سيدتي لم أستطع أنْ أتمالك نفسي ، لقد حملني إليك جناح من الحب الصادق ،والشوق المجنّح..! وأنا اعلّق أهدابي بالنجوم وبالقمر.
تسارعتْ أنفاسي -عفوا - يا سيدتي فأنا أتذكر أيام طفولتي ، كلما حاولتُ أن أكتب عن ولادة إنسان ، فكيف بي ، إذا كان هذا الإنسان من نمط خاص.. امرأة طيفها لن يموت ، وذكرها تزغرد به الحناجر كلّها ، بشتى الكلمات المتوهجة بغصون محبّة ،لا حدّ لأزهارها ، ورائحتها ، امرأة تستحق كلّ التقدير ... والاحترام ، امرأة حاضرة تتهادى بنورها البهيّ .
سيدتي لقد وجدتُ نفسي أمامك ، وأنت تبصرين مكة لتتنوّري منها ، حيث ولدتِ في مكة المكرمة سنة (575 ) ميلادية ،ولادة مباركة ، تشعرين بكيانك من خلالها، كأنّك شجرة أزهرتْ فكان والدك كلما نظر إليك ، وهو جائع أحس بالشبع التام ، فقد تعلم في مدرسة التوحيد والمحبة الكثيرالكثير . وها هو الآن يعلّمك الحبّ ، فقد جئت له بعد شهور من الصبر الجميل والانتظار والدعاء .
كان والدك ، يا فاطمة يحبّ الإنسان، ويقدسه ، ذكرا أو أنثى ، في زمن يرى الآخرون فيه الأنثى عاراً ، ويجب أن تدفن ، واختزلوا أبعاد المرأة ، وصغّروا حجمها ، ونسوا أنّ الإنسان ( هو رجل وامرأة) وإنّهما معا ( في أحسن تقويم( سيدتي فاطمة ، أيّتها النهور التي تعانقها الأشرعة ، ما زلتُ أجوب المدى باحثا عن عالمك الأخضر، وللشوق نبض في قلبي وفي الروح ألف ابتهال سماويٍّ.
كبرتِ يا فاطمة ، وبدأ العلم يتسلل إلى قلبك كما يتسلل النور في الظلام ، والعلم سلاح المعرفة ضد الخرافة والجهل ، والعلم عقل ، والعقل لا يرضى بالفوضى والتخبط ،كما لا يقبل التردد والضعف ، ولذلك تخطيتِ كل ما هو ظاهري ومزّيف ، إلى العمل والبناء، عبر أفكار ملحّة مستمدة من تعاليم السماء .
استقبلك الأحبّة ، كأنّك أسرار مقدسة ،على الرغم من الظروف الصعبة فقد نضج وعيك ، وتوقّدتْ مشاعرك ، فقد أفلح قلبك ، ونضج تماما وظهرت الهداية ، متألقة في حياتك ، الحياة الزكيّة المتوهّجة بالهداية والهداية ، جاءت من شمس الإسلام ، الإسلام الذي سيمدّ اشعاعاته في كل مكان ،و من طهارة جوهرك ،وسمو روحك ، وصفاء نفسك الطيّبة ولأنك بحثت عن السلامة ، فقد لزمتِ الاستقامة الرائعة والكبيرة
وقبل هذه الأمور كلّها مشيئة الله سبحانه وتعالى ، فهو عزّ وجلّ يهدي من يشاء .
أعرف يا سيدتي ، ثمّة أشياء كثيرة تطرأ ، وتدور في خاطرك تنساب.. تطير من تلك السنوات مثل فراشات ملوّنة ، وتحطّ لتطرز أيّامنا بالأمل ، فأنت تمتلكين مواقف ، والمواقف أعمال ، وأنت أعلى صوتاً من الأقوال ، ولقد يعادل الموقف الواحد جهاد عمر .
اعذريني ، لقد دنتْ خيوط الفجر الفضّية تطارد آخر الفلول الهاربة من الليل أعذرني أريد أن أصلي ...............!
صلّيتُ وعدتُ، لأكتب عنك، وأصابعي تتعّطر من ضفاف الياسمين ، اعذريني سيّدتي..! لم تبحث فاطمة يوما عن لغة لا تعرف الحنين لأنّ روحها مطمئنة مثل الندى، وتحمل تاجاً من الأمنيات ، ففي دارها سيّد الكائنات ، ستذكر كلّ تفاصيل طفولته الغضّة بأحلى الكلمات ، وبأحرف من نور لأنه :( رحمة للعالمين ) .ممّا لا شك فيه لقد عاشت السّيدة فاطمة بنت أسد إلى جانب أبي طالب ، وقامت بأعباء المسؤولية ، في إدارة شؤون البيت وتدبير أموره، وبرعاية غامرة، وحب كبير، وتعبٍ ،لكنّ هذا التعب كان حلوا ً، يأخذها من صدق إلى إخلاص إلى أفكار توّحد الله جلّ شأنه .
هي فاطمة ،نعم كانت مخلصة ، صادقة، وطاهرة تملك صفاءً وإيماناً وطيباً ومحبة . وبقيت الرؤية في عيونها متوهجة صحيحة وواضحة على الرغم من غبار السنوات وصعوبتها ، ما من شيء تحسّ به إلاّ ويكون حقيقة ، ولا تسبر غور إنسان إلاّ وتصل إلى أعماقه .
إنها على شفق من الضوء ، وهي حلم على جفن القمر، حتى أنّها تكاد تحسّ ما يختلج في ورقة النبات كلّما طوّحتْ بها الريح .
لقد أنجبت هذه السيدة لأبي طالب أولادا بين ذكور وإناث و هم :
طالب ،عقيل ،جعفر، الإمام علي (عليه السلام ، ام هاني (هالة) ،جمانة
وفي رواية أخرى إنّ اسم (ام هاني) ( فاختة) وقد تزوجها هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم ، وجمانة وقد تزوجها أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وقد هاجرت إلى المدينة وتوفيت فيها. وبين عقيل وجعفر عشر سنوات وبين جعفر وعلي عشر سنوات كما أفاد العلامة جلال الدين السيوطي .
الموضوع السابققناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat
.jpg)
