كيف اجتمعوا لزيارة الأربعين
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . الشيخ عماد الكاظمي

كلما رأيت تلك الأعداد التي لا تحصى بسهولة وهي في الطريق إلى زيارة الإمام الحسين "عليه السلام" مشيًا مع شدة الحال من حرارة الجو، والسكن، والمبيت، وتحمُّل مشقة ذلك، وهم لا يعتنون بكل ذلك، مع معنوية عالية، وبعضهم قد اصطحب النساء والأطفال معه.. كان يتبادر في ذهني -حقيقة- سؤال يحيِّرني مفاده: *(من الذي جمعهم على هذه الهيأة!!!)*
فكانت مجموعة أجوبة تمُرُّ في هواجسي إجابة لذلك السؤال، ومنها:
- *قلتُ*: إنهم قد قرؤوا تلك الروايات الواردة في فضل المشي إلى قبر الإمام الحسين "عليه السلام" لزيارة الأربعين.
& ولكن كم عدد هذه الروايات التي يمكن أنْ تجعل الإنسان أنْ يبذل كل ذلك بسبب قراءته لها؟؟
- *وقلتُ*: بل لعل شدة تواصلهم مع خطباء المنبر واستماعهم لروايات في ذلك الثواب والأثر لزيارة الأربعين.
& ولكن لم أسمع بتلك الروايات إلا نادرًا من الخطباء ذلك، وفي أوقات محدودة، فهل يمكن لذلك أنْ يجعل هذه الملايين تتحرك بهذه الكيفية؟؟
- *ثم قلت*: لعل توافر الأسباب المادية قد كانت السبب في ذلك، حيث تسهيل الحكومات وتسخيرها لخدمة الزائرين، وتوفير الخدمات المتنوعة من العتبات والمؤسسات والمواكب والأهالي، قد مهَّد لذلك.
& ولكن هناك إصرار على المشي والزيارة وإنْ لم يوجد كل ذلك، وأيام البعث الحالكة في العراق شاهدة على ذلك الإصرار، وغيرها من وقائع وأيام؟؟
- *وقلت كذلك*: لعلها العاطفة، والعقل الجمعي، والإعلام، والتشجيع من الآخرين على الزيارة والمشي إليها آلاف الأمتار، وفي ذلك ترويح للنفس، وتأدية لواجب معيَّن؟؟
& ولكن هل ينطبق كل ذلك على تلك الجموع التي لا تحصى، وعلى كبار السن من الرجال والنساء، وبعض المرضى، والعلماء وطلبة العلم؟؟
- *رجعت فقلت*: إنه الإصرار والتحدي للطواغيت، ومواساة ركب الإمام الحسين "عليه السلام" الذي مشى تلك الأيام وهم سبايا من كربلاء إلى الكوفة، ومن الكوفة إلى الشأم، ومن الشأم إلى كربلاء، ومن كربلاء إلى المدينة.
& ولكن هل جميع الذين يأتون للزيارة قد استحضروا ذلك، أو أنَّ هذا التأسِّي يؤدي إلى تحمُّل كل هذا الأذى وتحمُّل المشقة والتعب والسهر.
- *وقلت أيضًا*: لعل إصرار كبار العلماء، ومنهم مراجع الدين العظام بأنفسهم على المشي في هذه الزيارة، قد جعل العوام أشد تمسُّكًا بها.
& ولكن هل كل هذه الملايين قد قرأت سيرة أولئك المراجع؟ أو رافقتهم في الزيارة؟ أو سمعت عنهم مثل ذلك؟؟
*أخيرًا قلت في نفسي بعد تأمُّل وتأمُّل* :
- *إنه الإذن الإلهي لقبر الحسين* عليه السلام: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) وهل هناك رادٌّ لهذا الإذن ..
- *وإنه الأذان الإلهي*: (وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍّ عميق) ..
- *وإنه الفتح العظيم* الذي نادى به سيد الشهداء عليه السلام: (مَنْ لحق بنا استشهد، ومَنْ لم يلحق بنا لم يدرك الفتح) ..
- *وإنه تلبية لصرخة الإمام الحسين* "عليه السلام" يوم عاشوراء (هل من ناصر ينصرنا) ..
- *وإنه وَعْد زينب* "عليها السلام" للإمام السجاد عليه السلام يوم كان يجود بنفسه على تلك الأجساد الزواكي التي تُركت على عرصات كربلاء: (ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء "عليه السلام" لا يُدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام، وليجتهدنَّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا ظهورًا، وأمره إلا علوًّا) ..
- *وإنه قَسَمُ صرخة زينب* "عليها السلام" بوجه يزيد بن معاوية وهو يتلذذ بتلك الرؤوس المباركة: (فكد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا) ..
*أخيرًا* ..
- *إنه دعاء الإمام الصادق* "عليه السلام" لزوار الإمام الحسين "عليه السلام" وهو ساجد يبكي: (اغفر لي، ولإخواني، وزوار قبر أبي الحسين بن علي "صلوات الله عليهما"، الذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم؛ رغبة في برِّنا؛ ورجاءً لما عندك في صلتنا؛ وسرورًا أدخلوه على نبيك محمد "صلى الله عليه وآله"؛ وإجابةً منهم لأمرنا؛ وغيظًا " أدخلوه على عدونا، أرادوا بذلك رضوانك. فكافهم عنا بالرضوان، واكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف .... فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلب على قبر أبي عبد الله "عليه السلام"، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا، اللهم إني أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش).
اللهم تقبل هذه العقيدة والشقشقة والحروف، واجعلها استجابة لتلك الصرخة التي كانت لأبي عبد الله "عليه السلام" يوم عاشوراء إنك سميع مجيب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat