سهل نينوى ـ حاتم هاشم:
(أوائل السبعينات، وجدوا ورقة في جيب بطل فيتنامي صريع، يخاطب فيها من يعثر أولا على جثته: اذا كنتَ ورداً فكن عباد الشمس، واذا كنتَ طيراً فكن حمامة، واذا كنتَ حجراً فكن ماسا، واذا كنتَ انسانا فكن شيوعياَ).
بهذه الكلمة العذبة المدوية، بدأ الشاعر ابراهيم الخياط جلسته مساء الجمعة 15 حزيران 2012 على حدائق مقر الحزب الشيوعي الكردستاني في بحزاني، ليضيف: (وأنا أقول: واذا كنتَ شيوعيا فكن من بعشيقة وبحزاني).
قدمت للجلسة الشابة (ساجدة)، ثم أدارها الشاعر خالد خلات، فيما قدم القاص نواف خلف السنجاري ورقة انطباعات نقدية، كانت أقرب للشعر منها للنقد، ومما جاء فيها:
(ابراهيم الخياط يجمع شظايا حروفه المتناثرة ويسكبها برفق في قوارير سرعان ماتمتليء بالشهد والخمر والعطر، هكذا تتحوّل الكلمات بين يدي الشاعر الى عسل شهي، فتصير القصائد نفحات عطر تملأ الارجاء، وتصبح المعاني خمرا معتقا ننتشي به، فعندما تريد "هناءة المحابس" منه طفلا، يقول لها:
"دق الجرس،
ولكن التلاميذ لم يغادروا
الصفوف الصامتة من جبروت المعلم
ليملأوا الهواء بالضجيج المستحب،
لأن وطني يحيا بلا صغار..
فهل يحيا من لا صغار له؟"
بهذا الحزن الشفيف يكتب الخياط شعره، انه لايترك مكانا الا ونقش عليه: على أوراق البرتقال، فوق الجدران المهدمة، تحت قمصان الاطفال المحترقة، على الزجاج المهشم، فوق الارض المتخمة بالبترول، على أعمدة الكهرباء العقيمة، وفوق الايادي العاطلة، وحتى على حائط حنا السكران.)
ليبدأ بعد ذلك الشاعر الضيف حديثه عن بعقوبة ونهرها وآسها وبرتقالها، عن خليل المعاضيدي ومحي الدين زنكنة، وعن الحروب والخيبات والامل العالي، وليقرأ باقة من قصائده التي تفاعل معها الجمهور الحاشد وأغلبه من النساء.
ولم تقتصر الرحلة الى سهل نينوى على هذه الفعالية الثقافية التي حضرها عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكردستاني سردار دهوكي، بل كانت ثمة لقاءات متميزة مع أعضاء المجلس الاجتماعي الموقر للمدينة، وجولة في معامل الراشي اللذيذ، فضلا عن زيارة لمعبد (لالش) الايزيدي في الشيخان، مع "أبو أرفيد" و"أبو سامان" و"الاستاذ عايد" و"أبو حيدر"، حيث المزارات المبجلة، والماء المقدس، والمسير الحافي اجلالا، والتوت الريان، والزيتون المعمر، والبستوكَات الطافحة بزيت العيد، وحيث البياض الطاغي والاروقة التي تفرض الخشوع.
وكانت دارة المهندس (أبو رونزى)، قبل ليلة، واحتفاءً بالشاعر الضيف وعائلته، قد صارت مأما للوافدين واشتعلت فيها الحوارات الثقافية ثم اكتظت بحلقات الرقص والدبكات الكردية والعربية، مع الدف والطبل والمزمار وصدح الثنائي "حياوي" و"علي خدر" بالغناء المحلي الراقي، حتى صار الليل لمرتين نهاراً تعلوه بهجة جذلى ورفقة حميمة ونجوم متلألئة في السهل الزاهر، فمن المعلم "سعيد" الى القاص "حجي خلات" والى الكائن الاسطوري "أبو أشجان" وقبلهم الناشطة المتفانية "نازك شمدين"، الى نجوم وناس المدينة السامية والزاهية كنفسها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat