطلقه، فقصد مصعب بن الزبير في البصرة ثم قصد الشام وعاد إلى العراق مع بشر بن مروان والي الكوفة. هجا الحجاج حين ولي العراق، فطلبه ففر إلى الشام ومات بها في حدود 80هـ (الأعلام، ج3، ص80؛ الوافي بالوفيات، ج15، ص83).
(132) مقتل الحسين لأبي مخنف، ص369.
(133) هو حفيد الشاعر حسان بن ثابت. توفي نحو 115هـ (ينظر: الأعلام، ج3، ص97.
(134) ينظر روايتي:الأخبار الطوال ص310و تاريخ الطبري، ج4، ص575.
(135) مناقب ابن شهر أشوب، ج3، ص233.
(136) مقتل الحسين للخوارزمي، ح2، ص37.
(137) بحار الأنوار، ج45، ص49.
(138) مقتل الحسين للخوارزمي،ج2، ص282- 283.
(139) تاريخ الطبري، ج4، ص472.
(140) قال ابن فورجة: قرأتُ على أبي العلاء المعري، ومنزلته في الشعر ما قد علمه من كان ذا أدب، فقلت له يوماً في كلمة: ما ضرَّ أبا الطيب لو قال مكان هذه الكلمة كلمة أخرى أوردتها فأبان لي عوار الكلمة التي ظننتها، ثم قال لي: لا تظننَّ أنك تقدر على إبدال كلمة واحدة من شعره بما هو خير منها، فجرِّب إن كنت مرتاباً. (شرح ديوان المتنبي للبرقوقي، ج4، ص361 هامش).
(141) مقتل الحسين للخوارزمي، ج2، ص38.
(142) المصدر نفسه،ج2، ص282- 283.
(143) مقتل الحسين لأبي مخنف، ص181.
(144) شرح نهج البلاغة، ج7، ص166.
(145) مقتل الحسين لأبي مخنف، ص313.
(146) البداية والنهاية، ج8، ص346.
(147) مقتل الحسين للخوارزمي،ج2، ص282- 283.
(148) الصحاح، ج3، ص878.
(149) تاريخ الطبري، ج4، ص473.
(150) الأغاني، ج13، ص186.
(151) شرح إحقاق الحق، ج27، ص492.
(152) ديوان شعر الخوارج، ص24.
(153) الأغاني، ج6، ص44.
(154) ينظر: طبقات فحول الشعراء، ج2، ص625.
(155) ينظر: الطرماح بن حكيم بين الخوارج وبين الشعراء، ص94 وما بعدها.
(156) الشعر والشعراء، ج2، ص570.
(157) قرأت على ضريحه بيتين من الشعر لم أجدهما في المصادر والمراجع لأنهما حتماً لشاعر متأخر جداً أو حديث، وهما:
يا آخذاً ثار آل المصطفى كرماً |
|
ومدركاً لبني المختار أوتارا |
تخيَّرَ الله للكرَّار شيعته |
|
فكنتَ من شيعة الكرار مختارا |
المصادر والمراجع
· القرآن الكريم.
· إبصار العين في أنصار الحسين، محمد السماوي، تحقيق: محمد جعفر الطبسي، (ايران، مركز الدراسات الاسلامية).
· الأخبار الطوال، الدينوري (ت282هـ)، تحقيق: عبد المنعم عامر، (القاهرة، دار إحياء الكتاب العربي، 1960).
· الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، الشيخ المفيد (ت 413هـ)، ط2(بيروت، دار المفيد، 1993).
· الاستيعاب، ابن عبد البر (463هـ) تحقيق: غلي محمد البجاوي، (بيروت، دار الجبل، 1412).
· أسد الغابة، ابن الاثير (ت630هـ) (بيروت، دار الكتاب العربي).
· أصدق الأخبار في قصة الأخذ بالثار، محسن الأمين العاملي، تحقيق، فارس حسون (قم، مطبعة وفا، 2010).
· الأعلام، الزركلي، ط5(بيروت، دار العلم للملايين، 1980).
· الأغاني، أبو الفرج الاصفهاني (ت 356هـ)، تحقيق: د. إحسان عباس وآخرين ، ط2(بيروت، دار صادر، 2004)، ج17، ص7.
· إكمال الكمال، ابن ماكولا (ت475هـ)، (بيروت، دار إحياء التراث العربي).
· الأمالي، الشيخ الطوسي (ت460هـ) (قم، دار الثقافة، 1414).
· أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى البلاذري (ت279هـ)، تحقيق: أ.د سهيل زكار و د. رياض زركلي(بيروت، دار الفكر، 1996).
· البداية والنهاية، ابن كثير (ت774هـ)، تحقيق علي شيري (بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1988).
· تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (ت 748هـ)، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري (لبنان، دار الكتاب العربي،1987).
· تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي (463هـ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا،(بيروت، دار الكتب العلمية، 1977).
· تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر (ت 571هـ)، تحقيق: علي شيري (بيروت، دار الفكر، 1415).
· تاريخ ابن معين، يحيى بن معين(ت 233هـ)، تحقيق: عبد الله أحمد حسن (بيروت، دار القلم).
· تاريخ الملوك والرسل، محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ)، تحقيق: نخبة من العلماء (بيروت، مؤسسة الاعلمي، 1983).
· تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي (ت 284هـ)، (بيروت، دار صادر).
· تراث كربلاء، سلمان هادي الطعمة، (النجف، مطبعة الآداب، 1964).
· ترجمة الإمام الحسين، ابن عساكر، تحقيق: محمد باقر المحمودي، ط2(قم، مطبعة فروردين، 1414).
· تفسير فرات الكوفي، فرات بن إبراهيم الكوفي (ت 352هـ)، تحقيق: محمد الكاظم، (طهران، مؤسسة الطبع لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، 1990).
· تيسير المطالب، يحيى بن الحسين بن هارون (بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1395هـ).
· الحور العين، نشوان الحميري (ت 573هـ)، تحقيق: كمال مصطفى (طهران، 1972).
· الحيوان، الجاحظ (ت 255هـ)، تحقيق: عبد السلام هارون، ط2(القاهرة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي،1965).
· الدر النظيم، ابن حاتم العاملي (ت 664هـ) (قم، مؤسسة النشر الإسلامي).
· ديوان شعر الخوارج، جمع وتحقيق: إحسان عباس (بيروت، دار الشروق، 1982).
· ديوان الكميت الأسدي، جمع وتحقيق: د. محمد نبيل طريفي (بيروت، دار صادر، 2000).
· ذوب النضار في شرح الثار، ابن نما (ت645هـ)، تحقيق: فارس حسون كريم (قم، مؤسسة النشر الاسلامي، 1416).
· رسائل المرتضى، الشريف المرتضى (ت436هـ) تحقيق: أحمد الحسيني (قم، مطبعة الخيام، 1405هـ).
· الروائع المختارة من خطب الإمام الحسن (ع)، السيد مصطفى الموسوي، تحقيق: السيد مرتضى الرضوي، (طهران، دار المعلم، 1975).
· زهرة المقول في نسب ثاني فرعي الرسول، العلامة الحسيني، (النجف،1380هـ).
· السنن الكبرى، البيهقي (ت 458هـ)، (بيروت، دار الفكر).
· سير أعلام النبلاء، الذهبي(ت748هـ)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وحسين الأسد، ط9(بيروت، مؤسسة الرسالة، 1993).
· الشافي في الإمامة، الشريف المرتضى (ت 436هـ)، (قم، مؤسسة إسماعيليان، 1410).
· شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي، تحقيق: السيد محمود المرعشي (قم، مطبعة حافظ، 1415).
· شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي(ت363هـ)،تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، (قم، مؤسسة النشر الإسلامي).
· شرح ديوان المتنبي، البرقوقي (بيروت، دار الكتاب العربي،1980).
· شرح مسلم، النووي (ت676هـ) (بيروت، دار الكتاب العربي، 1987).
· شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (ت 656هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم(بيروت، دار احياء الكتب العربية، 1959).
· الشعر والشعراء، ابن قتيبة (ت276هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، (القاهرة، دار الحديث، 1982).
· الصحاح، الجوهري (ت393هـ) تحقيق: أحمد عبد الغفار (بيروت، 1987).
· الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، السيد جعفر مرتضى، ط4(بيروت، دار الهادي ، 1995).
· طبقات خليفة، خليفة بن خياط العصفري(ت 240هـ)، تحقيق: سهيل سكار(بيروت، دار الفكر، 1993).
· طبقات فحول الشعراء، محمد بن سلام (231هـ/846م)، تحقيق محمود محمد شاكر، (دار المدني، القاهرة،1980).
· الطبقات الكبرى، محمد بن سعد (230هـ) (بيروت، دار صادر).
· الطرماح بن حكيم بين الخوارج وبين الشعراء، أحمد سليمان معروف (دمشق، منشورات وزارة الثقافة، 2001).
· عمدة القاري، العيني (ت588هـ) (بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ت).
· العوالم، الشيخ عبد الله البحراني، (قم، مطبعة أمير، 1407هـ).
· الغدير، الشيخ الاميني (بيروت، دار الكتاب العربي، 1977).
· الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم، عبد القاهر بن طاهر البغدادي (ت429هـ)، تحقيق: محمد عثمان الخشت (القاهرة، 1988).
· فرق الشيعة، النوبختي والقمي (القرن الثالث الهجري)، تحقيق: الدكتور عبد المنعم الحفني (القاهرة، دار الرشيد، 1992).
· الفصول المختارة، الشريف المرتضى (ت413هـ)، تحقيق: نور الدين جعفريان، (بيروت، دار المفيد، 1993).
· الفهرست، ابن النديم(ت380هـ)، تحقيق: يوسف علي طويل، ط2(بيروت، دار الكتب العلمية، 2002).
· فوات الوفيات، ابن شاكر الكتبي(ت764هـ، تحقيق: محمد علي وعادل أحمد (بيروت، دار الكتب العلمية، 2000).
· الكامل، محمد بن يزيد المبرد، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (القاهرة، دار الفكر العربي).
· الكامل في التاريخ، ابن الاثير (ت630هـ) (بيروت، دار صادر، 1966).
· كتاب الاحتجاج، الشيخ الطبرسي (ت548هـ) تحقيق: محمد باقر الخرسان(النجف الأشرف، دار النعمان للطباعة والنشر، 1966).
· كتاب البرصان والعرجان والعميان والحولان، او عمرو الجاحظ (255هـ) تحقيق: عبد السلام محمد هارون (بيروت، دار الجيل، 1990).
· كتاب الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي (ت 314هـ)، تحقيق: علي شيري (بيروت، دار الأضواء، 1411هـ).
· كتاب المحبر، محمد بن حبيب البغدادي(ت 245هـ) (حيدر آباد، مطبعة الدائرة، 1361هـ)، ص230).
· لسان العرب، ابن منظور (ت 7110هـ) (قم، أدب الحوزة، 1405هـ).
· لواعج الأشجان، السيد محسن الأمين، (صيدا، مطبعة العرفان، 1331هـ).
· اللهوف في قتلى الطفوف، علي بن موسى بن طاووس (ت664هـ) (قم، أنوار الهدى، 1417).
· مجمع الأمثال، أحمد بن محمد الميداني (ت 518هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2(بيروت، دار الجيل، 1987).
· المختار الثقفي- دراسة وتحليل، باقر شريف القرشي، (دار الذخائر الإسلامية، 1427هـ).
· مروج الذهب ومعادن الجوهر، علي بن الحسين المسعودي (ت346هـ)، ط2(بيروت، الشركة العالمية للكتاب، 1989).
· المسائل الجارودية، الشيخ المفيد (ت413هـ) (بيروت، دار المفيد، 1993).
· مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي، تحقيق: حسن عبد علي النمازي (قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1418).
· مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي النمازي (طهران، مطبعة حيدري، 1414هـ).
· مسند الإمام احمد (ت 241هـ/855م)، دار صادر، بيروت).
· معجم الشعراء من العصر الجاهلي حتى نهاية العصر الأموي، الدكتور عفيف عبد الرحمن (بيروت، دار المناهل، 1966).
· مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني (ت 356هـ)، تحقيق: السيد أحمد صقر (بيروت، دار الزهراء، 1428).
· مقتل الحسين، أبو مخنف (ت 157هـ)، تحقيق: حسين الغفاري، (قم، المطبعة العلمية).
· مقتل الحسين، الموفق بن أحمد الخوارزمي (ت 568هـ)، تحقيق: العلامة محمد السماطي (قم، مطبعة مهر، 2005).
· الملل والنحل، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت548هـ) تحقيق: عبد الأمير علي مهنا وعلي حسن فاعور ط3، (بيروت، دار المعرفة، 1993).
· مناقب آل أبي طالب، ابن شهر أشوب (ت 588هـ)، تحي لجنة من العلماء، (النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1956).
· منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، العلامة الحلي (ت 726هـ)، تحقيق: عبد الرحيم مبارك(قم، مطبعة الهادي).
· ميزان الاعتدال، الذهبي (ت748هـ) ، تحقيق: محمد علي البجاوي، (بيروت، دار المعرفة).
· نشأة الشيعة الإمامية، نبيلة عبد المنعم داود، (بيروت، دار المؤرخ العربي، 1994).
· نهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب الدين النويري (ت 733هـ)، تحقيق: عبد المجيد ترحيني وعماد علي حمزة(بيروت، دار الكتب العلمية، 2004).
· نهج البلاغة، الإمام علي (ت40هـ)، تحقيق: الشيخ محمد عبده (قم، مطبعة النهضة، 1412هـ).
· الوافي بالوفيات، الصفدي (ت 764هـ)، تحقيق أحمد الارناؤوط وتركي مصطفى (بيروت، دار إحياء التراث، 2000).
· وفيات الأعيان،ابن خلكان، تحقيق: إحسان عباس،(بيروت، دار صادر، 1977).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat