صفحة الكاتب : محمد  عبد الجبار الشبوط

المجتمع المتخلف
محمد عبد الجبار الشبوط

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المجتمع المتخلف هو ذلك المجتمع الذي يعاني من خلل حاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة بعناصر المركب الحضاري الخمسة اي الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل. هذا الخلل الحاد هو التعبير العلمي عن "التخلف" نفسه. فالتخلف هو الخلل الحاد.

واما الظواهر السلبية الاخرى التي سوف يعاني منها المجتمع مثل تدهور الانتاجية (في الزراعة والصناعة والادارة والتجارة)، وسوء طبيعة ومستوى الحياة، وتردي الخدمات (الصحية والتربوية وغيرها) وخراب البنية التحتية، والفساد السياسي والاداري والاخلاقي، والفقر، والبطالة، وارتفاع نسبة الامية، والوضع السيء للمرأة، وغياب فكرة المواطنة، وبدائية العلاقات الاجتماعية وسقوطها في العشائرية والطائفية وغير ذلك من الروابط العضوية السابقة لظهور الدولة الحديثة والفهم الطقسي للدين… كل هذه الظواهر السلبية وغيرها انما هي افرازات خارجية للمشكلة الاساسية واعني بها التخلف، اي الخلل الحاد في المركب الحضاري.

المجتمع المتخلف لا يحسن توظيف واستثمار وتشغيل عناصر المركب الحضاري بصورة يمكن بواسطتها ايجاد المجتمع المتقدم والمتحضر وحديث، وبالتالي اقامة الدولة الحضارية الحديثة. وسبب هذا هو الافكار او التصورات التي يحملها المجتمع عن العناصر الخمسة، وهي تصورات سلبية، توكلية، نزاعية، ذات افق محدود، مما يؤدي الى تعطيل العناصر الخمسة وسوء ادارتها وتشغيلها فيتراجع كل شيء في المجتمع: الاقتصاد والسياسة والادارة والدين والعلاقات الاجتماعية والتربية والعلم والنشاط العام .. الخ.

تنشأ احزاب عقائدية او شبه عقائدية في المجتمع لاسباب مختلفة ليس من بينها الرد على التخلف ومعالجته، ومحور هذه الاحزاب هو العقائد او الايديولوجيات التي تؤمن بها، فيكون هدفها ليس القضاء على التخلف او اصلاح الخلل الحاد في المركب الحضاري للمجتمع والدولة، وانما اقناع افراد المجتمع بالايديولوجيات التي تؤمن بها، فتنشأ صراعات ايديولوجية جديدة في المجتمع، فضلا عن الصراعات السياسية، اضافة الى النزاعات العضوية التقليدية؛ ولا ينشأ تنافس ممدوح بين هذه الاحزاب من اجل القضاء على التخلف وتحقيق التقدم كما في قوله تعالى:"وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ".

فكرة "المجتمع المتخلف" ليست عقيدة او فلسفة او ايديولوجية سياسية، انما هي فكرة او تشخيص علمي منتزع من واقع المجتمع العراقي خلال المئة سنة الاخيرة. فقد خرج العراق من سلطة الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين وهو في اشد المعاناة من التخلف الحضاري، اي من الخلل الحاد في المركب الحضاري للمجتمع. مجتمع امي، عشائري، لم يمر بتجربة الدولة الحديثة، بل لا يؤمن بفكرة الدولة الخ. في هذا المجتمع نشأت احزاب ايديولوجية جعلت هدفها الوصول الى السلطة، وليس القضاء على التخلف. وخلال المئة سنة الماضية وصلت هذه الاحزاب الى السلطة، بهذا الشكل او ذاك، وقامت هذه الاحزاب بكل ما يلزم لحماية سلطتها، لكن التاريخ لا يذكر انها قامت بشيء من اجل القضاء على التخلف.

تلك هي مأساة العراق!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد عبد الجبار الشبوط
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/09/17



كتابة تعليق لموضوع : المجتمع المتخلف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net