صفحة الكاتب : حامد عبد الصمد البصري

ظلال المسافات 
حامد عبد الصمد البصري

كان يعيش القروي (ح ) في خط عجيب ، يحمل بين طياته إشراقات ،وحفيف اشارات ، ودلالات كثيرة ، يحاول أن يبلورها الى قيم إبداعية أصيلة ، فيسعى جاهدا لإخراجها من مراحل التجريب ، بعينين صافيتين ليجعلها مؤثرة وفاعلة ، الى الحد الذي يمكنها من أن تحتل موقفاً مميزاً عبر قيم وأبعاد جديدة .                                          

ولكنه في أيامه الأخيرة ، توارت عنه عناصر الخيال ، فتسللت الى نفسه أسباب الضجر وروحه المشتعلة قد انطفأت وبين الوحدة والحنين، وعلى خاصرة الصباح أحس في نفسه رغبة بتأمل مشرق الشمس ، فتح نافذته فاستقبله نسيم بارد ندي، وسمع همساً رقيقا يأتي من بعيد . 

ـ تعال الى أبي الخصيب كي تتأمل مطلع الشمس ، فأنت الان في مكان لا تستطيع رؤية بزوغه، ولن تستطيع أن ترتشف رحيق شفاه الشمس.

ـ هذا صحيح أمامي أبنية شاهقة ، والشمس  بعيدة وراء الأفق اشراقاتها تتكسر على الجدران، وعلى سطوح البيوت، وثمة غييمات تمنع أحاسيس الشمس من التوقد بجذوة الأشواق ، سكت قليلا فجاءه الهمس ثانية .                                       

ـ أسرع قبل أن ينسحب سواد الليل على بياض النهار .

ـ نعم سأسرع لاقترب من أحلامي البعيدة القريبة ، ولكي ألقي البذور في ارض خصبة ، بعد أن مضى الليل الذي عانقته  سكينة لا حد لها .                              

أغلق النافذة، وعاد الى غرفته ، فتح خزانة الملابس، ارتدى ثيابه المكوية الأنيقة ، وخرج ينساب في شرايين الشوارع ، وفي قلبه وهج الأمنيات الرائقة ، مثل هواجس تقربه من أبي الخصيب ، كان يسكب خطواته على أرضية الشوارع ، حتى وجد نفسه في موقف (مرآب )  سيارات أبي الخصيب كان الزحام شديدا ، والسيارات كثيرة ،اتجه الى أحدى السيارات .                                    قال رجل لأخر: - وهو يندفع الى باب السيارة. 

ـ خش ....! 

قال الآخر ـ خش أنت ....! 

نظر الأول للأخر مبتسما ً... ثم خشا معا،  وحين جلس الجميع في المقاعد سمع أحدهم  يقول لصاحبه .... 

ـ أ أنت مصري يا رجل ...؟ 

ـ لا ..... أنا رجل عراقي بصري من أبي الخصيب ، ولكنني وددت أن ألاطفك ببعض المفردات المصرية العامية .                                       

ضحك ركاب السيارة  ثمّ ساد الصمت .. صمت طويل .....! 

فجأة قلّب (ح) أوراق روحه ، وهو مثل عصفور افزعه الحديث ، وعلى الرغم من ان أبا الخصيب بدا يظهر شيئا ...شيئا ..... حاملاً على كفّه باقات ورود يانعة ، وزجاجات عسل مصفى ، وفي كفه الأخرى ، يحمل  حلاوة نهر خوز ، وأباريق ليست مهشمة مملوءة بعصير الليمون وقد رأى (ح) نخيلا وأشجارا ، وأشياء لفها الزمن ،برذاذ الغبار وشظايا ذكريات  ماتزال  على رصيف الأيام ،نظر الى الرجلين كأنه ينظر الى ظلال هاربة .

نكس احدهما ، رأسه بينما كان الأخر ينظر الى الركاب .... يتصفّح وجوههم

ويقرا عيونهم 

قال (ح) بصوت منخفض، يقول البحتري (أبو عبادة الوليد بن عبيدا لطائي ) وهو شاعر كبير من العصر العباسي ، وكان الجواهري معجباً به إعجابا كبيرا ،لا يقل عن إعجابه ،بالشاعر الكبير المتنبيّ نعم يقول البحتري:

تحجه الاركبُ مخشوشة

ركبانها من كل فج عميق                                           

      والباب المخشوش الذي يقصده الشاعر البحتري هو باب بيت الله الحرام بمكة المكرمة ، ويعتقد الكثيرون من الناس ان( خش ـ يخش ) كلمة عامية لا صحة لها في العربية الفصيحة والصواب أنها كلمة بمعنى دخل يدخل و(المخشوشة ) معناها  ( مدخولة )  اسم مفعول و(خاش) بمعنى (داخل) اسم فاعل .اندهش الركاب لحديثه قال لهم ، لا تندهشوا ، فالحجاج يخشون الى الأماكن المقدسة في كل عام ، ومعذرة لكم فانا أعرف  من العربية أشياء ، ولكنني ما زلت في بداية الطريق .                                         

      قال رجل يحرق سيجارة  فيل فمه ، يجلس الى جانبه

- شكرا لهذه المعلومات ولكنك يا أستاذ ... لست في بداية الطريق

لأننا قد وصلنا.....!

نزلتُ من السيارة ، وتركتُ خطواتي على أرض الشارع تسير إلى حيث كان مسقط رأسي ،وطفولتي ،وشبابي .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حامد عبد الصمد البصري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/07/24



كتابة تعليق لموضوع : ظلال المسافات 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net