صفحة الكاتب : الشيخ حسين المياحي

رسالة الى الشيخ شهيد العتابي
الشيخ حسين المياحي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أذكّرك أولاً بقوله تعالى: (ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصرَ والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً) 
وبقول الشاعر:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبةُ
     وإن كنت تدري فالمصيبةُ أعظمُ

وبعد:
فقد شاهدت ما نشرته بخصوص السيد كمال الحيدري، ولعمري كان أمرًا صادمًا لكل من لديه أدنى اطلاع على ما حصل خلال السنوات العشر الماضية في مسيرة الرجل، وما آلت إليه أحواله بشكل سريع.

وما أثار استغرابي في ذلك يتلخص بأمور عديدة أوجزها فيما يلي:

١. السبات الطويل والنوم العميق الذي كان يعيشه جنابكم الكريم طيلة تلك السنوات، ثم الاستيقاظ المفاجئ واتصالك بالسيد الحيدري لتكتشف أنه ممنوع من مزاولة أعماله طبقًا لما نقلته عنه. 

بل إن السيد الحيدري نفسه تفاجأ واستغرب من رجل هبط للتوّ من كوكب آخر ليتصل به، وهو يجهل ما جرى منه وعليه.

٢. تحريف الحقيقة وتشويهها بشكل يبعث على الاشمئزاز. فما جرى للسيد الحيدري من التضييق عليه في النشر وأمثاله، لم يكن بسبب أفكاره الانحرافية الأكيدة، ولا لكونه (عراقيًا) كما توهمتم، فهو مواطن إيراني كاشاني الأصل، يحمل الجنسية الإيرانية، ولا علاقة له بالعراق، ولا يضره ذلك كما لا ينفعه هذا في المقياس الديني والإنساني. 
أما على مستوى أفكاره فقد بدأ بطرحها بشكل علني ابتداءً من عام 2013 م من قناة الكوثر الإيرانية، والجميع يتذكر تلك المقولة البائسة التي أطلقها واتهم فيها التراث الشيعي بأنه مأخوذ من اليهودية والنصرانية والمجوسية، ثم واصل بعدها الطعن بالدين والمذهب حتى أصبحت مقالاته مادة غنية للقنوات الوهابية ترددها يوميًا. 

كلّ ذلك والحكومة الإيرانية لا تتدخل - كعادتها - في التصدي له، وهو منهج معروف في الوسط الإيراني اعتاد عليه المجتمع الديني والسياسي.

بل بلغ الحال بالكثيرين أن يتهموا الدولة الإيرانية بتوظيفه لإسقاط مرجعية النجف، ووجهوا النقد اللاذع لها بأشد مما توجهه أنت وأمثالك اليوم لها بالتضييق عليه! وهذا من أعجب العجب.

٣. أما الحقيقة فتتلخص بما يلي:

أ. أن الرجل لم يعد معدودًا من علماء الشيعة ولا السنة، إنما لديه أفكاره الخاصة التي لا يتفق فيها مع جميع المذاهب.
فالتعبد عنده جائز - بل واجب - على جميع الأديان والمذاهب والملل والنحل.
والإمامة عنده ليست ضرورة دينية ولا مذهبية.
وولادة الإمام الثاني عشر لا تثبت بالإخبار لعدم وجود روايات صحيحة في ذلك. إنما تثبت بالمنهج العرفاني الذي لم يتقدم فيه خطوة واحدة للأمام لإثبات وجوده وولادته.
وكل ظهور في كل زمان حجة لديه، وهي نظرية هرمنيوطيقية تتبنى قطع الصلة بين النص وقائله، وتؤمن بتعدد القراءات للنص الواحد بعيداً عن مراد القائل.
ومصاديق المفاهيم القرآنية عنده بالمطلق ليست توقيفية، إنما هي اجتهادية تخضع لاجتهاد المجتهد في كل عصر.
ولا ثوابت لديه في جميع المفاهيم الدينية وكلها قابلة للنقاش والتغيير ابتداءً من وجود الخالق وحتى أدق الدقائق.
وغير ذلك مما يطول به المقام.
فهو معدود من أصحاب المدارس والمقالات الخاصة التي يخالف فيها جميع المذاهب، ولا يمكن حسابه على مذهب بعينه طبقاً لآرائه المعلنة.

ب - التضييق عليه لم يكن بسبب أفكاره تلك، فالوسط الإيراني ألف منذ زمن بعيد الرأي والرأي الآخر، ولا زال الكثير من المفكرين المثيرين للجدل يعيشون بسلام ويمارسون حياتهم بشكل آمن دون أي مضايقة.

ومن المفارقات العجيبة أن مريدي السيد الحيدري كانوا ينشرون على نطاق واسع مقطعًا للسيد للخامنئي يؤكد فيه أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر. 

ج - الذي دفع السلطات الإيرانية للتدخل وإيقاف السيد الحيدري والتضييق عليه هي قضية (أمنية - سياسية) حاصلها:
أن الجمهورية الإسلامية تتبنى مشروع الوحدة الإسلامية، وكانت ولا زالت تبذل الكثير من الجهد في هذا الصدد، وهو جزء من خياراتها الستراتيجية التي تمثل خطًا أحمر لن تسمح لأحد بتجاوزه أيًا كان.
هذا على الصعيد السياسي.

أما على الصعيد الأمني فلدى إيران شريحة كبيرة من أهل السنة، وبعض هؤلاء من قبائل البشتون، ولدى بعضهم صلات بالسعودية وحركة طالبان، وهناك تنظيم مسلح تحت اسم (جند الله) استهدف الحرس والجيش والشرطة في عمليات إرهابية معروفة، ولا بد أن الكثير يتذكرون ما فعله عبد الملك ريغي وأنصاره قبل اعتقاله من قبل الحرس الثوري في عملية معقدة.

هذه الورقة (السنية) تمثل تحديًا دائمًا للجمهورية الإسلامية، لأنها من أخطر الأوراق التي تحركها الوهابية في الوسط السني الإيراني وخارجه، وقد كنا نسمع ولا نزال دعاوى الاضطهاد الشيعي لأهل السنة في إيران.

ومن هنا تعمل إيران بشكل دائم لقطع الطريق على كل من يريد تحريك هذه الورقة الخبيثة، وتفجير صاعق القنبلة الخطيرة.
في هذه الأجواء جاء تصريح السيد الحيدري لقناة العراقية الفضائية، الذي نسب فيه التكفير لجميع علماء الشيعة! وهذا كذب وتزوير من جهة، ومن جهة أخرى يمثل شهادة من (مرجع شيعي) تؤكد صحة المقولة الوهابية القائلة: إن الشيعة يعملون بالتقية، فلا تصدقوهم في دعواهم بعدم تكفير أهل السنة.
وبهذا تتخلص الوهابية من صفة التكفير، لترمي بها الشيعة. والضرر السياسي والأمني في ذلك لا يخفى على ذي لب.
هذا هو التوصيف الحقيقي لما جرى، بغض النظر عن كون إجراء التضييق كان صحيحًا أم لا، إلا أن المبررات واضحة لا تحتاج للكثير من التأمل.

فيا أيها الشيخ النائم، الذي استيقظ متأخرًا، اتق الله في دينك، وانشد الحقيقة قبل كل شيء، وتكلم مع الناس بصدق وأمانة، ثم تبنَّ ما تشاء من المواقف.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حسين المياحي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/07/10


  أحدث مشاركات الكاتب :



كتابة تعليق لموضوع : رسالة الى الشيخ شهيد العتابي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net